كتبت منذ يومين - بعد أن هالني حجم ما تنفقه مصر في باريس علي سفارتنا ومكاتبنا العديدة في عاصمة النور والثقافة والفن - وقلت إن أمريكا لا تنفق ثلث ما ننفقه علي الدبلوماسية المصرية في الخارج.. ورد الرجل الفاضل السفير الدكتور بدر عبدالعاطي مؤكداً بالأرقام أن عدد البعثات الأمريكية يقارب ضعف عدد البعثات المصرية في العالم فعدد البعثات المصرية في الخارج 165 بعثة في 129 دولة في حين عدد البعثات الأمريكية 274 بعثة في 180 دولة. وهذا شيء طبيعي.. لأن دولة أمريكا التي تقارب مساحتها مساحة قارة كاملة لا يمكن أن يكون تمثيلها في الخارج يوازي تمثيل دولة في قارة بها 52 دولة أخري!!! وإذا كان التمثيل الخارجي لأمريكا أقل من ضعف تمثيلنا نكون نحن مسرفون وسفهاء.. فالمفروض طبقا للمساحة وعدد دافعي الضرائب وحجم الميزانية وثقل الدولة المفروض أن يكون التمثيل الخارجي لأمريكا أكثر من ثلاثة أو أربعة أضعاف التمثيل الخارجي المصري!!! علي الأقل!!! وبصرف النظر عن الأرقام.. والنقد الصحفي الذي يحتاج لشيء من المبالغة لكي يحقق المصلحة العامة.. فمما لا شك فيه أن دولة مدينة بتريليون و800 مليون جنيه لابد أن "تلم" نفسها وتخفض من مصروفاتها ليس بقدر الإمكان بل بأكثر ما هو ممكن.. لقد اتضح أن فوائد هذه الديون شيء رهيب يخيف أكبر دولة اقتصادية في العالم!!!.. الموقف الاقتصادي يحتاج لمواجهة شجاعة كما فعلت كل من اليونان والبرتغال منذ سنوات قليلة. *** لم أكتب هذا الكلام هذه الأيام فقط.. فقد سبق أن كتبته خلال إقامتي في باريس الدائم حوالي عام ونصف.. وكنت قريبا جدا من السفارة وبالتالي كل مكاتبنا هناك.. ولذلك قصة. *** عندما مرضت زوجتي في الثمانينات.. كتب الدكتور شريف عمر تقريرا خطيرا أكد فيه ضرورة السفر إلي باريس عند طبيب معين ويستحسن في نفس اليوم!!! لإجراء جراحة خلال ساعات!!! تطوع الصديق زكريا عزمي أن يحصل لي في ظرف ساعة علي تأشيرة من رئيس الجمهورية فإذا به يفاجأ بتأشيرة ليست غريبة علي الرئيس المخلوع يقول فيها وقد رأيتها بعيني: "تعرض علي القومسيون الطبي!!!.. هنا نصحني زملاء العمر بالنادي الأهلي أن ألجأ إلي الفريق أول عبدالمحسن مرتجي رئيس الأهلي السابق الذي رحب بأن نذهب صباح اليوم التالي إلي مجلس الوزراء وكان رئيس المجلس كمال حسن علي ومدير مكتبه السفير سيف اليزل خليفة الذي قال لنا إن الرئيس في اجتماع مع اثنين من الوزراء فطلب منه الفريق مرتجي أعطاه الله الصحة والعمر طلب منه أن يخطر الرئيس بأننا في انتظاره. بالفعل دخل السفير مدير المكتب ومال علي إذن رئيس الوزراء وأخبره بوجود الفريق مرتجي.. فخرج كمال حسن علي فورا.. وعندما واجه الفريق مرتجي إذا بمبني مجلس الوزراء يهتز.. تحية عسكرية عنيفة.. ضرب كمال حسن علي قدميه مع بعض وفي الأرض ويده اليمني رفع التحية العسكرية.. وصاح: "أفندم"!!! ويحاول الفريق مرتجي أن يقول له بأنك اليوم رئيس الوزراء وجئنا لنرجوك.. ويصيح كمال حسن علي مع تحية عسكرية أشد: يا أفندم أنت تؤمر ولا ترجو!!! كان كمال حسن علي مدير مكتب مرتجي المهم.. طلب مني كمال حسن علي أن أسافر في نفس اليوم علي أية شركة طيران.. فقط اتصل بالسفير مدير مكتبي لتخطره باسم الشركة.. وكل شيء سيبقي تمام التمام.. وقد كان.. فقد صعد سكرتير السفارة إلي داخل الطائرة عند الوصول.. إلي أن قام بتوديعنا بعد عام ونصف ومعه مدير مكتب شركة مصر للطيران.. خدمات لا حصر لها.. ولها قصة.. فإلي الغد بإذن الله تعالي.