ها هم الأرضة والمردة من شياطين الإنس والجن يحتالون ليأكلوا منسأة الثورة من أطرافها ليقع الثوار في محيط الخلاف وحمأة الاقتتال فيتنفس أهل الباطل الخراب ملأ خياشيمهم العطنة ويرقصون طربا حول جثث مخلصيهم. وها هم ينثرون كسرات الفتنة الحادة على الطرقات والصفحات وشرايين الميادين. ها هم كتبة السلطان الذين لا يعرفون إلا التسبيح بحمد مليكهم وولي عربدتهم يلوثون بياض الصفحات بسواد أفكارهم فينفثون دفين أحقاد وروث همجية كانوا هم عرابيها وسدنتها والمنتفعين من ورائها ليعود فرعونهم على صهوة بلاد أخذها كرها ووضعها كرها. وها هم دجالوه يحللون نسيج الدستور إلى خيوطه الأولى ليعيدوا حياكة القوانين حسب قياس زنزانته .. فهنا تتسع قليلا وهنا تنفرج كثيرا كي تناسب نحره وقده. وها هو الشعب الثائر الحائر يراقب في شَدْهٍ ما يجري ولسان حاله يقول إنا لمدركون. لكنهم وحدهم ساموراي الجيل يدركون أن سياط الحرية خير من تيجان العبودية وأن الوليد لا يعود إلى ظلام الرحم حتى وإن ولد مبتسرا ويرفضون العودة إلى حجر سيزيف ليحملوه فوق أكتافهم ويصعدوا به تلال الهوان فتنغرس أقدامهم حتى أعناقها في مرارة اليأس. هم وحدهم يدركون أن التاريخ قد يتكرر لكن الطيور المهاجرة لا تلتفت خلفها ويأبون أن يغرسوا رؤوس رماحهم في جسد كرامتهم ويعودوا إلى ثكناتهم. إنهم كالشعاع الذي لا يستطيع أن يكف عن ممارسة قنص الظلام. هم الأحياء إذن في زمن فقد نبضه وخانته أوردته وشرايينه. هم أحياء وإن سكنهم الرصاص الحي وأفقدهم أبصارا لم يكن يسمح لها بممارسة طقوس الرؤية في زمن العمي. لقد خلعوا عماهم من محاجره واستبدلوه بالرأي والرؤية حين انشغل الأخرون بضِياعهم واستمرأوا ضَياعهم انشغلوا هم برسم خرائط الأمل فوق خرائب اليأس حول الحظائر والزرائب والحقول. كانوا يحفرون الأنفاق تحت بوابات اليأس لأنهم كانوا يرون رسل الحرية يقيسون مسافات الزمن بين سكون الموتى وصرخات الأجنة. كانوا يدركون أن الأبواب المغلقة لا تفتح التاريخ ولا ترسم الجغرافيا ففتحوا أبواب التقنية على مصراعيها وأخرجوا مخالبهم من كوة العدم ليطلقوا الصرخة الأولى في مراسيم ولادة الحرية. وها هم اليوم - بعد أن كشفوا سوأة الطغاة وحركوا شراع مراكب الحرية التي مُنعت زمنا من دخول المياه الإقليمية لمرافئ بلادنا ليعلنوا تغيير اتجاه الرياح - مطرودون في خيامهم على قارعة الجحود. ها هم يكشفون صدورهم للدغات البرد ورائحة البارود وشظايا الخراطيش وإهانات الباعة الجائلين ولمزات جارحة من إخوة كانوا بالأمس رفاقا. ها هم يتَحَدُّون بخيام يعبث بها الريح وأيد عارية إلا من نصل الإرادة قوى الشر مجتمعة. هم لا يستجدون شفقة ولا يلتمسون عونا فقط يبحثون في خرائط مدنهم عن وردة حمراء يخطبون بها ود أرض عشقوها حتى الموت وحملوها حق الحمل وحتى الولادة. لن يفكر حمامُنا الزاجل في العودة إلا بعد أن يوصل رسالته إذن لن يتوقف عند ناصية أو يحط على كرسي إلا بعد أن يفتح آذان التاريخ لتسمع صرخات المغبونين وصيحات المقهورين وابتهالات المحرومين وحتى يعود للحياة زخمها القديم. ولن تمنعهم قوى الشر مجتمعه من الوصول بالطريق إلى منتهاه. فلينفخ مهرجو الملك ملأ أفواههم ما شاءوا وليدبجوا أطروحاتهم الشيطانية بالأكاذيب والأباطيل لكنهم لن ينالوا من أشجارنا عنبا ولا حطبا ولن يجدوا من الثوار إلا كل صلابة وقوة عود.