كانت إيران نصب عينى إسرائيل حين أرسلت طائراتها لقصف أهداف فى سوريا لتشن بذلك حربا داخل حرب مما يوضح استعدادها لتنفيذ هجمات بمفردها إذا تم تجاوز خطوطها الحمراء. وتصدرت المزاعم باستخدام قوات الحكومة السورية أسلحة كيماوية العناوين ودفعت إلى توجيه نداءات جديدة للرئيس الأمريكى باراك أوباما للتدخل فى الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا. ولكن بتحركها عسكريا فى مطلع الأسبوع فى حين ظلت واشنطن على الهامش فقد انقضت إسرائيل على أهداف ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لحربها المحتملة مع إيران وليس بالنسبة للقتال الداخلى فى سوريا. وذكرت مصادر إسرائيلية وغربية إنه تم استهداف صواريخ إيرانية طويلة المدى موجهة لحزب الله اللبنانى فى كلا الهجومين اللذين شنتهما إسرائيل يومى الجمعة والأحد. وقد تمثل هذه الأسلحة إلى جانب ما تعتقد إسرائيل أنها ترسانة أسلحة لحزب الله تضم نحو 60 ألف صاروخ آخر تهديدا كبيرا للمدن الإسرائيلية فى أى صراع فى المستقبل. ورغم أن حزب الله قد يقرر الضرب فى أى وقت فإن المسئولين الإسرائيليين يشعرون بقلق خاص من قصف صاروخى من الجماعة اللبنانية كرد انتقامى بالوكالة إذا نفذت إسرائيل هجمات تهدد بها منذ وقت طويل ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقال عوفر شيلح من حزب يش عتيد المشارك فى الائتلاف الحاكم فى إسرائيل "لدينا معايير واضحة تماما. لن نسمح بوصول أسلحة تغير قواعد اللعبة إلى أيدى حزب الله. سنفعل كل ما هو ضرورى لمنع ذلك". وقال عاموس يادلين وهو رئيس سابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية إن الضربات الإسرائيلية فى سوريا تبعث برسالة قوية لإيران بأن نتنياهو لم يكن يخادع حين رسم خلال حديثه فى الأممالمتحدة فى سبتمبر الماضى خطا أحمرا على قنبلة من الورق بالنسبة للبرنامج النووى الإيرانى. وبالنسبة لإسرائيل فإن إيران ستصل إلى هذا الخط الأحمر حين تجمع من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 20 فى المائة كمية تكفى لاستخدامها سريعا فى إنتاج قنبلة نووية. وتنفى طهران سعيها لامتلاك أسلحة نووية. ويتوقع نتنياهو أن تجتاز إيران الخط الأحمر فى منتصف 2013 . وقال الأسبوع الماضى إن طهران لم تتجاوز بعد هذا الخط مما اثأر الشكوك بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستخالف النصيحة الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة وتشن هجوما أحادى الجانب ضد ما تعتقد أنها محاولات إيرانية لاكتساب القدرة على إنتاج أسلحة نووية. وقال يادلين لراديو الجيش "إيران تختبر عزم إسرائيل والولايات المتحدة فيما يتعلق بالخطوط الحمراء وما نراه فى سوريا هو أن بعض الأطراف على الأقل تأخذ الخطوط الحمراء مأخذ الجد"، منتقدا على ما يبدو عدم اتخاذ واشنطن إى إجراء حتى الآن. وقال أوباما فى حديث أجرته معه أمس شبكة تلموندو التلفزيونية الناطقة باللغة الإسبانية "حماية الإسرائيليين لأنفسهم مبررة للحيلولة دون نقل أسلحة متقدمة" إلى حزب الله. وقال عوزى روبين وهو خبير صواريخ إسرائيلى ومسئول دفاعى سابق إن صواريخ فاتح -110 التى تردد أنه تم استهدافها فى الضربات الإسرائيلية "أفضل من (صواريخ) سكود، فهى لديها رأس حربى زنته نصف طن". ويبدو أيضا أنها أكثر دقة من الصواريخ الأخرى. وقال مسئولون إسرائيليون إن نتنياهو يعتزم مغادرة البلاد فى وقت لاحق اليوم فى زيارة للصين مدتها خمسة أيام مما يشير إلى إن إسرائيل لا تشعر بقلق كبير من أى رد فعل انتقامى محتمل من قبل قوات الأسد أو حزب الله على ضرباتها الجوية. لكن إسرائيل نشرت بطاريتين من منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ قرب الجبهتين الشماليتين مع سوريا ومعقل حزب الله فى لبنان. وعقد نتنياهو أيضا اجتماعا فى اللحظة الأخيرة مع مجلس وزرائه الأمنى قبل المغادرة فى رحلته المزمعة. وقال مسئول إسرائيلى "تقديرنا إن الأسد لن يرد على هذا بمهاجمة إسرائيل". وأضاف: "أنه يعرف انه إذا فعل هذا فسوف يتعرض لضربات مضادة ستضعف بشكل كبير قدراته العسكرية وبالتالى تتيح للمتمردين (مقاتلى المعارضة) تحسين فرصهم ضده". ولا تزال إسرائيل وسوريا فى حالة حرب من الناحية النظرية فى إعقاب حرب 1973 لكن الحدود الشمالية تشهد فى حقيقة الأمر هدوءا نسبيا على مدى العقود الأربعة الماضية. ولم تؤد الضربات الجوية على سوريا إلى أى تداعيات سياسية فورية فى إسرائيل حيث إن احتواء حزب الله الذى أطلق أكثر من 4000 صاروخ على إسرائيل خلال الحرب التى دارت بينهما عام 2006 يمثل قضية توافق توحد المواطنين من جميع الأطياف الحزبية. ومما يوضح بواعث القلق من حزب الله قال عاموس جلعاد المسئول الكبير بوزارة الدفاع فى محاضرة فى مدينة بئر السبع أمس السبت إن حزب الله "حريص على الاستيلاء على منظومات أسلحة (فى سوريا) مثل الصواريخ التى يمكنها الوصول مثلا إلى كل مكان هنا". ويصور حزب الله نفسه على أنه يتسلح ضد أى عدوان تقوم به إسرائيل التى احتلت جنوب لبنان على مدى عشرين عاما حتى عام 2000 وما زال لبنان يتنازع معها على أراض. ولم يعط نتنياهو إى إشارة علنية على عزمه التدخل عسكريا فى سوريا رغم سقوط قذائف من حين لأخر من الحرب الأهلية السورية على مرتفعات الجولان التى تحتلها إسرائيل. وقال مسئولون أمريكيون إن الطائرات الإسرائيلية لم تدخل المجال الجوى السورى خلال هجوم يوم الجمعة وإنها أطلقت النار على ما يبدو على أهدافها من لبنان المجاور لتجنب أى مواجهة مباشرة مع جيش الأسد. ولم يتضح على الفور ما إذا كان نفس الأمر ينطبق على غارة اليوم. والانحياز لطرف فى الصراع السورى خيار صعب لإسرائيل إذ يعتقد الإسرائيليون أن واحدا من كل عشرة مقاتلين هو جهادى قد يحول سلاحه صوبهم بمجرد رحيل الأسد. وقال تساحى هنجبى وهو نائب من حزب ليكود اليمينى وصديق مقرب لنتنياهو لراديو الجيش اليوم الأحد إن إسرائيل ليس لديها وجهة نظر بشأن ما إذا كان يتعين بقاء الأسد أو رحيله مضيفا أن الحكومة لا تريد "الرهان على الحصان الخاسر". وقال "ما نريده.. هو التأكد من إننا لن نرى من خلال الفوضى السورية أن حزب الله يزداد قوة بطريقة تدفعه لاتخاذ إجراء ضدنا وجرنا إلى صراع سنتكبد بسببه خسائر جسيمة".