لطالما انتابتني سعادة غامرة وأنا أبالغ نشأة روابط الألتراس عندما ظننتها أنها تحول منظم وطبيعي لروابط المشجعين المختلفة تمشياً مع التحضر والتطور والرقي الذي واكبت المجتمعات المتمدنية التي نتمني أن نحاكيها ونجاريها في كل شئونها ومختلف أحوالها.. وحتي عندما وقعت من الألتراس بعض السقطات وجرت منهم بعض الهفوات لم أفقد سعادتي ولم أتخل عن إيماني بضرورة بقاء هذه الظاهرة المتحضرة حتي وإن تنامت بداخلي الرغبة في تعديل مساراتها والسعي لتحسين توجهاتها.. فأنا مؤمن بأن البناء يحتاج لجهود وطاقات.. بينما لا يحتاج الهدم إلا للمعاول والآلات.. الأولي تخرج من العقول والأفهام.. والثانية تستخدم الأيدي والأقدام.. ولعلي أعترف أن ثقتي في روابط الألتراس ومصداقية عناصره بدأت تتقلص منذ حادثة استاد بورسعيد البشعة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات المصابين ثم توالت الوقائع وتتالت الأحداث للدرجة التي أصابتني بذهول شديد أفقدني القدرة علي التمسك بقناعاتي تجاههم والدفاع بإخلاص عن ضرورة بقائهم واستمرار نمائهم لصالح الرياضة المصرية قبل المصلحة الفئوية واللونية التي يشكلونها.. فقد صدمتني مثلاً النيران التي أضرموها في مقر اتحاد الكرة بالجبلاية ونادي الشرطة المقابل له.. وحاولت أن أجد لهذه الحماقة وذاك الجنون أي مبرر فلم أجده ولو بنسبة ضئيلة.. فالحرائق والخرائب لا يمكن أن تكون وسائل للتعبير عن الغبطة والفرحة إلا عند المهابيل والمخابيل.. حاولت مثلاً أن أجد مبرراً أو عذراً للهجمات العنترية والاندفاعات غير العقلانية للألتراس علي المقارات القضائية بالقاهرة والأقاليم للافراج عن بعض المحتجزين منهم علي ذمة التحقيق فلم أجد أية مببررات أو أعذار لهذا السلوك الفوضوي الذي لا يصدر إلا من غير العقلاء.. ثم جاء يوم الخميس قبل الماضي الذي أطلق البعض عليه الخميس الأسود نسبة لما وقع فيه من سواء وقتامة وعتامة اساءت لهيبة وكرامة مصر قبل أن تدمر سمعة الرياضة وتؤذي وتضر بمصداقية وايجابية روابط الألتراس.. وأزعم أنني لم أخشي علي حياتي وأوجه الموت بحق سوي مرتين.. الأولي كان يوم الخامس من يونيو عام 1967 عندما هجمت علينا دبابات العدو ونحن نواجههم بصدورنا وقلوبنا وبمعدات هزيلة لا يمكن لها أن تواجه الدروع والجنازير والمواسير وكان من الطبيعي أن تسحق دبابات اليهود أجساد وأبدان رجالنا وهم صادمون وصابرون وواقفون في خنادقهم.. أما المرة الثانية فقد كانت يوم الخميس الذي واجهت فيه أعداء مرتدين عباءات الأصدقاء.. واجهت فيه هوام علي شاكلة بني البشر.. لا يمكن لهذه الأجساد أن تكون لديها قلوب تنبض.. لا يمكن لهذه الأبدان أن تكون فيها أفئدة تخفق.. أو عقول تفهم أو الباب تعي.. إنهم وحوش جائعة.. ضواري هائجة تندفع بكل قوة وتسرع بكل قدرة لتدمر وتحطم وتكسر كل ما يواجهها ويلاقيها من أفراد.. كانت أعدادها بالمئات كانت تسعي لتفريغ شحنة شيطانية واخراج دفعات نيرانية من نفوس امتلأت بالغل وأرواح زخرت بالشر.. ولولا عناية السماء ورحمة الله التي شملت المجتمعين بقاعة الفروسية والحاضرين للمؤتمر الصحفي الذي كان الوزير العامري فاروق يعقده لسحقت هذه الأقدام البغيضة هذه الأجساب الطاهرة البريئة ولتكررت حادثة بورسعيد البشعة ووقع الضحايا بالعشرات.. ولست أجد بنفسي أي رغبة في تقبل هذا المشهد المأساوي الذي بثته بعض القنوات الفضائية علي الهواء لكل أرجاء العالم وكأنها تعلن وفاة الهيبة وضياع السمعة وتوقف النمو الذي كانت الرياضة المصرية تسعي لاستعادتهم ببعدما حاق بها وبهم من أخطار وأهوال.. ولا أبريء أي شخص أسهم ولو بدون قصد في هذه الواقعة البشعة.. لا يمكن أن أعذر أي مسئول أهمل أو حتي قام بالتقصير في أداء مهمته والاضطلاع بواجبه.. لازلت أنظر إلي زملائي وبينهم بعض الرواد والأساتذة وأخالهم جثثا فاضت أرواحهم بعد أن سحقتها هذه الأقدام الدنسة التي كانت تجري وتندفع بلا عقل وبلا مشاعر.. كنت مع الألتراس كجماعات رياضية منظمة ومرتبة ومنتجة لكنني بالتأكيد ضدهم إذا تحولوا إلي وحوش وهدام وضواري ولئام.. فالضعف الأول بيبني ويعمر أما الثاني فيهدم ويحطم.