الرئيس محمود عباس أكد لي في اتصال هاتفي أن الفلسطينيين ذاهبون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ليطلبوا منها التصويت على دولة فلسطينية مستقلة في دورتها السنوية في أيلول (سبتمبر) المقبل. كنت اتصلت بالرئيس الفلسطيني لأطلب منه كمواطن عربي وصديق أن يصر على التصويت في الجمعية العامة لأن السلام مع حكومة بنيامين نتانياهو مستحيل، ووجدته لا يحتاج إلى تشجيع مني أو من غيري. هو قال إنه «لم يبق وقت للمفاوضات أصلاً، ولو قبل التفاوض لأدخله نتانياهو في متاهات الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود، والحدود، والكتل الاستيطانية، ولبدأت دورة الجمعية العامة وانتهت قبل تحقيق أي شيء لتضيع الفرصة على الفلسطينيين». أبو مازن قال لي : «إن اجتماع اللجنة الرباعية الأخير في واشنطن، في 12/7 الجاري، فشل في الاتفاق على عناصر إطلاق مفاوضات سلام جديدة، وقلت له إنني أشعر بأن الجانب الأميركي لم يحاول إنجاح المفاوضات، ربما لأنه يريد ضمناً أن يذهب الفلسطينيون إلى الجمعية العامة، إلا انه يتجنب إعلان ذلك حتى لا يدخل في مواجهة مع أنصار إسرائيل الكثر في الكونغرس وخارجه». الرئيس الفلسطيني قال: «إن الأوروبيين أكثر تجاوباً مع الفلسطينيين من الأميركيين»، وزاد انه أفهم هؤلاء انه لا يريد مواجهة، وهو مستعد أن يستعين بهم في توجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن التصويت. إلا أن الأميركيين لم يتجاوبوا معه، وإنما شجعه الأوروبيون، مثل النروج وإسبانيا، على الذهاب إلى الأممالمتحدة، وهو يعتقد أن رئيس وزراء إسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو ذهب إلى فرنسا وتشاور مع الرئيس نيكولا ساركوزي. مرة أخرى، أصر على التصويت في الجمعية العامة، والمطلوب أن يحقق الفلسطينيون الآن عبر الأممالمتحدة خطوة ونصف خطوة، وأن ينتظروا قبل طلب النصف الآخر من الخطوة الثانية. الخطوة هي التصويت في الجمعية العامة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وهذا ممكن. والخطوة الثانية هي انضمام دولة فلسطين المستقلة إلى الأممالمتحدة عبر تصويت في مجلس الأمن لا أنصح به، وإنما أقترح نصف خطوة هي إيداع نتيجة تصويت الجمعية العامة لدى مجلس الأمن من دون طلب تصويت فيه لأن من شأن هذا أن يواجه بفيتو أميركي. الرئيس باراك أوباما حسن النية غير انه عاجز إزاء الكونغرس ولوبي إسرائيل والمحافظين الجدد في إدارته وحولها، لذلك فهو عارض التصويت في الجمعية العامة علناً وبوضوح. وهو يواجه أزمة مالية هائلة صنعها الجمهوريون ويرفضون حلها ليحمّلوا الرئيس وزر ما ارتكبوا بحق «بلادهم» والعرب والمسلمين والعالم. ثم إن هناك انتخابات رئاسية مقبلة في أول ثلثاء من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، وجميع تصريحات أوباما ومواقفه وقراراته مرهونة بهذه الانتخابات، وواجب الفلسطينيين ألا يزيدوا من صعوبات وضعه، خصوصاً انهم لن يحققوا شيئاً إيجابياً في المقابل. اعتراف (recognition) وعضوية (admission) هما كلمتا السر في الموضوع كله، والأولى ممكنة بعد شهرين، والثانية مؤجلة إلى ما بعد 6/11/2012، فإذا فاز باراك أوباما بولاية ثانية يصبح قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فعلاً أقرب منالاً. هناك في الإدارة الأميركية مسؤولون معروفون من أنصار إسرائيل يريدون أن تتحدى السلطة الوطنية الإدارة حتى لا يبقى نتانياهو وحده «الشرير» في عملية السلام، وإنما يقتسم اللوم مناصفة مع الرئيس الفلسطيني على تعثر العملية. المهم في كل ما سبق أن يساعد الفلسطينيون الرئيس أوباما حتى يساعدهم، لذلك أصر كمراقب عربي مهتم، وقد أيدت عملية السلام من اليوم الأول وعملت لها، أن ينقل الفلسطينيون التصويت على الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة إلى مجلس الأمن من دون أن يطلبوا منه التصويت على العضوية فهم لن يحصلوا عليها قبل انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. أنصار إسرائيل من محافظين جدد وليكوديين ولوبي يزعمون أن باراك أوباما أكثر رئيس أميركي يعارض إسرائيل منذ تأسيسها، وفي حين أرجو أن يكون هذا الكلام صحيحاً إلا أنني لا أراه كذلك، فهم يريدون رئيساً من نوع جورج بوش الابن يفعل ما يُطلب منه من دون سؤال لجهله الواضح الفاضح وعدم أهليته لرئاسة الدولة العظمى الوحيدة الباقية في العالم. أوباما اتهم بأشياء كثيرة من ولادته حتى دينه، إلا انه لم يتهم بعد بالغباء، فذكاؤه حاد ومعرفته واسعة، ويبقى أن نراه حراً من ضغوط اللوبي في ولايته الثانية إذا فاز.