النظام السابق كان يستخدم كرة القدم لإلهاء الشعب المصري .. المصريون يرغبون في التفرغ لهموم بلادهم قبل عودة كرة القدم .. القصاص لضحايا مجزرة بورسعيد ثم عودة الحياة للملاعب .. عبارات "تكرارية" تتردد على مسامع الجميع منذ أشهر طويلة استطاع الأهلي أن يحطم مصداقيتها في 90 دقيقة فقط. فلم يكن تتويج النادي الأحمر بلقب إفريقيا على حساب الترجي يعنيه فقط باضافة لقب جديد إلى إنجازاته الكبيرة، كما أنه لم يكن يعزز الهيمنة المصرية على الألقاب الإفريقية سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية فحسب، بل كان رسالة لأصحاب العبارات "التكرارية" مفادها أن المصريين يعشقون الكرة في كل الأوقات وتحت حكم أي نظام، وخلال أي ظروف حتى ولو كانت مأساوية تحمل للمواطن الكآبة ليلاً نهاراً كالتي تعيشها أرض الكنانة حالياً. فخلال 90 دقيقة بدت شوارع القاهرة، وجميع المدن المصرية، وكأنها في حالة هدوء وسكون، لم يكن يكسرهما إلا صوت الألاف على المقاهي، وأمام شاشات العرض في المحلات الكبرى، وأمام التليفزيونات الصغيرة في المنازل، تأسفاً على إهدار الأهلي لفرصة خطيرة أو فرحاً بتسجيل هدفيه في اللقاء، وذلك قبل أن ينصرفوا بعد التتويج، والابتسامة تعلو وجهوهم فرحة ببادرة أمل، ونقطة بيضاء ظهرت أخيراً في الثوب الأسود. ورغم ذلك، لا يمكن أن يدعي انسان أن المصريين قد خانوا شهداء أسيوط أمس عندما فرحوا بالأهلي، ولا أهانوا ضحايا بورسعيد، عندما ذهبوا لمنازلهم سعداء عقب التتويج، ذلك أن الخلط في الأمور، والعبارات المستهلكة التي تملأ آذانهم ليلاً نهاراً اتضح أنها لا تؤثر بهم، وأنهم يستطيعوا تقييم المواقف بطريقة منطقية عفوية يغلفها المنطق دائماً. فقد وجه المصريون أمس رسالة للجميع مفادها أنهم مقتنعون بأن السلبية ليست حلاً للأزمات، فمنع الكرة وحجب الرياضة لن يعالج أزمة بورسعيد، كما أن كارثة أسيوط لن يعالجها قراراً بايقاف التنقل عبر السكك الحديدية مثلاً، أو أن توقف السياحة يجب أن يكون نتيجة حتمية لإهتزاز الأمن، أو أن أزمة إضراب العاملين في مصنع يمكن أن تعوق تنمية المجال الصناعي في البلاد، وهكذا. فطرة المصريين التي أظهرها الأهلي على مدار 90 دقيقة أمس، تأتي بالحلول لأزمات مستعصية كالعمل، والمحاسبة الدقيقة لكل مخطيء، وكل ساهي عن دوره، وأن أمور البلد لن تنصلح بتوقف نشاط معين أو استجابة لمطالب غير منطقية تربط حوق الضحايا بصدور حكم القضاء في استهانة كاملة بمشاعر أسرهم الذين لا يعنيهم عودة نشاط من عدمه أو يعوضهم شيئاً أي كان بعد خسارتهم الفادحة. كما كانت رسالة المصريين واضحة، عندما أكدوا "ضمنياً" أن كرة القدم يجب أن تعود ليس لأنها مصدر رزق لخمسة أو ستة ملايين، أو لأنها تجلب المتعة، أو لأنها إشارة واضحة لمدى تحضر أمة أو تأخرها، ليس كل ذلك فقط، بل لأن لحظة سعادة يعيشها المواطن سواء كانت لبطولة أو تتويج أو حتى هدف، يجب أن تدخل ضمن أولويات أي نظام سياسي أيضاً.