نعيش حالة من التخبط السياسي و المجتمعي في الأشهر الماضية . فقد مررنا بأحداث داخلية لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث, و ربما القديم ايضاّ . و بحكم دراستي للعلوم السياسية, تعلمت الا انظر الي الأحداث كما هي, او كما يصورها لي الاعلام . فدائماّ هناك جانب خفي, و زاوية مختلفة, اذا نظرت للأمور من خلالها, و استرجعت قرائتي للتاريخ و فهمي لدروسه, سأتمكن من تكوين وجهة نظر. قد تكون خاطئة, و لكنها – علي الأقل – تدل علي اجتهادي و بحثي في الأمور, و عدم تصديقي لعناوين الأحداث و شائعات الاعلام. بالأمس, كنت خارج المنزل, حين سمعت خبر "اعتداء متظارهين اقباط علي رجال الجيش عند ماسبيرو" . و علي الفور, سألت عن مصدر هذا العنوان, لأجد ان ما توقعته كان صحيحاّ. فقد كان المصدر هو التليفزيون المصري الرسمي, كالعادة! قضيت يومي في الخارج, مستمعاّ لشائعات مختلفة و نظريات غريبة . شائعات كحروب بين المسلمين و الاقباط في عدة محافظات, و كمحاولات الأقباط لاقتحام مبني ماسبيرو, و غيرها الكثير . اما عن النظريات, فقد خرجت علي نظريات عديدة كرغبة الأقباط في الانفصال عن مصر, أو كرغبة بعض الأقباط في الحصول علي الحماية الدولية من دول خارجية. و علي اية حال, فأن لكل تلك النظريات مبررات قد تكون منطقية, الا انني تعلمت الا احكم علي الأمور قبل قرائها و فهم ابعادها جيداّ. اليوم, و منذ الصباح الباكر, اجول في صفحات الانترنت, بحثاّ عن معلومات مؤكدة, ترضي طموحي للوصول الي الحقيقة. اليوم, و منذ الصباح الباكر, اجري الاتصالات و اتحاور مع الأخوة الاقباط حول احداث الأمس. و بعد الاجتهاد و البحث – قدر المستطاع – وصلت الي الاّتي : - التليفزيون المصري ما هو الا اداة اعلامية مملوكة للمجلس العسكري, و ليست مملوكة للدولة و ليست صوتاّ لأي مصري فيما عدا المجلس العسكري. التغطية الاعلامية الحكومية تستحق و بجدارة لقب اقذر تغطية اعلامية, ان جاز تسميتها بالتغطية بالأساس! فبشهادة احد العاملين في ماسبيرو, كان التليفزيون المصري يبث اخباراّ عن مهاجمة المتظاهرين لمدرعات الجيش, بينما كان هذا العامل يري الأقباط و قد حاصرهم رجال الشرطة العسكرية في الشارع ! - المظاهرة لم تكن قبطية خالصة, فبشهادة بعض الأقباط الذين كانوا في المظاهرة كان هناك عدداّ لا بأس به من المسلمين, الذين خرجوا مع اخوتهم الأقباط, مرددين نفس هتافات الأقباط و مطالبين بنفس مطالبهم. - المظاهرة كانت سلمية تماماّ, و قد بدأت اعمال العنف من قبل اطراف "مجهولة" قامت بالقاء الحجارة علي المسيرة, اثناء توجهها من شبرا الي ماسبيرو. عندئذ, و بحسب بعض المسلمين الذين شاركوا في المسيرة, قام احد القساوسة بتهدئة المتظاهرين و طلب منهم الا يردوا علي الهجوم و ان يواصلوا مسيرتهم بأتجاه ماسبيرو, بشكل سلمي. - عند ماسبيرو, بدأت قوات الشرطة العسكرية بالهجوم بأستخدام العصي, حتي تمنع المتظاهرين من الاعتصام عند ماسبيرو. بعد فشل العصي العسكرية في طرد المتظاهرين, بدأت المدرعات تطوف المكان, لتخيف المتظارهين و تفرقهم. و هنا يبدأ الخلاف الرئيسي, فإبتداء من هذه النقطة, توجد عدة روايات : 1. هناك من يقول ان المدرعات قامت بدهس بعض المتظاهرين, مما استفز المتظاهرين فقاموا بخطف بعض الأسلحة من الشرطة العسكرية و اطلقوا علي بعضهم النار . 2. هناك من يقول ان الشرطة العسكرية قامت بدهس المتظاهرين بالمدرعات, كما قامت بأستخدام الرصاص الحي ضدهم, و ان كان معظمه في الهواء. 3. هناك من يقول ان المتظاهرين قاموا بترديد شعارات معادية للمجلس العسكري, فقامت الشرطة العسكرية بأستخدام الرصاص الحي في الهواء, و حينما فشل هذا الأمر, بدأوا في استخدامه "في المليان" . ** و بالطبع, هناك من يقول ان المتظاهرين كانوا مسلحين منذ البداية, و بدأوا بمهاجمة الشرطة العسكرية بتلك الأسلحة. و هو بالطبع كلام بعيد للغاية عن المنطق, ولا اجد له اي مبرر. و يكفي انه كلام "التليفزيون المصري" ! و بغض النظر عن الثلاث روايات السالف ذكرها, فأنا لا اري أي خطأ من جانب المتظاهرين في اي حالة من تلك الحالات. لأنه , و بحسب تلك الروايات, فقد بدأت قوات الشرطة العسكرية بالهجوم علي متظاهرين سلميين. سواء هاجمتهم بالرصاص الحي, او بالمدرعات. ففي جميع الحالات, اصبح من شبه المؤكد ان الشرطة العسكرية هي من بدأت بالهجوم. و من هذا المنطلق لا يمكننا ان نلوم علي المتظاهرين, حتي و ان صحت مقولة انهم خطفوا اسلحة الشرطة العسكرية و استخدموها ضدها. ففي هذه الحالة يعتبر المتظاهرين في حالة دفاع عن النفس, ضد دهس الشرطة العسكرية لهم بالمدرعات. - اظن انه من العدل ان نقر جميعاّ, بأن الاقباط يتعرضون للظلم في بلادنا, التي هي بلادهم. فيجب علينا الا نسمح بتكرار احداث كأحداث كنيسة الماريناب, التي فجرت تظاهرة الأمس بالأساس. انني أري ان حماية اخوتنا الأقباط من حمايتنا, و حقوقهم من حقوقنا. و ان وحدتنا هي السبيل الوحيد لتقدمنا سوياّ. - في النهاية, أري ان ما حدث بالأمس لم يكن صراعاّ طائفياّ بأي حال من الأحوال. و انما كان مواجهة بين قوات عسكرية مسلحة – تحكم بلادنا- و بين متظاهرين اقباط و مسلميين, كانوا ينادون بحقوق الأقباط المهضومة. فليعي كل منا قدر المسئولية الملقاة علي عاتقه, و لنمنع بكل ما اوتينا من قوة رياح القتنة الطائفية التي تهب علينا من شائعات لا اساس لها من الصحة. فلا المسلميين هاجموا الأقباط , ولا الاقباط هاجموا المسلمين. لنعلم جميعاّ ان الفوضي التي نمر بها الأن هي نتيجة طبيعية لتسرعنا في الاحتفال بسقوط رأس نظام, بينما بقية اعضائه تحكمنا حتي يومنا هذا , و الي يوم يعلمه الله . و لنعلم جميعاّ ان كل ما سبق لم يكن ثورة مكتملة . فهل نحن واعون بما فيه الكفاية لاكمال الثورة ؟ ام انها ستظل مجرد "بروفة ثورة" ؟