برحيل الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة، تكون الجزائر قد ودّعت أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة، وأيضا إحدى الوجوه البارزة لثورة التحرير، من خلال مشاركته في النواة الأولى التي أنجبت جبهة التحرير الوطني.. الرجل عرف أيضا السجن في زنزانات العدو وفي الجزائر بعد التحرير، كما عرف المنفى في مسيرة نضال، يقول منتقدوه إنها في أجزاء ظل. أحمد بن بلة.. من مواليد 25 ديسمبر 1916، بمدينة مغنية بتلمسان، أين بلغ الطور الثانوي من الدراسات، ومن الأشياء التي يعلمها القليل، أن الرئيس الراحل كان يعشق كرة القدم ولعب لموسم في صفوف النادي الفرنسي المشهور "أولمبيك مارسيليا" سنة 1939 -1940. وخلال الحرب العالمية الثانية شارك المرحوم في صفوف الجيش الفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني، حيث كان جنديا في معارك مفصلية على عدة جبهات في فرنسا، ما جعل الجنرال ديغول يقلّده وساما عسكريا. مجازر 8 ماي 1945، شكّلت حدثا بارزا دفع ببن بلة للانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري، ليصبح بعدها أحد الرموز للثورة التحريرية مع بعض جوانب ظل، فتضاربت الروايات حول مشاركته أو لا في السطو على بريد وهران سنة 1949، بعدها تم اعتقاله في العاصمة ومكث في السجن سنتين قبل أن يفر إلى القاهرة، وأصبح بعدها أحد الوجوه البارزة للجنة الثورية للوحدة والعمل التي ستتحوّل بعدها الى جبهة التحرير الوطني. ومن بين المحطات النضالية تواجده رفقة حسين آيت أحمد ومحمد بوضياف ومصطفى لشرف في الطائرة التي كانت تقلّهم من المغرب إلى تونس حين تم قرصنتها من قبل الاحتلال وتم اعتقاله إلى غاية الاستقلال. بعد اعتلائه الحكم سنة 1963، خاض معركة كبيرة مع أعضاء الحكومة المؤقتة، بسط بن بلة سلطته بالقوة فارضا عدة سياسات، حتى 19 جوان 1965 أين تم اسقاطه من قبل بومدين ليسجن حتى سنة 1979 قبل أن يوضع تحت الاقامة الجبرية لغاية أكتوبر 1980 ، وبعدها إلى المنفى في سويسرا، ليعود سنة 1990 ويصبح من بين الرؤساء الذي يقضون أيامهم الأخيرة في منازلهم، حسب ما قاله الرئيس بوتفليقة، ليظهر أن الديموقراطية في الجزائر أمر واقع. اسم الرجل ارتبط أيضا بدعوته للجميع للمساهمة في صندوق إعمار الجزائر بعد الاستقلال، أموال هامة يتهم البعض كوادر النظام آنذاك بتحويل جزء منها. الأكيد أن الجزائر فقدت شخصية سياسية بارزة من تاريخها الحديث، فيكفي أن بلة كان أول رئيس للجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال. للإشارة، فإن مصادر مقربة من محيط الرئيس المتوفى ذكرت أن آخر من رأى أحمد بن بلة في المستشفى، كان رفيقه في النضال المجاهد أحمد محساس. وكانت وصيته أن يدفن بجانب زوجته بمربع الشهداء بمقبرة العالية. وفي مقال نشره فريق أولمبيك مرسيليا على موقعه الرسمي : يصف بن بلة ب الرئيس الهدّاف. وصف نادي "أولمبيك مرسيليا"، الزعيم الراحل أحمد بن بلة ب "الرئيس الهدّاف"، في إشارة إلى تاريخ المشاركة الرياضية للفقيد بن بلة في هذا النادي الكروي العريق. وفي مقال نشره الجمعة على موقعه الرسمي، أشار نادي "أولمبيك مرسيليا" أكبر الأندية الفرنسية إلى تاريخ المشاركة البارزة للراحل أحمد بن بلة في الفريق الفرنسي العريق، على قصر مدتها. وذكر موقع النادي الكروي، أن أحمد بن بلة وقّع عقد الانضمام لفريق "أولمبيك مرسيليا" لموسم 1939/1940، وقد ظل بن بلة آنذاك يلعب في الفريق الاحتياطي إلى غاية مشاركته في مقابلة بين مرسيليا وفريق نادي "أونتيباس"، في إطار كأس فرنسا بتاريخ 24 أفريل 1940، حيث انتهت المقابلة بفوز ساحق لأولمبيك مرسيليا ب 9 أهداف مقابل هدف، وكان نصيب بن بلة من الأهداف التسعة هدف واحد. اليوم الذي بكى فيه الراحل بن بلة .. مغنية حزينة والفقيد ودّع تلمسان بتدشين مطار مصالي : لا شيء تغيّر من رتابة يوميات تلمسان، باستثناء حديث سكّانها عن وفاة بن بلة ومكان دفنه، أما في مغنية مسقط رأسه، فتغطّت المدينة بعباءة الحزن على الأب السي أحمد. وطيلة مساء الأربعاء، لم يكن حديث المدينتين إلا عن رحيل "الرايس بن بلة"، أما بمقر الولاية فلم تتوقف الحركة وبالتأكيد على أن مراسم الدفن ستتم بمقبرة العالية بدأت الحركة تقل، إلى أن خفتت تماما بمغادرة المسؤولين والعديد من الشخصيات السياسية ونواب البرلمان عن المدينة مقر الديوان نحو العاصمة. كان آخر نشاط للراحل أحمد بن بلة، حين قام بقصّ شريط تدشين مطار "مصالي الحاج" بتلمسان يوم 16 أفريل 2011، بحضور ابنة مصالي وحضور رئيس الجمهورية، الذي ألحّ على حضور بن بلة مراسم الافتتاح الرسمي لتظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. أبناء مغنية يقولون : يقول شهر الدين ابن مدينة مغنية وهو صحفي بجريدة "الوطن" في رده على سؤال " المغرب الأوسط " ، إن المدينة تتذكّر عرس الجيبيلي الذي أقيم في 2005، كانت مناسبة لا تنسى، وعن ممتلكات الرئيس الراحل يشير شهر الدين، إلى أن كل سكان مغنية لا يعرفون من ثروة المرحوم سوى البيت العتيق للعائلة، وهو منزل "عربي" يقع بوسط المدينة. ولا يختلف سميح من يومية "الشروق"، وهو من أبناء مدينة مغنية في تصريح لنا مع ما ذهب إليه شهر الدين من أن أكثر الذكريات حضورا في المدينة عن الراحل بن بلة هو الجيبلي، الذي كان أقل ما تقدمه المدينة للزعيم. أما محمد بن حمو، نائب في المجلس الشعبي الوطني ورئيس حزب الكرامة، وهو من بلدية السواني القريبة جدا من مسقط رأس الراحل بن بلة، فيقول "إن الرجل سيظل رمزا وطنيا ثوريا، وأن مسيرته في الكفاح ستظل كتابا مفتوحا لكل الأجيال"، مشيرا إلى أن بن بلة كان رجلا طيبا ومتواضعا. وبالنسبة لرئيس المجلس الشعبي الولائي المحامي محمد هاملي ابن مدينة مغنية، الذي اتصلنا به بعد الإعلان عن وفاة بن بلة، قال المحامي: "إن بن بلة عملة وطنية وعربية نادرة، وأن أبناء مغنية والجزائر يفتخرون بسيرة الكفاح التي كتبها الراحل". يوم بكى بن بلة : يتذكّر سكان (لالا مغنية) مسقط "الرايس بن بلة"، أنه ظل يوصي بترقيتها إلى مصاف الولايات، مثلما يتذكر أبناؤها حفل "الجيبيلي" الكبير الذي أقيم "للرايس" في الثالث من ماي 2005، عندما منحته جامعات الوطن الدكتوراه الفخرية بحضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بجامعة تلمسان، يتذكر كل من حضر اللقاء، أن الدموع سالت على خدَّيْ الراحل بن بلة، نتيجة تأثّره بمشهد التكريم وحفاوة الاستقبال أمام رفاقه من مختلف دول العالم، وخطب في الحضور والدموع تنهمر على وجنتيه. وكان المشهد مؤثّرا للغاية، صفّقت له قاعة المحاضرات بجامعة أبو بكر بلقايد مساء يوم الثالث ماي 2005، وعلى مدار أسبوع احتفلت مغنية بالرايس بحضور قيادات تاريخية من مناضلي حركات التحرر الإفريقي والعالمي، حضروا إلى مغنية، كما لبوّا دعوة ضابط جيش التحرير الوطني المجاهد صالح النهاري، الذي أقام لهم حفلا كبيرا بمنطقة سيدي الجيلالي، وهو آخر رموز الثورة بالولاية الخامسة ممن لازالوا على قيد الحياة بتلمسان. ومنذ تلك الاحتفالات ظل الراحل بعيدا عن المدينة وأهلها حيث انشغل بنشاطاته خارج البلاد. بحضور أكثر من 300 شخصية عالمية: جنازة رسمية لبن بلة تؤطّرها الرئاسة وتحضيرات بمقبرة العالية : كانت الجزائر الجمعة، قبلة أحرار وثوار العالم من جميع العواصم العالمية، وذلك لوضع جثمان الرئيس الراحل أحمد بن بلة في مثواه الأخير بمقبرة العالية بباب الزوار، التي شهدت تحضيرات على قدم وساق، حسب ما رصدته " المغرب الأوسط" ، بعين المكان. وانطلق الموكب الجنائزي لأول رئيس جمهورية جزائرية مستقلة احمد بن بلة، من منزله ببلدية حيدرة أعالي العاصمة، باتجاه قصر الشعب، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه بالمقر الحكومي، ثم انطلق في موكب جنائزي أطرته مصالح رئاسة الجمهورية. وحضر في مراسم توديع أول رئيس الجمهورية الجزائرية إلى مثواه الأخير بمقبرة العالية أكثر من 300 شخصية عالمية، يمثّلون العديد من الدول، يتقدمهم ممثل عن نيلسون منديلا وممثل عن عائلة المالكة بالمغرب، وهم الشخصيات الذين وصل عدد منهم الجمعة ، الى الجزائر. يذكر أن أحمد بن بلة، الذي تولى مهام أول رئيس للجمهورية الجزائرية بعد الاستقلال، وافته المنية ، عن عمر يناهز 96 سنة، إثر مرض ألزمه الفراش منذ مدة، كما اكتظ قصر الشعب مقر الاقامة الرسمية بالجزائر بجموع المعزّيين من كبار الدولة والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي إلى أبسط المواطنين. مجاهدون وشخصيات سياسية : شهادات حيّة حول نضال الرّاحل بن بلة ومواقفه التاريخية : تمكّنت المغرب الأوسط من تسجيل شهادات حية حول نضال الرئيس الراحل أحمد بن بلة، على هامش إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد مساء أمس الأول ، بقصر الشعب، حيث وبصوت حزين ينمّ عن الحسرة لفقدان أول رئيس للجمهورية الجزائرية، استحضر الأمين العام لمنظمة المجاهدين سعيد عبادو في تصريح له ذكرياته مع المرحوم. حيث قال بأنه زعيم من زعماء الجزائر الذين ساهموا في تحرير هذا الوطن، وأول رئيس أقام هذه الجمهورية العزيزة علينا، ونحن اليوم نقف خشوعاً أمام هذا الرمز الوطني الذي جسّد جمهورية الجزائر العريقة. من جهته، أكد المجاهد ياسف سعدي أن "الراحل أعطى عمره وأفناه في النضال قبل 1954، حيث نظم وعمل وخدع فرنسا بانضمامه لصفوف جيشها عابثا بها. وأضاف قائلا: "إنه من الناس الذين يحكمونني أنا شخصيا ولما دخل إلى الجزائر، أنا من قام بإحضاره للجزائر من وهران مع الجماعة الذين رافقوني في السجن، وقد تم إسكانه في فيلا التي أصبحت تعرف باسم "فيلا جودي"، وكان يأمل في أن يعيِّنني وزيراً للداخلية ورفضت حين ذاك... قائدٌ تبارك الله فيه". أما رئيس حركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني فقد قال "أعلن عن تحوّل الجزائر من أيدي الاستعمار إلى أيدي أبنائها، وقد عرف بأنه رجل متسامح، جالسته كثيرا، حاولت أن أستفزّه لأعرف ما الذي حصل بالضبط في مسمّى "التصحيح الثوري"، كان يقول هذه المرحلة التاريخية انتهت ويجب أن نلتفت لمستقبل الجزائر، سامح كل من أساؤوا إليه.. تنازل عن كثير من حقوقه، وكان يضع الجزائر فوق كل اعتبار. وأضاف أبو جرة في حديثه عن الراحل "ينبغي اليوم ونحن نودعه أن ندرك أنّ ما تركه ينبغي أن يصبح مكتبة وطنية لتاريخ الجزائر الحديث، على جيلنا أن يقرأه من الصفحات المشرقة، وأن يتابع النضال السلمي الذي حاول من خلاله الرجل أن يجعل الجزائر في مصاف الدول المتقدمة... لعب فقيد الجزائر أدواراً كثيرة عربية، مغاربية، إسلامية، إفريقية ودولية، ووضع الجزائر في المصاف المتقدمة جدا، علينا أن نحافظ على هذا التراث وأن نحافظ على هذا النضال". أما الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون فقد قالت إنه "من بين الرجال الذين لا يموتون وعند فقدانهم تبقى نضالاتهم تشهد على مكانتهم، لم يكن يناضل من أجل تحرير الجزائر فحسب.. فهو جزء من تراث البشرية، كان يناضل من أجل تحرّر الشعوب، ودعم جميع الفئات المضطهدة في أمريكا وإفريقيا.. ساهم مباشرة في قانون السّلم والمصالحة الوطنية وكانت لديه علاقة مباشرة". وأضافت حنون تستذكر الفقيد بأنها عملت معه في هذا الإطار من أجل إخراج البلاد من الأزمة، كانت آخر مرة التقت به في الأول من نوفمبر الماضي، حيث قالت: "كنّا قد اتفقنا على ضرورة اتخاذ مبادرات دولية لأنه كان يؤمن بالبُعد الدولي لنضال الإنسان، وبالتآخي والتآزر بحكم التجربة الجزائرية، وبالتالي فأحسن طريقة للترحم على روحه الطاهرة هي تجديد الالتزام بمواصلة الكفاح لتبقى الجزائر شامخة". الصحافة الفرنسية : بن بلة لن يحتفل بالذكرى ال 50 لاستقلال الجزائر : تحدّثت الصحافة الفرنسية ، عن المصير غير المتوقّع لأول رئيس للجزائر المستقلة الفقيد أحمد بن بلة الذي وافته المنية عن عمر يناهز 96 سنة، والذي لن يحتفل هذه السنة مع شعبه بالذكرى ال 50 لاستقلاله. في هذا السياق، كتبت صحيفة "لوموند"، "غريب منطق هذا القدر.. فأحمد بن بلة 96 سنة، لن يشهد بلده الجزائر تحتفل بال 5 جويلية الذي يصادف الذكرى ال 50 لعيد استقلالها". مذكرة بأنه على غرار عديد الجزائريين، فإن التزام "سي احمد" بالنشاط النضالي من أجل الاستقلال قد بدأ سنة 1945 مع مجازر ال 8 ماي، في كل من سطيف وقالمة وخراطة. وجاء في ذات الصحيفة، أن "بن بلة قد أصبح حينها مسؤولا محليا في حزب الشعب الجزائري ثم في حركة انتصار الحريات الديمقراطية الذي خلفه"، مذكرة بأن الراحل بن بلة الذي انتخب نائبا محليا في مسقط رأسه قد أصبح شيئا فشيئا يعتبر من "أخطر النشطين المطلوبين" من الشرطة الفرنسية. من جانبها عادت صحيفة "لوفيغارو" إلى شخصية الراحل بن بلة من خلال حديث مع بن جامين سطورة المختص في تاريخ الجزائر المعاصرة. وعن سؤال حول موقع احمد بن بلة في جزائر اليوم ، أوضح المؤرخ، أنه يعد أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة، وبالتالي "قيمة رمزية كبيرة". وفي تعليقه عن "حضوره" آخر عملية لتنصيب الرئيس بوتفليقة سنة 2009 بعد سنين من المنفى والعزلة عن الساحة السياسية الوطنية، أوضح السيد سطورة، أن ذلك كان "دعما وطنيا" بما أن الراحل بن بلة كان بمثابة "مغزى قوي وما يمثله للجزائر إذ يعتبر رمز انتقال الجزائر إلى الاستقلال". كما أشار المؤرخ إلى أن الحديث عن هذه الشخصية اليوم يكتسي أهمية خاصة، في الوقت الذي تستعد فيه الجزائر للاحتفال بالذكرى ال 50 لاستقلالها. مضيفا انه كان "زعيما وشخصية تعرف مخاطبة الناس والجماهير، كما كانت له علاقة كاريزماتية في الحقل السياسي.