في رواية "ترويض النمرة" قدم لنا شكسبير نموذجا لفتاة شرسة الطباع، سليطة اللسان، جامحة كخيل إسبانية برية. وقد أهلت تلك الطباع العدوانية النمرة "كاثرين" لعنوسة اختيارية وحرمت أختيها من الزواج لأن أباها كان يصر على تزويجها أولا باعتبارها البنت الكبرى. لكن "بتريشيو" الذي وضع ثروة الفتاة نصب عينيه قرر أن يلجم جموحها بأي وسيلة كانت، فتقدم لوالد الفتاة الذي أعلن عن مكافأة كبيرة لمن يقنع كاثرين بالزواج منه، وأعلن أنه سيرشح نفسه لامتطاء صهوة نمرته. والتقاها وهو يعلم خصالها، فلم تثره انفعالاتها، ولم يلق بالا لثورتها وهياجها، بل بادلها حدة بحدة وعنفا بعنف، فاستطاع بحركاته البهلوانية كبح جموحها وأعلن نفسها ملكا على عرش أنوثتها. لكن روايتنا المصرية تختلف في تفاصيلها وأبطالها وتعقيد حبكتها وإن اتفقت مع رواية شكسبير في جموح يحتاج إلى ترويض. فالجائزة عندنا ليست بضعة دريهمات جمعها تاجر كثير أسفار، أو قصر منيف يطل على بحيرة مزروعة بالبجع. والنمرة ليست بهذا الضعف الأنثوي الذي ينصاع لثورة جارفة أو نوبة غضب حادة. ولأن سباق الخطّاب إلى بيت عروس البلاد قد انطلقت شرارته، عليهم أن يتأهبوا لمعركة تحتاج إلى طول نفس وحنكة تجنبهم السقوط، وأن يتعلموا كيف يروضون الناس في سيرك الانتخابات القادمة. والترويض الذي أعنيه هنا لا يجب أن يقتصر على حزب أو فئة، أو جماعة أو فصيل. الترويض هنا يشمل كافة أطياف الشعب باختلاف ألوانهم وعقائدهم وتوجهاتهم. وهنا سيكون المرشح مضطرا إلى التأليف بين المتناقضات والرقص على أكثر من حبل في آن. فيجب أن يكون المرشح يمينيا يساريا، وإخوانيا سلفيا ليبراليا مسيحيا مسلما. والقادر على نيل قصب السبق هو الأقدر على الإمساك بخيوط اللعبة أو لجام الفرس والتلون بكافة ألوان الطيف السياسي، وهي لا شك كثيرة ومتداخلة. وهنا أستميح شيخنا حازم صلاح أبو اسماعيل عذرا أن أخالفه الرأي والرؤية في هذا الإطار. فقد قال شيخنا الجليل - الذي لا أنكر إعجابي بشخصه - أن الذي ينال إعجاب المتخاصمين لا يمكن أن يعبر عن توجه معين في معرض رده على سؤال سخيف من مذيع تعوزه اللباقة عن مدى استعداده للتنازل عن المنافسة على رئاسة الجمهورية كفلان وفلان لصالح فلان. فالسياسة يا شيخنا أقرب إلى الأرجوحة منها إلى القطار، لأنها تدور في كافة الجهات وتتداخل تفاصيلها في أعين الناظرين، ولا تطأ الأرض بمركباتها الخشبية أو المعدنية أبدا، أما القطار فلا يعرف إلا خطين من فولاذ ولا يطأ الأرض إلا بقفاز من حديد، لذا تراه يعجز عن التحليق في الأفق السياسي ولا يستهوي الكثير من المتريضين. على طالب القرب من عرش مصر يا سيدي أن يؤهل نفسه بالتدريب على كافة الألوان في كف واحد فيبدأ باستمالة الإسلاميين والليبراليين والشرطة والجيش وحزب الكنبة وحزب الشيطان. عليه أن يكون مستعدا لخلع عباءة المروءة أمام بلطجية الأنظمة وخلع عمامة الدين أمام اللادينيين ولبس زي الرهبان عند لقاء الأقباط ولبس الجينز والسراويل الضيقة أو الساقطة أمام المتحررين من ليبراليين أو علمانيين. وعلى مرشح الرئاسة أن يكون متساهلا إلى أقصى حد مع كل الأخطاء والخطايا، وأن يجيد التحدث بكافة لغات المصالح المشتركة والعيش المشترك والمصير الواحد، وأن يعزف على وتر الرخاء والأمن والعدالة والحرية. عليه أن يكيل المديح للجميع ويثني على الكل كي يتمكن في شهرين متتابعين من التوفيق بين كل المفاهيم المطلقة وإعادة كافة النغمات النشاز إلى صدر نوتتنا الموسيقية غير المتجانسة. عليه أن يروض كل طائفة بما يلزم من وعود، وما يتفتق عنه ذهنه من مشاريع خرافية أو هذيانات غير منطقية. فسواء صدق المرشحون أو كذبوا لا نستطيع أن نعول كثيرا على ما يمكنه فعله في المستقبل القريب أو البعيد والواقع خير شاهد.