وداعا .. سلطان الخير والوفاء

قليلٌ هم مَن صنعوا التاريخ، ونادرون هم مَن يحفرون أسماءهم في قلوب وعقول التاريخ البشري والإنساني، حتى يبدون وكأنهم شمسا تسطع كل صباح، ونجوما تضيء كل مساء. ، وذلك لا يكون إلا لمن جدّ واجتهد وسخّر نفسه وجهده وماله لخدمة مجتمعه وشعبه، وسبقت أفعالُه أقوالَه ، من هؤلاء الرجالات العظام، رجل الوطن والشعب، رجل الإرادة والحكمة، رجل الخير والسلام ، أمير الإنسانية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، الساعد الأيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرجل الذي وهب نفسه لخدمة المملكة منذ دخوله معترك الحياة السياسية والعمل العام حتي رحيله عن دنيانا صباح اليوم عن عمر يناهز 85 عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض .
وقد خيمت حالة من الحزن والآسي علي الشعب السعودي عقب رحيل الأمير سلطان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام في المملكة العربية السعودية، الذي خاض رحلة طويلة مع المرض بدأت بمغادرته البلاد في يونيو إلى أمريكا للعلاج وخضوعه في يوليو الماضي لعملية جراحية، وكان خضع قبلها لجراحة في نيويورك في فبراير 2009 وبعد ذلك قضى بالمملكة المغربية فترة النقاهة التي استمرت حتى نهاية ديسمبر من العام ذاته حين عاد إلى المملكة.
انجازات المسيرة
ولد سلطان بن عبد العزيز آل سعود في مدينة الرياض عام 1928 م , ونشأ في كنف والده الملك عبد العزيز آل سعود , وتلقى علومه المبكرة في الدين والثقافة الحديثة والدبلوماسية مع أشقائه في القصر الملكي على يد كبار العلماء وتوسعت معارفه بمطالعته المكثفة في مجالات المعرفة والدبلوماسية ومن خلال زياراته المتعددة، ومارس العمل مبكراً وكان باستمرار على صلة بالسياسة السعودية داخلياً وخارجياً.
عين سلطان بن عبد العزيز، أميراً على الرياض في 22 فبراير ( شباط ) 1947 , وساهم مع والده في إقامة نظام إداري وطني مبني على العدالة الاجتماعية وتطبيق شريعة الإسلام , ولدى تشكيل مجلس الوزراء عام 1953م ، أصبح الأمير سلطان أول وزير للزراعة في المملكة ، و ساهم من خلال هذا المنصب في تجهيز مشروع إعادة توطين القبائل البدوية ومساعدتهم في إقامة مزراع حديثة ، وبعد ذلك بعامين أصبح وزيرا للمواصلات عام 1955م، وساهم بشكل كبير في تطوير شبكة الطرق والاتصالات وقد أشرف على بناء النظام الوحيد للسكة الحديد في شبه الجزيرة العربية ، والذي يصل الدمام بالرياض ، وهو الآن رئيس الهيئة السعودية للسكة الحديد.
كما عين الأمير سلطان وزيرا للدفاع والطيران عام 1962م، ومنذ ذلك الوقت فقد أسهم بشكل كبير في بناء القوات المسلحة الحديثة في المملكة العربية السعودية ويشمل ذلك القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، وقد أشرف على بناء المدن العسكرية في كافة أنحاء المملكة ، ولدى تولي الملك فهد الحكم عام 1982م سمي الأمير سلطان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء في 13 يونيو 1982, وفي 26 جمادى الثاني 1426تم تعيينه وليا للعهد ووزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام ونائبا لرئيس مجلس الوزراء.
جهود خيرية
وكان صاحب السمو الملكي الامير سلطان رحمه الله يشغل إضافة إلى مناصبه الهامة، منصب رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية الوطنية للمملكة التي أعيد تسميتها ب " الخطوط الجوية العربية السعودية " عام 1996م ، كما شغل منصب رئيس الهيئة الوطنية لحماية وإنماء الحياة الفطرية والوطنية، وإضافة إلى ذلك فهو رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، وفي العام 1995 أسس مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية لتوفير الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية للمسنين وبرامج إعادة التأهيل الشاملة للمعوقين ، وقد رأس الأمير سلطان العديد من اللجان ومن بينها اللجنة العليا للتعليم ، مجلس القوى العاملة ، اللجنة الوزارية للبيئة ، مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات العسكرية.
جوائز وأوسمة
حصل ولي العهد على عدة جوائز وأوسمة وشهادات تقدير من قبل مؤسسات علمية وعالمية ، وكان من أبرزها ، حصوله علي درع رجل البيئة العربي الأول في العام 1996م ، وشهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الإسلامية بماليزيا عام 2000م،كما حصل في العام 2001م علي شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الجزيرة بالسودان، وفي العام التالي حصل علي جائزة الشيخ راشد للشخصية الإنسانية وشهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة (كرانفيل) البريطانية لعلوم الفضاء والطيران، كما اختارته الجامعة ليكون شخصية عام 2003م، تقديرا لجهوده في مجال الطيران المدني والعسكري.
وحاز أيضاً على جائزة السلام والبيئة من مركز التعاون الأوروبي العربي في العام ذاته ، وشهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة (وا سيدا) باليابان، عام 2006م ، كما منحه معهد موسكو للعلاقات الدولية بجمهورية روسيا شهادة دكتوراه فخرية في نوفمبر 2007 .
عنوان الخير والسلام
وقد كان ولي العهد طيلة حياته محل للاحترام والتقدير، وظهر هذا خلال العديد من الآراء والتعليقات التي عبر بها القياديين والمحللين والكتاب عن إعجابهم وفخرهم به، وكان من أبرزها:
-“صاحب الأيادي البيضاء التي تتلمس دائمًا جراح المحتاج”.(الأمير مشعل بن سعود بن عبد العزيز، مقدرًا عطاء سمو الأمير سلطان الخيري)
-“إذا كان للخير عنوان فهو سلطان”.(الكاتب سامي عبد العزيز العثمان، في محل إشادته بأعمال الخير التي يقدمها سمو الأمير للمحتاجين في العالم الإسلامي)
-“سلطان: الكف الأيمن خير والثاني إحسان”.(الدكتور عبد الله موسى الطاير، تعبيرا عن كثرة أعمله الخيرية والإنسانية)
-“سلطان الخير.. يد تبني وأخرى تصافح للسلام”.(الدكتور عبد الله بن محفوظ، تعليقا على عملية البناء التنموية التي يقودها الأمير سلطان في المملكة، بجانب أعمال العطاء والسلام التي لا يخلو منها يوما)
-“وقفتي أمام ولي العهد غيرت مجرى حياتي”.(الشاعر السعودي الشاب سامي بن شرار الغامدي، تعبيرا عن دور الأمير سلطان في مساندة ودعم الشعر والشعراء في المملكة)
-“سلطان العلم والعلماء”.(الكاتب عبد العزيز بن علي بن نوح، بمناسبة لقاء الأمير سلطان مع عدد من طلبة العلم)
-“ابتسامة سلطان.. عنوان السلام الداخلي”.(الكاتب محمد عبد العزيز إسماعيل، تعبيرا بشاشة وجهه ومدى الحضور الإنساني فيه)
-“هو نهر جار دائم العطاء والبذل في مساعدة الفقراء والمسنين والمعاقين”.(الكاتب عبد الإله بن عباد الطويرقي، تعبيرا عن جوده وكرمه وعطائه الدائم والمتدفق مساعدة الفقراء وذوي الحاجة)
-“لم يعش لوطنه فقط بل يتعدى ذلك إلى منفعة الأمة العربية والإسلامية”.(الكاتب الدكتور علي بن مرشد المرشد، تعليقا على اتساع صدر الأمير سلطان وسعة يده ليشمل بهما أبناء أمته جميعا وليس وطنه فحسب)
-“الجميع سواسية في ذهن سلطان الخير”.(الكاتب محمد عبد الله الوعيل، تعبيرا عن مساواة الأمير سلطان بين جميع المواطنين، عسكريين وغيرهم، ولقائه بهم جميعا دون تفرقة)
-“سلطان بن عبد العزيز شخصية لها موقعها المؤثر والمهم في خريطة القرار السياسي والاقتصادي المحلي والإقليمي والعالمي”.(الدكتور أحمد السيف، تأكيدا على ثقل الوزن السياسي لشخصية سمو الأمير)
-“سلطان الإنسان يحتل موقعا في كل قلب عربي”.(الكاتب فراس اليافعي، تعبيرا عن محبة ولي العهد في القلوب)
اشعار في مدح سلطان
كما تغنى الشعراء بإنسانيته, وتباروا في وصفه وحبه للخير، ففي سياق المديح الشعري نحو سموه ومن ابرزها قصيدة الشاعر فلاح العتيب بعنوان: “أعجز عن التعبير في مدح سلطان” كان مطلعها:
سلام تسليم على خير برهان
مني على راع الوفا والفعايل
بحر الندى ضد العدى السيف شامان
معروف بالنخوة وفعل الجمايل
تسبق يمينه مع ذر يقين الإيمان
وتندي كفوفه من فعول الفضايل
شجرة وفا وظلال من ماض الأزمان
من عهد تاريخ الجدود الأوايل
سلطان مَن يقدر يجاري حسانيه
بالأوله والثانية ماخبرناه
والثالثة مجد الكرم ملك أياديه
وللناس ما تفضل من الطيب يمناه
غلطان ياللي في مجاله تماريه
ما فيه أحد مثله ولا فيه حلياه
أقواله المأثورة
وقد كان لصاحب السمو العديد من التصريحات الصحفية والحوارات ذات رؤى ومدلولات تنمُّ عن خبرة وحنكة سياسية بارعة، انعكاسًا لتاريخ سموه السياسي الحافل, وفيما يلي عرض لأبرز تلك الأقوال:
-“المملكة وضعت كل الأنظمة لخدمة المواطن وحمايته من الاعتداءات والمزايدات غير الصحيحة”.(تعليقا عليالاتجاهات المستقبلية في عملية الإصلاح بالمملكة لا سيما المتعلقة بخروج المرأة إلى المجتمع والمشاركة فيه)
-“نظام الحكم في المملكة سيستمر في اعتماد مبادئ العدل والشورى والمساواة".( ردًا على سؤال بشأن انعكاس إعلان نظام هيئة البيعة على مستقبل المملكة، في حديث خاص لصحيفة الرأي الكويتية أثناء زيارته للكويت في أكتوبر 2007)
-“عازمون على الاستمرار في التطوير وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لرفع مستوى معيشة المواطنين".(الأمير سلطان في حديث لصحيفة الرأي الكويتية بمناسبة زيارته للكويت في أكتوبر 2007، تعبيرا عن رؤيته لعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي المستمرة في المملكة ومدى إمكانية توسيع صلاحيات المجالس والهيئات المنتخبة)
-“لا حدود للتطوير في المملكة ما دام يتفق مع الشرع الحنيف”.(الأمير سلطان في حديث خاص لصحيفة الشرق القطرية في مارس 2008، تعبيرا عن رؤيته لما يمكن أن ينتج عما تشهده المملكة حاليا من حراك سياسي وثقافي واجتماعي نشط)
-“إننا لن نتساهل أو نتكّل على ما يُقال عن التطور النظري وعلينا أن نعمل بجدية”. (في حديثه عن البطالة والإجراءات التي اتخذتها الدولة للقضاء عليها).
-“لن نرحم من يعتدي علينا ونعفو عن التائبين”.(الأمير سلطان في حديث خاص لصحيفة السياسة الكويتية، عقب توليه ولاية العهد في المملكة، تعبيرا عن موقفه ممن يحاولون تشويه صورة المملكة أو إحداث الفرقة بها)