مَن المواطنون الشرفاء الذين يتحدث عنهم المجلس العسكرى فى بياناته؟ هل لدى المجلس قائمة بهؤلاء المواطنين الشرفاء، أو كراسة مواصفات تحدد هذا النوع المتميز بين 83 مليون مصرى؟ وكيف تتعرف الشريف من الخائن أو العميل أو أصحاب الأجندات الخارجية؟ هل لديهم علامات مميزة فى الوجه أو الجسم أو لون العينين.. أو شفرة سرية ولكنة يتم التعرف بها فورا جموع الشرفاء؟ أم أن الأمر سرى للغاية وفى مخزن أسرار عليا لا يمكن الكشف عنها إلا لمجموعة صغيرة جدا؟ الأمر محير ومرعب.. لأن أى شخص بين يوم وليلة يمكن أن يتغير توصيفه... وبعد أن يكون واحد من «يا أيها المواطنون الشرفاء» يتحول إلى «خائن» أو «عميل» أو «صاحب أجندة» أو «قلة مندسة» كما كانت تسمى أيام المخلوع فى عز سلطته حسنى مبارك. حسنى مبارك نفسه إذا انتصر على الثورة كان سيضع المجلس العسكرى كله على قائمة العملاء والخونة، لأنهم لم ينفذوا أوامر ضرب المتظاهرين. المرعب فى هذه التوصيفات أنها تستخدم لغة السلطة فى تقسيم المواطنين حسب هواها ومزاجها، الصامت المطيع تضعه فى صفوف «الشرفاء»، والمشاغب المطالب بالحقوق تضعه فى قائمة «العملاء».. والمستفيد الوحيد من هذه التقسيمة هو الخونة والعملاء فعلا لأنهم ينضمون إلى مجموعات مخلصة ونبيلة من أبناء مصر ضحت بدمها وحياتها وتركت بيوتها لتنظف مصر من الاستبداد والفساد وبناء مصر جديدة. هؤلاء لا يعجبون المجلس الآن لأنهم يختلفون مع طريقته فى الحكم.. هم أنفسهم الذين حطموا رأس الفساد والاستبداد الذى تحول على يد مبارك إلى «السد العالى» الذى تحطمت عنده أحلام وطموحات شعب فى بلد محترم. وهذا على ما يبدو سر الخلل الذى عاشته مصر بعد إجبار مبارك على الرحيل من مقعده الذى أحبه والتصق به ومن أجله كاد يضحى بالبلد كله. المجلس يريد السيطرة، وهذا نوع من إدارة تصلح للثكنات العسكرية، لكنها تفشل فى دولة متعددة التوجهات، انتصر ثوارها على الديكتاتور وأجبروه على إنهاء أحلامه وأحلام عائلته بالخلود فى السلطة. المجلس يفعل ما كان يفعله مبارك بالمسطرة.. يقسم مصر إلى شرفاء وغير شرفاء.. بمعايير الطاعة للأوامر. لا يعرف الجيش أن الخلاف فى الرأى عادى فى الدول الديمقراطية الحديثة، وليس لهذا علاقة بالشرف أو حب مصر... من أعطى الحق للمجلس فى تصنيف مصر على مقاييس الأوامر الميرى؟ من يكتب بيانات المجلس؟ يتناسى كاتب البيان المسافة بين المزاج المدنى والطبيعة العسكرية ويتخيل أنه فى معركة. معركة ضد من؟ لماذا يضعنا المجلس فى حالة حرب؟ الخبرات المدربة جعلت المجلس فى بيانه يختار جماعة «6 أبريل» ليتهمها بتنفيذ مخطط «الوقيعة بين الشعب والجيش».. اختيار كأنه صيد ثمين يمكن أن يلعب عليه أمام الرأى العام ليلوث سمعة المختلفين معه! لهذا كان الرد القوى والسريع من 26 جماعة تقول إنها دعت إلى مسيرة باتجاه وزارة الدفاع للاعتراض على استمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين والتباطؤ فى عملية الانتقال إلى آخر المطالب التى تصل إلى المجلس متأخرة.. هناك حقائق لا يعرفها كاتب بيانات المجلس، وعلى من يمنحه الأوامر بالكتابة أن يدله عليها، منها: 1- المظاهرة ليست خطرا على الأمن القومى. 2- ثورة 25 يناير ليست صراعا على السلطة ولكنها ثورة حريات. 3- الثوار حموا الجيش لحظة النزول الأولى فى 28 يناير لميدان التحرير. 4- الشعب يحب الجيش لأنه مؤسسة تحمى الشعب. 5- الخلاف مع المجلس العسكرى لا يعنى خلافا مع الوطنية. 6- الخطر على الأمن القومى هو تحول الجيش إلى مؤسسة لقهر الثورة. 7- الثورة حافظت على مصر فى ظل غياب الشرطة التى حولها مبارك إلى جيش ثان. هذه معلومات لا بد أن تدخل فى رأس كاتب البيانات لكى لا تصبح خارج التاريخ، وتشبه الفرمانات العثمانية، تستخدم لغة سلطوية قديمة جدا.