قلت لنفسى أكتب.. قالت لى نفسى.. لا تكتب.. واستقرت نفسى على أن أذكّر لأن الذكرى تنفع المؤمنين.. ولذكر الله أعظم.. وكنت طوال 30 سنة للغيظ أكظم.. فالرجل المؤمن الذى وضع رأسه على كفه ورتب وأعد الدولة لأشرف حرب.. تحمل المسئولية كاملة، ومن قرار الحرب لم يهرب.. وجعل العدو فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر يشرب.. فالقرار فى حد ذاته حياة أو موت.. وصاحب القرار وأعرفه عن قرب يؤمن بأن الموت قادم.. قادم حتى لو كنتم فى بروج مشيدة.. وهو أيضاً ماضيه وتاريخه يشخص له.. فهو صاحب مغامرات محسوبة.. وقد أدت به إلى السجن والتشرد.. وعمل فى أعمال متواضعة فاختلط بعموم الشعب المصرى.. وعرفته عن قرب لأنه بعد قيام الثورة كان صديقا لوالدى الذى كان يعمل مديرا لتعليم البنات.. ولكن أخذه معه فى المؤتمر الإسلامى ومجلس الأمة وجريدة الجمهورية.. ووالدى كان رياضيا كبيرا وأحد رموز النادى الأهلى فى ذلك الوقت، أنا سباح فى فريق النادى.. عرفت الرئيس السادات وعمرى 14 سنة فى أول الثورة بحمام النادى.. فهو كان يحضر كل يوم إلى النادى الساعة الثالثة فى حصة الرياضة الحريص عليها.. فيلعب ساعة تنس ثم يأتى ليسبح ويرتخى فى الشمس الهادئة بعض الوقت.. وبعدها يغادر إلى مسئولياته مرة أخرى.. وهو فى شمسه قال له الدكتور محمد عبد القادر أستاذ التغذية بكلية الطب.. ابن محمود فهمى يقلدك وأنت تلقى بيان الثورة.. فابتسم الرئيس وكنا نناديه بهذا اللقب لأنه كان رئيساً للمؤتمر الإسلامى.. وقال: فرجنى يا ولد.. فأخذتنى رجفة وحياء.. فشجعنى وقال: يالله ورينى.. فقلدته فى مشيته ثم تلوت بيان الثورة بنفس صوته ووقفاته.. فضحك من قلبه.. وداعبنى قائلاً: أبوك طيب وأنت طالع شيطان لمين.. ثم انصرفت.. وكلفنى والدى أن أسبح معهم، ومع السادات، وكنا ثلاثة نسبح معه وعلمناه سباحة الصدر، ورأسه لا يغطس فى الماء لأنها الأسهل على سباحة نصف كيلو جرام.. وكان وهو يسبح إما يتلو أسماء الله الحسنى وإما يتلو التسابيح وإما يقرأ بعض الآيات القرآنية.. وعند الانتهاء من السباحة.. يذهب ليستلقى فى شمس الغروب المفيدة.. وبعدها ينزل لغرفة خلع الملابس وننزل معه، يؤمنّا فى الصلاة جماعة.. وكان ينضم إلينا الأعضاء المتواجدون وعمال الغرفة، والغرفة لها رئيسان عم جرانى وعم على بلال، فكان يتراجع من الأمام لأحدهما لأنهما كانا الأكبر سنا.. أما ساعة التنس فكان يلعبها زوجى هو والدكتور نور طراف ومنافسه أمين شعير مدير عام النادى وفؤاد بك صادق زوج شقيقة الملك فاروق.. ورغم الثورة فإنه كان يعامل فؤاد صادق بكل المودة.. لأنها شيمته.. وفى يوم كان شقيقى الأصغر طفلا فى الخامسة من عمره.. وجاءه فرد لا نعرفه وأعطاه الدمبلز الحديد فى يده وقال له عارف الرجل المستر فى الشمس أضربه بهذا الحديد فى رأسه.. ولاحظ فوزى عبد الحافظ ووالدى ابنه وهو يحمل الحديد بكلتاً يديه وذاهب نحو الرئيس فأخذا هامته بعنف وهو يهب لتنفيذ ما أملاه عليه الرجل.. ولكن بالبحث عن الرجل فص ملح وذاب.. وهنا احتضن الرئيس شقيقى الطفل وقبّله وهدأ من روعه بعد أن عنفه والدى.. وقال له: طفل يا محمود لا يعرف شيئا.. ومن شدة إعجابى بأنور السادات المرفوع القامة الرشيق فى خطوته ووزنه.. الأنيق فى ملبسه كنت أقلده واعتبره قدوة.. وأواظب على الصلاة معه جماعة.. فاندفعت أجمع توقيعات أعضاء الأهلى لترشحه لرئاسة النادى مكان أحمد عبود باشا رئيس الأهلى حتى ذلك الوقت.. وجمعت فى يومين 700 توقيع فقد جندت كثيرا من الأعضاء الرياضيين لهذه المهمة.. وكنا نذهب لبيوت الأعضاء.. وأثنى والدى على الفكرة.. ولكن عندما عرضها على أنور السادات ضحك ضحكة فيها دهاؤه المعهود.. وقال له: عبود باشا لم يبق له إلا النادى الأهلى.. ثم لا وقتى ولا مسئولياتى تسمح لى بذلك.. وكان فكرى باشا أباظة وأمين شعير قد ذهبا إليه فى مجلس الأمة.. ورتب الزيارة والدى الذى كان يعمل فى طاقمه.. فطمأنهم بأن عبود باشا باق.. وعندما جاء وبعد السباحة.. قلت وأنا حزين.. لماذا يا ريس رفضت فكرة الترشيح.. قال: كل يوم الصور تملأ صفحات الرياضة والمشاكل تزيد.. وأدخل فى معارك كروية.. وهذا بعيد كل البعد عن طبيعتى.. شوف يا ابنى نحن نجلس فى أى شمس.. قلت شمس الغروب.. وأنا أفضلها لأنها الأكثر فائدة والأكثر أمانا.. وهنا فهمت دون أن يقول إنه لا يريد أن يغضب زملاءه فى الثورة عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.. هذه بعض السمات من شخصية بطل الحرب والسلام أنور السادات.. وعندى الكثير أذكره فيما بعد.