مات الرجل الذي انقذ الأهلي من الانهيار.. مات الفريق أول عبدالمحسن كامل مرتجي رئيس النادي الأهلي المنقذ في أخطر فترة مر بها الأهلي خلال المائة وبضع سنوات من عمره. فخلال فترة الستينيات.. خلال سنوات الاعتقالات والتعذيب والتأميم والمصادرة وخراب البيوت.. خلال سنوات الطغيان والبطش وإعطاء القانون والعدالة اجازة مفتوحة.. خلال سنوات صلاح نصر في المخابرات وحمزة البسيوني في السجن الحربي.. خلال اسود وأسوأ سنوات مرت بمصر.. بسبب فقدان السلطة عقلها واتزانها بسبب فشل الوحدة مع سوريا بعد أن أخذت مليارات الخزانة المصرية نظراً لإفلاس سوريا وكان هذا سبب طلب الوحدة.. وبعدها مباشرة جاءت حرب اليمن التي تورطت فيها مصر وضاع شبابنا وذهب احتياطي النقد فانخفض قيمة الجنيه المصري الذي كان يساوي الجنيه الذهب. في هذا الجو الدكتاتوري الفظيع الكئيب تولي المرحوم صلاح دسوقي محافظ القاهرة رئاسة النادي الأهلي وبدأ عملية تخريبية لأصول النادي العريق وتقاليده.. وكان من أخطر قراراته فصل كل رموز الأهلي.. من فؤاد سراج الدين ومصطفي وعلي أمين والدكتور نور الدين طراف وآل الشريعي كلهم رجالاً وسيدات وآل أباظة جميعاً.. وغيرهم كثيرون جداً. *** اسمحوا لي أن أروي قصة قديمة هنا.. سكرتير خاص فؤاد باشا سراج الدين كان اسمه علي الزير كان أهلوياً بجنون.. مجنون أهلي.. نظراً لحبه الكبير لفؤاد باشا.. وكان من شلتنا المسائية حينما ننتهي من أعمالنا نجلس في الحديقة نتسامر ونأكل ما يقدمه عم زغلول صاحب البوفيه والبعض يشرب.. المهم ذات يوم عندما دخل علي الزير النادي طلب منه أحد الحاضرين أن يقرأ الإعلانات في اللوحة الزجاجية ففيها خبر يهمه!! تمنع علي الزير في البداية.. حيكون خبر إيه يعني.. ومن تعبه طوال النهار جلس ولم يقم.. ولما نصحه شخص آخر من الشلة أن يقوم ويقرأ المكتوب في اللوحة.. قام فوجد قراراً بفصل فؤاد سراج الدين من الأهلي وإسقاط عضويته.. والأدهي من ذلك.. منعه من دخول النادي وهو وكيل أول النادي سنوات طويلة!! قرأ علي الزير الخبر و"سهم الله" نزل عليه لم يعد يري ما أمامه.. قرأ الخبر ثم توجه رأساً إلي الباب وخرج من النادي.. ومن يومها.. بل من ساعتها لم يدخل النادي بعد ذلك. بعد مدة.. سنتان أو أكثر أو أقل فوجئت بعلي الزير يجلس في مقصورة نادي الزمالك مع كبار رجال الزمالك!! وعلمت أنه رشح نفسه في آخر انتخابات.. حقيقة لم ينجح ولكن أصبح زملكاوياً ولا محمد حسن حلمي!! *** معلهش.. كانت قصة جانبية عشتها عن قرب!! المهم أن النادي الأهلي مر بأسوأ فترة في حياته.. لذا كان ينهزم من طوب الأرض.. وأصبح ترتيبه يصل إلي 8 و9 في جدول الدوري الذي احتكره أكثر من مجموع ما حصل عليه باقي الأندية ربما الضعف أو أكثر من الضعف.. لذا لم تعد لقاءات القمة بين الأهلي والزمالك لها طعم أو شعبية.. بل انخفض الإيراد العام لكل المباريات. هنا تدخل المشير عبدالحكيم عامر في الموضوع وقرر صرف ضعف مكافآت اللاعبين والمدربين من القوات المسلحة لعل وعسي!!.. ولكن الهزائم استمرت والروح المعنوية لم ترتفع!!.. هنا قرر المشير إدخال الفريق في معسكر تحت رئاسة رجل قوي هو اللواء خليل الديب الذي حلق لكل اللاعبين علي الصفر.. زلبطة كل اللاعبين.. دون جدوي ايضا!!.. هنا قرر المشير أن يذهب الفريق أول عبدالمحسن مرتجي إلي النادي الأهلي ويتولي رئاسة النادي نظراً لأنه علي علاقات أخوية وعائلية وعشرة عمر مع كل رموز النادي. أخذ المشير الفريق مرتجي في سيارته وذهبا إلي النادي الأهلي واستدعي المشير أمين شعير مدير النادي وأخبره بأن قرار تولي الفريق مرتجي رئاسة النادي سيصدر غداً.. وأمره بمنع صلاح دسوقي من دخول النادي!! تولي علي زيوار مسئولية الفريق ومعه محمد الجندي مدرباً وصعد الفريق إلي قمة الجدول وحصل علي بطولة الدوري واستمر علي القمة سنوات. هكذا انقذ الفريق مرتجي النادي العريق من الغرق للأبد!! وظل رئيساً للنادي سبع سنوات. *** والفريق مرتجي هو الذي وقع عقد شراء أرض مدينة نصر التي كانت عبارة عن جبل صغير يعلوه زبالة حي مدينة نصر كلها!! وبالاتفاق مع المشير أبوغزالة قام الجيش بإزالة أطنان من الرمال والزبالة وهيأ الأرض للبناء.. والفريق مرتجي هو الذي طلب من المرحوم الحاج عرفة وهبة أن يحيط الأرض بسور خشبي مؤقت تكلف مبالغ باهظة. ثم الفريق مرتجي هو الذي أنشأ المرسي البحري للنادي الأهلي بالاتفاق مع وزير الري ومحافظ القاهرة.. وفتح باب التبرع من محبي النادي حتي لا يثقل علي ميزانية النادي التي كان يبتلعها فريق الكرة!! ثم الفريق مرتجي هو سبب زواج نجم النادي محمود الخطيب.. فعندما تقدم الخطيب طالباً يد زوجته وكان والدها لواء جيش رفض الرجل بشدة.. فابنته طبيبة خريجة كلية الطب والخطيب خريج معهد التعاون!! ثم والدها رجل له منصب كبير في الجيش فهناك فارق كبير في المستوي الاجتماعي. أصيب الخطيب النجم الكبير المشهور بصدمة نفسية صعبة وبكي كثيراً.. هنا تدخل الفريق مرتجي.. وذهب بنفسه إلي والد الفتاة وهو أحد تلاميذه في الجيش.. وفاجأه قائلاً إنه يريد الفتاة لابنه!! وكانت مفاجأة لوالد الفتاة ولكنه رحب بشدة فرحاً ومبتهجاً.. ثم سأل عن أي من أولاده.. فقال له الفريق مرتجي "محمود الخطيب" فأصبحت الفرحة صدمة!! وهنا مدح الفريق مرتجي في الخطيب التقي الورع الذي لا يفوته فرض ثم هو نجم كبير ودخله يفتح عدة بيوت لا بيتاً واحداً... و... و... ووافق الوالد بعد أن علم أن ابنته ترغب الارتباط بالخطيب.. الخطيب الآن جد.. بنته لها أولاد الآن!! رحم الله مرتجي. *** وخدمات مرتجي لا تنتهي.. أهمها الخدمة التي لا تنسي قط التي قدمها لي شخصياً. المرحومة زوجتي أصيبت بالمرض الخبيث وقرر الدكتور شريف عمر كبير أطباء هذا المرض بالذات.. قرر ضرورة سفرها إلي فرنسا خلال ساعات لإجراء جراحة عاجلة جداً.. كان لابد من إجرائها في اليوم التالي.. وتحمس الصديق زكريا عزمي عندما علم بذلك ووعدني باستصدار قرار من الرئيس بعد ساعات!!.. ثم بعد ظهر نفس اليوم طلب مني زكريا عزمي أن أمر عليه في مكتبه بلهجة لا تبشر بالخير.. أصر أن يطلعني علي تأشيرة "المخلوع" وهي "يتم عرضها علي القومسيون"!! وذهبت كالعادة إلي النادي الأهلي في المساء وأنا فاقد الأمل في كل شيء.. في السفر وفي النجاة من الموت المحقق.. وفي كل شيء.. فنصحني الأصدقاء بالنادي أن اصطحب الفريق مرتجي إلي مجلس الوزراء في الصباح.. وقد كان.. بعد أن أتفق معي علي أن أمر عليه في التاسعة صباحاً. استقبلنا في مجلس الوزراء مدير مكتب رئيس الوزراء وكان كمال حسن علي.. وكان مدير المكتب هو السفير سيف اليزل خليفة.. طلب الفريق مرتجي أن يري رئيس الوزراء لمدة خمس دقائق لا أكثر لأنه جاء بدون ميعاد سابق.. اعتذر مدير المكتب لأن الرئيس عنده حالياً اجتماع مع وزيرين.. فطلب منه الفريق أن يعطيه خبراً أنني في انتظاره لحين انتهاء الاجتماع.. وبالفعل همس مدير المكتب في أذن كمال حسن علي فإذا بالباب يفتح ويهرول رئيس الوزراء نحو الفريق مرتجي ويقف أمامه ويهز مبني رئاسة الوزارة بتحية عسكرية مدوية.. الحذاء الانجليزي يرتطم ببعضه واليد اليمني تؤدي التحية للفريق مرتجي وبأعلي صوت يقول: "افندم"!! ضحك الفريق مرتجي وقال له: أنت رئيس الوزراء الآن وأنا جاي ارجوك في موضوع.. فإذا بتحية عسكرية أشد ويقول له: يا افندم أنت تأمر وأنا أطيع.. ولما علم رئيس الوزراء بالموضوع ونحن وقوف قرر أن أسافر فوراً في نفس اليوم علي أي شركة طيران وأقوم بإخطار مدير المكتب باسم الشركة وموعد وصولها وكل شيء سيبقي تمام التمام..وقد كان.. بمكالمة تليفونية من كمال حسن علي للسفير المصري بباريس أحمد سمير. كانت السفارة كلها في خدمتنا لمدة عام ونصف العام.. يكفي أن تعرف أن سيارة السفارة كانت معنا طوال اليوم طوال هذه المدة!! *** هذا هو الفريق مرتجي صاحب أفضال لا حد لها لكل الناس.. وهناك قصص أخري فإلي عدد قادم بإذن الله تعالي.