السؤال هذا الأسبوع.. من كل من يقابلني أو يتصل بي هو: لماذا لم تكتب عن الصراع بين وزير الرياضة وبين كل من يمارس الرياضة أو له أية صلة بالرياضة في هذا البلد؟؟ والحقيقة أن الرياضة في مصر "باظت" منذ تدخلت الدولة فيها.. كان يوماً أسود لم تظهر له شمس يوم. أنشأنا المجلس الأعلي للشباب والرياضة عام 1956 في شقتين متقابلتين في عمارة في شارع يوسف الجندي خلف ملحق الجامعة الأمريكية.. طول عمرنا الرياضة عندنا أهلية وليست حكومية. في بداية كل ميزانية كانت ترسل وزارة الشئون الاجتماعية زمان مبلغاً من المال للجنة الأوليمبية التي تدير الرياضة في مصر عن طريق الاتحادات.. وهذا كل ما تصرفه الحكومة علي الرياضة.. وكانت اللجنة الأوليمبية توزع هذا المبلغ علي الاتحادات المختلفة كل حسب نشاطه ونتائجه.. وكانت هذه هي الطريقة المثلي لإدارة الرياضة.. اللجنة الأوليمبية وكل أعضائها من الرياضيين القدامي ذوي الخبرة أقدر من أي وزير أو رئيس مجلس رياضة لم يمارس أية لعبة ولم يلبس "شورت" في حياته يتحكم في مجال حيوي هام لا يعلم عنه شيئاً!!! علي فكرة.. زمان كانت ترسل اللجنة الأوليمبية لاتحاد الكرة شيكاً ب480 جنيهاً في بداية كل سنة.. أيام ما كان الجنيه أغلي عملة في العالم.. أغلي من الجنيه الذهب نفسه.. وكان المرحوم محمود بدر الدين يرد المبلغ إلي اللجنة الأوليمبية لأن الكرة ممكن أن تكسب هذا المبلغ وأضعافه من المباريات الدولية الحبية بالذات!! كانت الاتحادات والأندية تعتمد علي نفسها بعيداً عن مال الحكومة السايب.. لذا كانت هناك الشفافية بل التضحية.. ولما تطورت الأمور في العالم كله خاصة أوروبا وأمريكا ودخل الاحتراف والتفرغ تحولت الأندية إلي شركات مساهمة لها نظام دقيق في الحسابات والضرائب والخضوع للدولة.. ولكن أيضاً عن طريق نجوم الرياضة وليس عن طريق أي شخص مجرد عضو في ناد ما!!!.. كلنا يذكر بيليه وزيراً للرياضة في البرازيل وبكينباور وزيراً للرياضة في ألمانيا.. وغيرهما. *** وعلي فكرة... حينما أنشأ جمال عبدالناصر المجلس الأعلي للشباب والرياضة عام 1956 وفي نفس اليوم أنشأ هيئة قصور الثقافة.. كان يأمل في تحقيق حلم تحويل الشعب إلي أحد خير شعوب العالم.. شعب يمارس الرياضة ويتذوق الفن إن لم يحترفه أيضاً.. ولكن كل أحلامنا تحولت إلي كوابيس كما نري.. حتي حينما توحد الشعب ونزل الشارع لكي يزيل كابوس حكم العساكر وينهي مأساة ثورة يوليو 1952.. ودفعنا دماء أغلي شبابنا لم ننجح كما تري.. تطورت الأمور حتي أصبحنا نندم علي أننا قمنا بثورة!!!.. لقد تأخرنا أكثر وأكثر مما كنا عليه!! رياضياً وغير رياضي!! *** إذن.. لا تطلب مني أن اتحدث عن مأساة الرياضة في ظل العديد من المآسي الكبري.. وزير الرياضة كان يتمني أن يجلس علي كرسي في مجلس إدارة النادي وكان يتسول أصواتنا!!!... فإذا به اليوم ديكتاتور يتحكم في الرياضة كلها.. كارثة بكل معني الكلمة!!! نعم... هناك وزراء رياضة في معظم الدول.. ولكن هذه الدول الكل محترف.. لاعبين ومدربين وحكاما وأندية "شركات" واتحادات ولجنة أوليمبية.. يعني الشفافية مع العمل الجاد مع محاولة الكسب المادي.. وليس الهواية التي تعتمد علي الدولة في كل شيء.. كما هو عندنا. *** ما هو مقياس نجاح أية دولة رياضية؟ المقياس معروف منذ الرياضة علي جبل الأولمب في اليونان في القرن قبل الماضي. الدورة الأوليمبية حيث تتنافس كل دول العالم في كل الرياضات هي المقياس حقيقي لتقدم الدول.. لذا تجد أمريكا دائماً في المقدمة تنافسها روسيا والآن الصين. هل تعلم كم ميدالية فزنا بها قبل تدخل الدولة في الرياضة عام 1956 وكم ميدالية بعد هذا التدخل؟ أكثر من تسعين في المائة من الميداليات الأوليمبية فزنا بها قبل تدخل الدولة.. لك أن تتصور أننا في دورة واحدة فزنا بأربع ميداليات ذهبية.. كان ذلك عام 1928 في دورة امستردام.. سيد نصير "رفع أثقال" إبراهيم مصطفي "مصارعة" أومون صوص "بلياردو" الفريد سميكة "الغطس".. في نفس الشهر كان إسحاق حلمي يعبر المانش وسط دهشة العالم.. وفي دورتي برلين 1936 ولندن 1948 انحني العالم كله لمصر بعد أن احتكرت ميداليات رفع الأثقال والمصارعة.. لقد فزنا بحوالي 92 في المائة من الميداليات قبل تدخل الدولة. *** كان تدخل الدولة زمان بطريقة أخري.. طريقة فيها كبرياء وعظمة أهل زمان.. هناك حكاية طريفة لسيد نصير الذي قال عنه أحمد شوقي أمير الشعراء في حفل نادي الجزيرة الذي حضره إسماعيل باشا صدقي رئيس الوزراء وكل الوزراء ونبلاء الأسرة المالكة.. قال عنه أحمد شوقي: إن الذي خلق الحديد وبأسه جعل الحديد لساعديك ذليلاً لِمَ لا يلين لك الحديد ولم تزل تتلو عليه وتقرأ التنزيلا يا قاهر الغرب العتيد وملأته بثناء مصر علي الشفاة جميلاً أطرف ما في هذا الموضوع.. أن سيد نصير عندما ذهب بعد يومين من وصوله مصر إلي وزارة الشئون الاجتماعية وجد خطابين في انتظاره في مدخل الوزارة.. خطاب بترقية إلي منصب وكيل وزارة وكان زمان هذا المنصب كبيراً جداً واحياناً يمنحه الملك رتبة الباشوية - هذا الخطاب موقع من إسماعيل باشا صدقي رئيس الوزراء.. وكان الخطاب الثاني من رئيس أرشيف الوزارة حيث يعمل سيد نصير.. كان الخطاب يخطره بفصله من العمل!!! لتغيبه أكثر من 15 يوماً!!!! طبقاً للائحة الموظفين!!! أصر سيد نصير أن يدخل إلي رئيسه رئيس الأرشيف الذي بادره بالسؤال: كنت فين يا سيد المدة دي كلها؟! في امستردام يا ريس!!! كنت فين يا أخويا؟.... بتقول إيه حضرتك؟؟ كنت في الأوليمبياد العالمية المقامة في امستردام!! ما تتكلم عربي.. النبي عربي يا سيد. بطولة العالم في الرياضة يا ريس. أنت بتكلمني بالألغاز ليه.. ما تلبس برنيطة بالمرة!! ألغاز إيه يا حضرة الباشكاتب - أنت ما تعرفش يعني إيه رياضة!! لا.. ما بعرفشي.. يعني إيه رياضة؟ يعني لعب.. ناس بتلعب. يعني كنت بتلعب وسايب شغلك أيوه.. هوه كده. يا متبجح.. شوية فيك الفصل.. أنت تستاهل عقوبة أشد. فعلاً.. فيه عقوبة أشد من عقوبتك.. بتتريق حضرتك.. يا قليل الأدب!! لا أبداً.. في نفس الوقت اللي أنت كتبت خطاب الفصل فيه خطاب تاني.. أهه.. فيه إيه الخطاب الثاني ده؟؟ خد اقرأه يا حضرة الباشكاتب.. ما أن قرأ الباشكاتب الخطاب وعلم أن سيد نصير أصبح وكيلاً للوزارة يعني رئيس رئيس رئيسه.. حتي أغمي عليه.. علي فكرة أغمي عليه فعلاً!!!