الأربعاء عشت في هذا البيت أكثر عمري، ولا أكاد أعرف مكاناً آخر.. ويقول أحد إخوتي في كيس المشابك أنني ولدت في مكان بعيد عن هنا، وأن أمي كانت قطعة خشبية كبيرة، وأنني ولدت ولادة قيصرية استخدمت فيها مناشير وقواطع ومبارد كثيرة جداً بالإضافة إلى صنفرة خشابي! وأنا لا أصدقه، فهو لم يستطع حتى الآن أن يبرهن لي كيف عرف كل هذا!! الخميس النهارده يوم إسود! وكل يوم خميس كذلك، فاليوم يعود الأولاد من المدرسة مثل المجانين ليستحموا بعد أن يأخذوا العلقة الأسبوعية! ثم تبدأ ست البيت في غسل كل مايقع تحت عينيها من ملابس. ولا يكفي (فوم) واحد لغسيل الخميس، بل أظل معلقاً على الحبل طيلة اليوم واليوم الذي يليه! وفي إحدى المرات ظلت تغسل طيلة الليل إلى صباح اليوم التالي، فظللت على الحبل إلى يوم السبت، وأصبت بالتهاب روماتيزمي حاد وصدأ في المفاصل ظللت أعاني منه لفترة طويلة!! الجمعة أما سعاد الشغالة، فشغلها طياري ويقرف.. واليوم الذي تقوم فيه بمهمة الغسيل.. تخرج الهدوم من تحت يدها قذرة كما كانت.. وأظل مقروفاً وأنا أمسك الملابس التي غسلتها على الحبل! الله يقرفك يا سعاد! حتى عندما حاولت أن أنتقم منها فعضضت إصبع قدمها الكبير، لم تشعر بشئ الحلوفة! السبت اكتئاب السبت لابد منه، فست البيت تستيقظ مهدودة الحيل من غسيل الخميس وفسحة الجمعة، وتنتهز فرصة ذهاب الأولاد إلى المدرسة وزوجها إلى الشغل حتى تبدأ الرغي في التليفون حتى آخر النهار! الأحد اليوم حدثت خناقة عنيفة بين أحد إخوتي وبين أحد المشابك البلاستيكية المتعجرفة زاهية الألوان! وسبب الخناقة هى أن البيه المشبك الملون يريد مساحة أكبر من الكيس يفرد فيها فكيه!! لكن أخي كان له بالمرصاد! وأنا أسمع حكايات عجيبة عن هذه المشابك البلاستيكية، فيقال مثلاً إنها تولد في صورة سائلة وتصب في قوالب، ويقال أيضاً إنها تصنع من مواد مقرفة جداً ومضرة بالبيئة، وهذا هو سبب نفوري منها. لم يقدر أخي على المشبك البلاستيكي فهو أكبر حجماً بكثير، وعندما اجتمعنا عليه انضمت إليه باقي المشابك البلاستيكية وغلبنا، لكني الآن أتحين الفرصة الملائمة للانتقام! ملعونة أيتها المشابك البلاستيكية، سأريك أن مشابك الخشب ليست سهلة الهضم! الاثنين أوقعني حظي اليوم في أن أشارك المشبك الملون إياه في حمل فانلة على الحبل، وبعد أن فارقتنا ربة البيت استطعت أن أشنكله وأوقعه من البلكونة في الخرابة الخلفية - والتي من المفترض أن تكون حديقة العقار! ضحكت كثيراً جداً أنا وإخوتي لكني نُئت تحت حمل الفانلة.. واتضح لي الآن كم هى ثقيلة، خاصة لو عرفتم أنها لرب البيت وهو رجل ذو كرش عظيم! وبعد دقائق سقطت أنا والفانلة في حديقة العقار. وما كاد البواب المقيم في الحديقة أن يلمحها حتى أخذ الفانلة وأخفاها، لكنه نسيني أنا والمشبك الملون لنمثل دليلاً على الجريمة غير الكاملة التي ارتكبها. وعندما جاءت ربة البيت لتجمع الغسيل.. يبدو أنها لم تلحظ اختفاء الفانلة، ولكنها لمحت المشبك الملون عندما انحنت من الشرفة. وفي الحال كان حمادة الصغير يهرول هابطاً السلم كأنما ضاعت منهم قطعة من الذهب! والتقط حمادة المشبك الملون دون أن يلاحظ الأبله الصغير وجودي، وكدت أصرخ لكني أدركت أن أحداً لن يسمعني، وكان آخر مشهد رأيته هو المشبك الملون وهو يخرج لي لسانه قبل أن يغشى علي! الثلاثاء اليوم انضممت إلى مجتمع جديد علىّ هو مشابك زوجة البواب. وهو مجتمع متدنٍ طبقياً بالنسبة للمجتمع الذي كنت أعيش فيه. صار بيتي الآن هو الصفيحة الصدئة التي تحتفظ فيها زوجة البواب بالمشابك!! أشتاق كثيراً للكيس البلاستيكي الجميل الذي كنت أعيش فيه، وللهواء الذي يرد الروح والذي كان ''يطس'' في البلكونة ليل نهار. أمسك الآن هلاهيل البواب وأولاده على سلك معدني ممدود في الخرابة الخلفية. وقد كتبت هذه المذكرات خصيصاً لتكون عبرة على غدر هذا الزمان، الذي لم يترك أحداً دون أن يغدر به.. الإنسان والحيوان ومشابك الغسيل! كلمتنا – ديسمبر 2000