البيضاء تعود للارتفاع.. أسعار الدواجن والبيض اليوم 8 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    الخارجية: مصر تتابع الأحداث وأرسلت تحذيرات كثيرة لإسرائيل    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    نائب رئيس المصري: مش هنفرط في بالمشاركة الإفريقية    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    خبر سار للجماهير المصرية في البطولات الأفريقية والمحلية    ياسمين عبدالعزيز عن أصعب موقف تعرضت له: «لن أكرر التجربة مرة أخرى»    تسلا تنهار.. انخفاض مبيعات سياراتها بنسبة 30% في إبريل    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    موعد عيد الأضحى 2024.. وإجازة 9 أيام للموظفين    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    استقرار أسعار الذهب في ختام تعاملات أمس.. شوف عيار 21 وصل كام    إسعاد يونس تقرر عرض فيلم زهايمر ل الزعيم في السينمات المصرية... اعرف السبب    يسبب كوارث، سحب لقاح أسترازينيكا ضد فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم    مدير المخابرات الأمريكية يزور إسرائيل لاستكمال مباحثات هدنة غزة اليوم    الأردن وأمريكا تبحثان جهود وقف النار بغزة والهجوم الإسرائيلي على رفح    المتحدث الرسمي للزمالك: مفأجات كارثية في ملف بوطيب.. ونستعد بقوة لنهضة بركان    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    شاهد.. ياسمين عبدالعزيز وإسعاد يونس تأكلان «فسيخ وبصل أخضر وحلة محشي»    ندوة "تحديات سوق العمل" تكشف عن انخفاض معدل البطالة منذ عام 2017    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من تحول حالة الطقس اليوم وتنصح بضرورة توخي الحذر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    «الجميع في صدمة».. تعليق ناري من صالح جمعة على قرار إيقافه 6 أشهر    3 أبراج تحب الجلوس في المنزل والاعتناء به    "ارتبطت بفنان".. تصريحات راغدة شلهوب تتصدر التريند- تفاصيل    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    عاجل.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه لفلسطين المحتلة لاستكمال مباحثات هدنة غزة    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    حسن مصطفى: الضغوط كثيرة على الأهلي محليًا وقاريًا    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتش عن الخوف!
نشر في أكتوبر يوم 15 - 05 - 2011

«اعتقلونى.. اعتقلونى.. مش حتشوفوا الخوف فى عيونى».. كانت واحدة من الهتافات التى انطلقت عفويا على ألسنة المصريين فى ثورة 25 يناير، ومعها انتشرت فى الجموع طاقة من القوة والشجاعة بثت الرعب فى قلوب من ظنوا يوما أن الشعب قد مات، ومن توهموا أنهم قادرون على إرهابه من جديد. التحرر من الخوف كان واحدا من الأبطال الذين تحققت بقيادتهم معجزة الثورة. وهو نفس البطل الذى يقود، أو نريده أن يقود، المصريين الآن فى ثورة البناء والنهضة. والأمل.. بل اليقين هو أن من تذوق حلاوة التحرر من الخوف لحظة لن يعود أبدا إلى ذل الخوف، ولن يقف بعد اليوم خلف قضبانه. فهل يستطيع الشعب المصرى كله أن يسير خلف هذا القائد ولا يلتفت لمن يريد أن يبث الخوف فى النفوس من جديد؟.
حتى ندرك ما يفعله الخوف بالإنسان ورؤيته لما يمر به فى الحياة، تعالوا نقرأ هذه القصة عن شخصية مشهورة فى الأدب الشعبى الصوفى يُدعى «الملا نصر الدين»، وهو شخص يظهر منه دائما ما يبدو أنه تصرفات حمقاء أو مضحكة إلا أنه يتضح بعد ذلك أن سلوكه يخفى وراءه نوعا من الحكمة والفطنة التى تكشف للقارىء كثيرا من خبايا نفسه وتعلمه بشكل لطيف كيف يتغلب على نواقصه. فتقول القصة أن «الملا نصر الدين» كان يقف يوما فى الطريق العام مستندا إلى حائط تقع خلفه جبانة. وكان منهمكا فى قراءة قصة بوليسية مشوقة، مليئة بالمواقف المرعبة. وبينما هو متفاعل بشدة مع أحداث القصة، وكأنه أحد شخصياتها، لمح على البعد موكبا كبيرا قادما نحوه.
عيون الخوف
ولأن الظلام كان منتشرا فى المكان لم يدرك «الملا نصر الدين» أن هذا الموكب هو موكب عرس يضم العروسين والأسرة والأقارب والأصحاب، بل خطر له أول ما خطر إحساس بالرعب، وقال فى نفسه: «لماذا يتوجه هذا الموكب ناحيتى؟ ها أنا أرى رجلا على حصان، وفى يده سيف، لابد أن هؤلاء هم الأعداء، وأنهم جاءوا ليقتلونى»! ظل «الملا نصر الدين» يُخيف نفسه بنفسه حتى أنه قفز إلى داخل الجبانة يبحث عن مكان يختبىء فيه، ولمح مقبرة محفورة حديثا فدخلها ورقد فيها مغمض العينين، إلى أن يمر الخطر!
أما الناس الذين كانوا فى الركب فحين لمحوا على البعد ووسط الظلام رجلا يرتكن على الحائط، ثم رأوه وهو يقفز فجأة داخل الجبانة، فقد أصابهم ذلك بالذعر الشديد أيضا، وقال بعضهم للبعض الآخر: «يا له من شخص مريب، ربما يكون على وشك أن يفجر قنبلة فى هذا الموكب. وعلى هذا توقف الركب بالقرب من حائط الجبانة، وانطلق منه بعض الرجال الشجعان وهم يتأهبون لمطاردة هذا الرجل والقبض عليه. نظروا حولهم فلم يجدوا أى أحد. ثم لمحوا المقبرة المفتوحة ورأوا الرجل مستلقيا داخلها. رآهم «الملا نصر الدين» وهم قادمون نحوه فكتم أنفاسه ليظنوه ميتا ويرحلوا بعيدا، ولكن كان الفزع متملكا منه حتى أنه قال فى نفسه: «لقد وصل إلى الأعداء وما كنت أخاف منه قد حدث بالفعل، هذه نهايتى لا محالة»!.
انحنى الرجال ينظرون داخل المقبرة ويقولون: «ماذا يفعل هذا الرجل هنا:إنه يبدو حيا»؟ فى الوقت نفسه بدأ «الملا نصر الدين» عاجزا عن كتم أنفاسه لمدة أطول، فانفضح أمره، وأمسك به الرجال وسألوه: ماذا تفعل هنا؟ نظر إليهم «الملا نصر الدين» وأجابهم قائلا: «وماذا تفعلون أنتم؟ ولماذا جئتم إلى هنا»؟ غضب الرجال وقالوا له بحدة: «قل لنا أنت أولا ما الذى جاء بك إلى هنا»؟.
عيون الحقيقة
فى لحظة واحدة اتضح الأمر كله ل «الملا نصر الدين»، فانفجر ضاحكا وقال لهم: «إنها مشكلة فلسفية عويصة، فأنتم هنا من أجلى، وأنا هنا من أجلكم، والمشكلة لا يمكن أن تُحل فلا بداية ولا نهاية لها، إنها دائرة مفرغة»!.
القصة فى مجملها تقول إن الخوف يجعلنا نتوهم أشياء لا أصل لها، ونتعامل معها وكأنها حقيقة. وتلك اللحظة الأخيرة ل «الملا نصر الدين» تشبه ما يسمى «الاستنارة»، أى انقشاع «الوهم» الذى هو بمثابة النظارة ذات الزجاج الملون الذى يجعلنا نرى كل الأشياء مصبوغة بذلك اللون. وتأثر «الملا نصر الدين» بالرواية التى يقرأها حتى اختلط عليه الأمر، فيه إشارة إلى قابلية الإنسان للتأثر بما يسمع أو يرى، لأنه يلمس «شيئا» ما داخله. وفى حال هذه القصة كان «الخوف» هو الشعور الغالب عند الفريقين: «الملا نصر الدين»، وأفراد الركب. لو كان «الملا نصر الدين» متحررا من الخوف، ما كان توحد مع القصة التى كان يقرؤها، وبالتالى ما كان شعر بالرعب لمجرد وجود ركب قادم. وكذلك الحال مع الركب، فمجرد وجود «شخص ما» فى الظلام تُرجم تلقائيا، وبقوة أنه يتربص بهم، وأنه لابد سيؤذيهم. إدراك «الملا نصر الدين» الحقيقة يشير إلى إمكانية إفاقة كل منا. عندما نخلع «نظارة» الخوف.. نرى كل شىء بمنظور شديد الاختلاف.
مكمن الخوف
الخوف.. هو شعور داخلنا لا تسببه الأحداث، ولا حتى الأشخاص مهما كانت درجة جبروتهم، بل الأحداث والأشخاص مجرد أسباب، توقظ وتُظهر الخوف الكامن فينا على سطح الوعى. فالخوف هو الذى يمنع بل يشلّ إنسانا ما عن قول كلمة حق لأنه يعظّم له الأثر المتوقع لكلمته أو تصرفه. والعكس صحيح، فخلو الثوار من الخوف جعلهم لا يأبهون للخطر، بل يُقدمون على التصرف بكل شجاعة وثبات.
كون الخوف أكبر سبب لإذلال البشر، دفع السياسيين على مر العصور لاستخدامه ك «سلاح» قوى يسيطرون به على مشاعر الناس، ويتلاعبون بها. فنجد مثلا ساسة العصر الفائت يقولون للشعب: «إما نحن وإما الفوضى»، و«إما نحن أو الفتنة الطائفية»، وإما نحن أو الانهيار الاقتصادى». وفعلا خاف من خاف.. على نفسه.. وعلى أبنائه.. وعلى البلاد.. ولازال خوفهم قابعا فى النفوس.
لقد صدّق الكثيرون «سلاح الخوف» وظنوا فعلا أن الثورة جاءت بالفوضى، والانفلات الأمنى، والخسارة الاقتصادية. إنهم حتى ولفرط قوة السلاح (سلاح الخوف) لا يصدقون المعلومات التى تُكشف عن مدى الانهيار الذى كانت البلاد قد وصلت إليه بالفعل داخليا وخارجيا، ذلك لأن «الخوف» متمكن من داخلهم إلى الدرجة التى تجعلهم «ينتقون» فقط، ولا شعوريا، ما يعزز شعورهم بالخوف.. خوف يستميت للبقاء.
نفس هذا السلاح (سلاح الخوف) صار ينتشر شيئا فشيئا، بدون قصد أحيانا، وبقصد فى أحيان أخرى. وكأنما الخوف هو البطل الذى يحرك الجميع: خوف من فقدان الحرية لو وصلت الجماعات الإسلامية بأطيافها للحكم، وخوف من «ضياع الإسلام» لو جاء «العلمانيون، وخوف من الردة إلى النظام السابق لو جاء من هم من «فلول النظام».. خوف.. وخوف.. وخوف. ولسنا وحدنا فى هذا المجال، فالعالم كله يحكمه الخوف، انتشر الخوف فى الغرب من الإسلام والمسلمين، وشعوب العالم تشترى السلاح بأكبر الميزانيات للخوف من هجوم هذا البلد أو ذاك. رقص الأمريكان فى الشوارع احتفالا بقتل بن لادن، ولن يلبثوا خلال أيام أن يكتشفوا أن هناك آلاف بن لادن، وسيخافون من جديد بعد أن هددتهم القاعدة بالانتقام.
كأن الحياة كلها صارت قصة «الخوف» الذى يحرك الأفراد والمجتمعات كما يحلو له. وتلك هى المشكلة الفلسفية العويصة، والتى قال عنها «الملا نصر الدين» أنها «لا يمكن أن تُحل فلا بداية ولا نهاية لها، إنها دائرة مفرغة»!.
الانطلاق
«الاستنارة».. انطلاق.. وتحرر.. وهى ثمرة اكتساب الوعى.. الوعى الذى يجعلنى أوقن بأنه رغم أن هناك أشياء كثيرة يبدو أنها تهددنى على مستويات مختلفة، إلا أنى قررت فى التعامل معها أن أتحرك نحو «البحث عن حل»، ونحو ما يحقق لى ما أبغيه من عيشة كريمة، وألا أكون أبدا مجرد دمية يحركها «الخوف». بمجرد «خلع» جلباب الخوف، تتفجر داخل الإنسان ملكات إعجازية، وتتعاون معه قوى الكون كله تساعده على بلوغ المراد. ألم يشعر جموع المصريين بيد الرحمة والعون تقويهم وهم يصرون على طلب الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟
التخلص من الخوف هو «حرية» من نوع خاص .. يستحق حديثا أكثر استفاضة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.