فى يوم الإثنين الموافق 28 سيتمبر 1970 م فقدت مصر الزعيم جمال عبد الناصر والذى كان وسيظل رمزاً بارزاً للزعماء الذين غيّروا وجه التاريخ , عبد الناصر والذى مشى فى جنازته اكثر من ثلاثة ملايين بل ويقال انهم ستة ملايين فرد والزعيم الوحيد فى مصر والذى احبه الشعب لدرجة جعلت الشعب يتجاوز عن اخطاء ذلك الزعيم , لقد كان عبد الناصر عملاقاً ولذلك كانت إنجازاته عملاقة وكذلك كانت إخفاقاته عملاقة , فمن منّا ينسى من قام بتأميم قناة السويس وأعادها لمصر وبنى السد العالى وحمى مصر من أخطار الفيضان , من ينسى أن ناصر كان هو الزعيم الذى إجتمع على حبه كل الشعب العربى من المحيط إلى الخليج , الزعيم الذى أعطى الأمل ولو لفترة فى إمكانية توّحد العرب , ومن ينسى ان مصر فى عهد ناصر كانت هى رمانة الميزان فى أفريقيا والعالم العربى وكانت هى الملهمة لكثير من حركات التحرر فى العالم , ومن منا ينسى مرارة هزيمة يونيو 1967 وما ترتب عليها من ضياع قطعة غالية من ارض مصر. لقد رحل عبد الناصر من دنيانا لكنه لا يزال حاضراً وبقوة فى أذهان وقلوب من عاصروه بل وإنتقل هذا الحب إلى أجيال أخرى لم تعاصره ومنها كاتب تلك السطور, إن ناصر كما كان يلقب فى الغرب كان شخصية فريدة من نوعها فهو الزعيم الوحيد الذى رفعت صوره فى ميادين مصر خلال أحداث ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 , لأن الجميع يدرك شاء من شاء وأبى من أبى ان جمال عبد الناصر كان هو من أحدث ثورة إجتماعية غير مسبوقة فمن منّا ينسى أحوال الفلاح المصرى قبل ثورة يوليو 1952 وكيف كانت الأحوال الإجتماعية فى مصر قبل ظهور جمال عبد الناصر , نعم كانت هناك ثروة فى مصر وكانت بريطانيا مدينة لنا ولكن كل تلك الثروة كانت تذهب لجيوب كبار الإقطاعيين ولا يذهب منها ولا حتى الفتات لعامة شعب مصر من العمال والفلاحين , فقد كان الفلاح أجيرا فى الأرض التى يملكها كبارالإقطاعيين وكان المجتمع المصرى عبارة عن مجتمع النصف فى المائة حيث يستحوذ نصف فى المائة فقط من الشعب المصرى على أكثر من 99% من الثروة , فجاء ناصر وطبق قانون الإصلاح الزراعى ووزع الأرض على الفلاحين وأصبح الفلاح المصرى لأول مرة فى تاريخه مالكا لأرضه التى إغتصبها منه أجداد الإقطاعيين فامتلك الفلاح قوته ولم يعد مستعبداً ولولا ذلك لكنا الآن لا يزال أكثرنا أٌجَراء , ومن منّا ينسى مجانية التعليم التى اتاحت لأبناءالطبقة المتوسطة ان يقوموا بإستكمال تعليمهم وان يصلوا لأعلى الشهادات بعد أن كان منتهى أمال أكثرهم أن يتعلموا القراءة والكتابة أوالحصول على الشهادة الإبتدائية, بإختصار لقد كان ناصر تجسيدا حياً لزعيم قام بتطبيق العدالة الإجتماعية والتى نطالب بها الآن , نعم لقد كان عهده عهد كبت سياسى وكبت للحريات أعترف بذلك فلا توجد تجربة كاملة أبدا , فالفترة الناصرية تصنف على انها ازهى فترات العدالة الإجتماعية والحريات الإجتماعية كما تصنف على أنها كانت فترة شمولية هى فترة الحاكم الفرد , وها نحن الآن نقترب من ذكرى رحيله عن دنيانا ولا نملك سوى أن نقدم له التحية لأنه الوحيد من بين زعماء مصر الذى خرجت الملايين لتوديعه فى أضخم جنازة شعبية فى تاريخ مصر , الزعيم الذى إنهزم فى معركة فحظى بإحترام يفوق الزعيم الآخر والذى جلب لمصر الإنتصار فيا لها من معادلة .