يَدَّعي البعض أن الشباب يفضل سماع الأغاني ذات الكلمات الخفيفة والمعاني السطحية، ولكن الشباب بريء من هذه التهمة.. فنحن الشباب لازلنا نستمع بكل كياننا إلى أغاني أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم، ويدعون أيضاً أن كل اهتماماتنا تنحصر في الحب والشوق والغزل والفراق.. لكننا في الواقع مللنا تكرار المعاني والمواضيع والألحان، وأصبحنا نبحث عن الجديد ونترنم إعجاباً به إذا وجدناه . ومن ضمن هذا الجديد الذي يستحق الاهتمام فرقة "بساطة"، وهي باختصار توليفة موسيقية رائعة، تستطيع بتلاحم أصواتها أن تأخذك إلى عالم خاص من الشجن الدافيء وتعيدك إلى أصالة زمان وأيام زمان، وتضم فرقة بساطة التي تكونت في يناير 2008 الملحن وعازف العود: نبيل لحود، وابنته المغنية والعازفة ماريز لحود، والملحن إيهاب عبد الواحد، وأمير سمير موزع الفرقة . ولقد أمتعوا جمهورهم من الشباب بغناء له مذاق مختلف، حيث تطرقوا إلى موضوعات جديدة، فعلى سبيل المثال ناقشوا نظرة الشباب للبنات ببساطة في أغنية "بونبوناية"، وناقشوا مشكلة العنوسة في أغنية "هتجوز"، كما تألقت أصواتهم عندما امتزجت بأشعار أحمد فؤاد نجم في "كلمتين يا مصر"، وداعبوا طفولتنا بأغنية عن أبلة فضيلة، هذا بالإضافة إلى جرأة واضحة تحسب لهم في إعادة تقديم رباعيات الخيام . ومن أسرار سِحر فرقة بساطة الماسة الغنائية "ماريز لحود"، فهي تمتلك صوتاً واعداً وإحساساً يستطيع أن يأخذك بعيداً عن عالمك، ويزيد من قوة تأثيرة اختلاطه برعشة شجن حزينة، ولذلك فهو لا يناسب أغاني الأطفال التي تتطلب نبرة بهجة ومرح، فصوت ماريز الطربي لم يتوافق وميول الأطفال في أغنية "كتكوت"، لأنها أغنية تخاطب الأطفال الكبار.. أو تنبش بداخل شيخوختنا المبكرة عن الطفولة التائهة في أعماقنا، لكنها لا تناسب الصغار الحقيقيين . أما أغنية "يا أيها الشعب الأنتوخ".. فحكايتها حكاية، لأنها رغم المعني العميق الذي تحمله.. إلا أنَّ مجرد إسمها وحده يحمل نقد مؤلم للشعب المصري صاحب "الدم الحامي"، والذي تنفر أذنه من النقد إذا كان موجهاً، له فشعبنا دائماً ما يلقي اللوم علي الحكومات والظروف والحظ والنصيب و...و ..وأي شيء إلا هو نفسه . ليس لدي اعتراض علي المغزي.. لكن كل اعتراضي علي تدني المستوي اللغوي للفظ رغم انتشاره، فلا يصح أن نخدش به جمال الموسيقي خصوصاً إذا كانت هادفة، أتمنى أن تعيد الفرقة التي قررت أن تقدم لنا فناً مبتكراً راقياً النظر في الفرق بين المخالفة والاختلاف، فالاختلاف هو التميز.. التجدد.. الإبداع، بينما المخالفة والتي تندرج تحت مبدأ "خالف تعرف" لا يدوم تأثيرها طويلاً، فأحياناً تقابلك فتاة آسرة الجمال لكنها ترتدي ثوباً لا يلائمها فيحجب جمالها، هكذا الأفكار المبتكرة تضيع قيمتها إذا لم تجسدها كلمات راقية . رغم اعتراضي على بعض الكلمات مثل "أنتوخ" و "طَنِّش" بصفتي واحد من أفراد هذا الشعب، لأن الشعب ليس أنتوخاً كله، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي إعجابي بالروح الجديدة التي دبت في جسد الموسيقي والغناء بمولد هذه الفرقة، وطرحها لقضايا ومشاكل كبيرة بمنتهى البساطة، وسأعتبر أن هذه الهفوات اللغوية ما هي إلا ذلة لسان فصيح.. استطاع أن يقدم مجموعة رائعة من الأغنيات مثل "الليل"، "استنجد بقلبك"، "يحكي أنَّ"، "إلحقيني"، "شجراية صغيورة"، "صندوق نحاس"، "المولد"، و"جنب الحيط" .