منذ أيام قليلة شهدنا تكثيف الإعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة في عملية عسكرية أطلق عليها الكيان الصهيوني ب"عمود دخان" والتي إستهدفت القائد العسكري للجناح المسلح لحركة حماس "أحمد الجعبري" وسط تهديدات إسرائيلية مباشرة بإجتياح القطاع في عملية برية. تناول المجتمع الدولي الإعتداءات الإسرائيلية بنوع من التراخي لجهة الكيان الصهيوني وبنوع من الردع والتنديد لحماس حيث إعتبر وزير الخارجية البريطاني "وليام هيغ" حماس هي المتسببة في الأزمة الحالية وشرع وزير الخارجية الفرنسية "لوران فابيوس" الحركة العسكرية الإسرائيلية وسماه بدفاع إسرائيل عن حالها تجاه الصواريخ الفلسطينية ولم تشذ الولاياتالأمريكية عن الوقف الغربي فقد دعمت إسرائيل في ردّها على ما أسمته بهجمات حماس. ربما كان الموقف المصري الأكثر صرامة من الموقف الدولي حيث تولى الجانب المصري سحب السفير المصري من تل أبيب وقد صرّح مرسي الرئيس المصري "بأن مصر لن تقبل إستمرار العدوان وتهديد القطاع بشكل مستمر". لاحظنا فيما سبق في إستعراض للمواقف الدولية أن قضية غزة لم تشذ عن القاعدة العامة من دعم لإسرائيل وتنديد للجهة الفلسطينية على حساب أرواح الأبرياء العزل الذين سقطوا بفضل الآلة الصهيونية رغم ما عاشه العالم بإنتباه تجاه ما سمي الثورات العربية أو الربيع العربي في تسمية أخرى. ورغم ما يدركه الجانب الدولي من أهمية قضية فلسطين في وجدان العرب والمسلمين إلا أن هذا لم يحظى بمراعاة أمريكية ودولية. الجانب الدولي الذي بارك التحول الديمقراطي في كل ليبيا ومصر وتونس واليمن ومازال يحاول جاهدا إسقاط النظام السوري لتحقيق الديمقراطية التي يحلم بها الشعب السوري حسب قولهم وهو ما جاء على لسان أكثر من وزير خارجية وأوروبي كما هو الحال مع الوزارة الخارجية الأمريكية. تأتي عملية غزة في ظل واقع عربي جديد إتسم بالحراك والديناميكية لم يعشها المجتمع العربي قبلاً في ظل حكومات جديدة رفعت سقف الحريات عالياً وأصبحت حرية التعبير متاحة على عكس ما كان سابقاً , رغم أن الوضع لم يتغير من إرتهان للخارج خاصة في المواقف تجاه القضية الفلسطينية علماً وأن الأنظمة الإسلامية تعتبر راديكالية في خطابها وتبنيها لقضية فلسطين. ففي أول فرصة يختار النظام الإسلامي في دول ما عبر عنه بالربيع العربي الإكتفاء بإصدار بيانات محتشمة وبسحب السفير كما حدث في مصر أو زيارات إشهارية لوفود رسمية تدخل في باب التضامن الإنساني لا غير وهي خطوات عمقت الاستياء لدى النخب وعامة الشعب الذي إعتبر ان الثورات العربية ستنحت مساراً آخر في علاقة بالموضوع الفلسطيني ولكن لا شيء يتغير الآن وبقي الحال على ما عليه من مواقف متفرقة ومحتشمة لا تخدم القضية الفلسطينية في شيء بل تزيدها سوء رغم أن النظام الإسلامي لعب دور المعارضة في الأنظمة السابقة واستخدم ورقة التطبيع وإقامة دولة فلسطين في إدانة الأنظمة العميلة كما وصفوها كما إستخدم هذه الورقة في الإنتخابات الأخيرة. فهل كانت هذه مجرد شعارات فضفاضة لضمان الشعبية والنجاح في صفوف مجتمعاتهم أو أن عملية غزة باغتتهم حيث لم يتمكنوا بعد من تصدير الأزمة والبحث عن حل ينقذ ماء الوجه ؟. ربما كانت الصدمة على أشدّها في صفوف الشعب المصري ونخبه إزاء الموقف المصري المتراخي الذي لم تشفع كلمة مرسي في بث الطمأنينة وزرع التفاؤل في كل العرب بإتخاذ خطوات جدّية توقف تغطرس الآلة العسكرية الإسرائيلية كما هو الحال في تونس حيث لم يشكل البيان الذي أخرج على مضض بصيص أمل في تلبية تطلعات الشعوب العربية لإيجاد حل للأزمة القائمة. من جهة أخرى تلعب المعارضات العربية الورقة الفلسطينية وهي الآن في صالحها لتشحذ الهمم وتعبئ الجماهير لتصوت لها في الإنتخابات القادمة بعد تنظيم الوقفات الإحتجاجية والمسيرات المنددة ولكن يبدو أن القضية الفلسطينية لا مستقبل لها في هذا الوضع الجديد سواء من طرف الأنظمة أو المعارضات فهي مجرد أداة انتخابية تعبوية لا غير إذا علمنا أن لا أحد من الطرفين سواء المعارضة أو الحكومة في دول ما سمي الربيع العربي مستعد للتضحية بعلاقاته مع أمريكا الراعي الأساسي لإسرائيل. ولكن في المقابل جاءت عملية غزة لتعرية النظام الأمريكي وكشف إزدواجية خطابه تجاه الديموقراطية في الدول العربية فهي التي إحتفلت بالثورات العربية وهي الآن تقمع قطاع غزة وتبرر الإعتداءات تحت "باب الدفاع عن النفس" بالرغم من أن الحرب غير متكافئة .. علماً وأن حماس وصلت إلى السلطة عن طريق الصندوق سنة 2005. فالديموقراطية الأمريكية التي بشرت بها العرب عن طريق العراب الأساسي دويلة قطر تدفعنا إلى القول أن لاشيء جديد في تعاطيها مع التغييرات السياسية سوى أنها تخضعها لحسابها ساعية إلى إقامة شرق أوسط جديد مع حلفاء جدد لا يهم غطاءهم إسلامي أو غيره طالما أنهم لّبوا نداء العمالة لأمريكا وحفظ مصالحها في المنطقة وإن كان هذا على حساب دول مستقلة ك"سوريا" وما تتعرض إليه من مؤامرة الآن من تسليح القوات الإرهابية الأجنبية وإفتعال مجلس سوري مواز للسلطة السورية وفرض الدول على التطبيع معه والتعامل معه كممثل وحيد للشعب السوري. عملية غزة جاءت في وقتها لنحدد فعلاً من هو العدو الحقيقي وما الذي تسعى إليه أمريكا من فرض الديمقراطية أو فرض شرق أوسط جديد ؟؟؟.