تعودت أن أصلي الجمعة في النادي الأهلي طوال أربعين عاما بشكل متواصل لا يقطعه إلا سفر أو عذر قهري حيث إنها من الامور المعتادة لي منذ قدومي الي هذه القلعة الرياضية العتيقة. لاسيما انني وجدت ان ايام ¢الجُمع أو الجُمعات¢ ليست كباقي الايام. اذ فيها يلتقي كوكبة من رموز النادي يجلسون في الحديقة الشرقية بجوار صالة راتب التي شهدت اجتماعات مجلس إدارة النادي لسنوات طويلة. وهي اول صالة انشأها راتب باشا في عام 1923 وكانت صالونا للاجتماعات الأسرية أيضا وأقيمت بها حفلات الأسرة المالكة. تذكرت وأنا ادخل النادي لصلاة الجمعة الماضية اليوم الذي التحقت به في النادي الأهلي ومن محاسن الصدف انه كان يوم 6 أكتوبر عام 1973 أي يوم العبور العظيم ولانه تاريخ لايمكن نسيانه فقد مرت الذكريات سريعة في مخيلتي ونظرت حولي لأجد سيادة الفريق عبد المحسن كامل مرتجي رئيس النادي الأهلي في الستينيات والسبعينيات جالساً علي كرسيه منتظرا الصلاة في نفس المكان الذي كان يجلس فيه مع رموز النادي علي مر السنين. شريط الذكريات أعادني الي اول دخول لي للنادي الأهلي عندما حضرت من السودان وكان أمين بك شعير مدير عام النادي الأهلي يجلس ويصلي علي الكرسي في نفس المكان الذي جلس فيه سيادة الفريق مرتجي. كان يجلس بجوار أمين بيه شعير شخصيات كبيرة وعظيمة اذكر منهم كمال بك حافظ وكيل النادي وإبراهيم بيه الوكيل رئيس النادي السابق ومعهم مراد بيه فهمي والد مصطفي فهمي سكرتير الاتحاد الأفريقي لأكثر من عشرين سنة. وهناك أيضا عبدالمنعم وهبي وقاسم الشريعي وحسين مدكور ويوسف عز الدين وغيرهم. كان الأهلي في كل يوم جمعة.. هو المكان الذي يلتقي فيه هؤلاء الرموز تحت الشجرة في حديقة الخالدين من الناحية الشرقية.. هذه الشجرة التي تعدي عمرها اكثر من ثمانين عاما شهدت تاريخ النادي وسجل عليها الأعضاء توقيعاتهم وتواريخ لقاءاتهم بأحبائهم وزوجاتهم. مازالت هذه الشجرة قائمة حتي اليوم. لحظات مرت بي وانا استعيد شريط الذكريات قبل ان اتوجه الي الفريق مرتجي لأسلم عليه حيث كان ومازال يداعبني ويذكرني باليوم الذي التقيت به في مكتبه عام 1973 عندما أخذني كمال بيه حافظ وقال له شوف السودان جاب لينا ¢ لاعب مقروض ازاي¢.!. كنت صغير الحجم ولم يتوقع الجميع أن اللاعب السوداني القادم من الخرطوم سيكون بهذا الحجم. هذه المداعبة كان المرحوم كمال بيه حافظ يداعبني بها كلما تقابلنا الي أن توفاه الله ثم أكملها سيادة الفريق مرتجي ومازال يداعبني بها. ومن تعامل مع الفريق مرتجي يعلم انه رغم رتبته كفريق أول ورئاسته لأكبر ناد في افريقيا والعالم العربي الا انه في قمة التواضع. عندما كان في قمة مركزه العسكري والرئاسي يزور اللاعبين والأعضاء المرضي في المستشفيات ومنازلهم. كان إذا وعد صدق حتي لو ادي ما وعد به بنفسه بدلا من تكليف شخص آخر للقيام بما أوفي به. لذا كنت دائما اول ما افعله عند دخولي النادي لصلاة الجمعة هو مصافحته ثم ادخل للصلاة. الفريق مرتجي أطال الله في عمره تعدي التسعين من العمر ولم يغب أبدا عن النادي الأهلي الذي احبه بصدق وحتي في هذه المرحلة من تقدم السنين. يلتف حوله الكثيرون من الأصدقاء الذين يكنون له الحب والفضل في كثير من الخدمات التي أداها للأهلي ولهم شخصيا. يجلسون في حديقة الخالدين حيث عبق الذكريات مع من حضر ومن غاب عن هذه الجلسة. رحل الكثيرون الذين كانت تمتلئ حديقة الخالدين بهم وهم يلعبون الطاولة ويتشاورون في أمور النادي الأهلي. وبقي سيادة الفريق مرتجي أطال الله عمره ليجمع البقية الباقية حوله كأب كبير يدور في فلكه الاحباب والاصدقاء.. ولعل اجمل ما في هذا الرجل انه بقي كعادته صامدا أمام عواصف الأيام متفائلا قويا مؤمنا ومحبا لمن حوله.