هناك تاريخان غاية فى الأهمية، عندما يكتب تاريخ ثورة 25 يناير.. الأول هو تاريخ 11 فبراير، وهو اليوم الذى تم فيه خلع رأس النظام السابق.. أو تنحى مبارك إلى غير رجعة.. التاريخ الثانى هو 12 يوليو.. وهو اليوم الذى قرر فيه الثوار إعلان حكومة الثورة الحقيقية من الميدان، وخلع حكومة شرف.. والفارق بين التاريخين 5 أشهر بالتمام والكمال! وكما استمد الدكتور عصام شرف شرعيته من ميدان التحرير.. فها هو اليوم يفقد شرعيته أيضاً فى ميدان التحرير.. البرلمان الحقيقى الآن الذى يعطى الشرعية ويسحب الشرعية.. والسبب فى هذا التطور السريع أن حكومة شرف لم تكن على قدر الثورة، ولم تكن على قدر الحدث.. وراحت تقدم بيانات اللحظات الأخيرة، أو بيانات آخر الليل، على طريقة مبارك! كان من المفترض أن يقدم الدكتور شرف رؤية تمتص حالة الغضب.. وكان من المفترض أن يقوم بضربة استباقية، تظهر مهارته القيادية، أو تجعل الكرة تبدأ من عنده.. ولكنه لم يفعل هذه ولا تلك، وراح يتصرف بطريقة روتينية بحتة، كأنه يدير دولة لم تقم فيها ثورة.. من هنا كانت الاحتجاجات، وكانت الانتقادات، التى صدرت من المؤيدين قبل المعارضين! ولو نجحت ائتلافات الثورة، فى خلع حكومة شرف، سيكون تاريخ 12 يوليو من المصادفات الغريبة والطريفة، فى حياة الدكتور عصام شرف.. فمن ناحية أنه كان التاريخ الذى تولى فيه حقيبة وزارة النقل، لأول مرة فى 12 يوليو 2004 فى حكومة نظيف.. ومن ناحية أخرى سيكون تاريخ خروجه من رئاسة حكومة الثورة، التى توجته فى ميدان التحرير، وحملته على الأعناق! وبعيداً عن المصادفات الغريبة والقدرية أحياناً، فى حياة الدكتور عصام شرف.. نأتى إلى فكرة إعلان حكومة الثورة من الميدان.. فهناك شعور عام بفشل هذه الحكومة.. بحيث لا يمكن أن تطلق عليها حكومة ثورة أبداً.. هى حكومة كلاسيكية تقليدية جداً.. تسير مع السائرين والسلام.. لا تعرف طموحات الثائرين، ولا هى ذات أفكار خلاقة.. ولا هى حكومة ثائرة.. إنما حكومة مستكينة ومنطوية! ولم يكن غريباً أن ينقلب عليها المؤيدون قبل المعارضين.. لأن الحكاية حكاية وطن يتسرب، وقد يضيع وتنتهى ثورته.. وبالتالى طرحت الائتلافات أسماء جديدة للحكومة برئاسة الدكتور محمد البرادعى، وتضم عدداً من وزراء الميدان، تتفق أو تختلف حولهم، ليس هذا هو المهم.. لكنها مسألة تعكس رغبة أن تكون الثورة هى التى تحكم.. ولا تقف عند حدود الاستشارة فقط! والهدف أن تكون الثورة هى التى لديها السلطة.. وليست ثورة بلا سلطة.. نفس المشكلة التى تؤرق الثوار.. وتضعهم دائماً فى خانة المتفرجين.. وكانت المفاجأة أن الثورة تضع الجميع فى خانة اليك.. مجلس الوزراء والمجلس العسكرى.. تعلن العصيان المدنى، وتغلق مجلس الوزراء، ولا تنتظر بيانات آخر الليل.. كما أنها لا تثق فى أى تغيير وزارى، ولا حركة محافظين، ولا غيره! فهل ينجح الثوار فى تولى السلطة؟.. وهل ينجحون فى فرض «البرادعى» رئيساً للوزراء؟.. هل يقبل «البرادعى» هذا العرض الثورى، ليطيح بأحلامه فى رئاسة الجمهورية؟.. ماذا تخبئ لنا الأيام؟.. وما هو شكل العلاقة بين مجلس الوزراء والمجلس العسكرى، إذا تولى «البرادعى» رئاسة الوزراء، فى أول حكومة حقيقية للثورة؟.. هل يكون البديل هو الانقلاب العسكرى الكامل؟!