تعقب حفنة صيادين ذات ليل غزالا شاردا وطاردوه برماحهم ونبالهم حتى بلغ أيكة اختبأ فيها، فلما خفتت طرقات نعالهم فوق الحشائش الخضراء، ظن أنه قد أصبح في مأمن من الصيد، فمد شفتيه المشقتتين نحو أوراق الأيكة الخضراء، وبدأت طواحنه تعلك ولعابه يسيل. وحمل نسيم الليل وشوشة الشجر إلى مسامع الصيادين، ورأوا الأغصان تنحنى فوق جذوعها، فأدركوا أن وراء الأيكة ما وراءها. عندها صوب الصيادون رماحهم نحو الأيكة وضربوه ضربة رجل واحد فخر الغزال المسكين يتضرج في دمه. عندها أدرك الغزال أنه أساء إلى أيكة كانت تحميه حين تخلت عنه كل الجدران. مغرمون نحن بأكل آلهة التمر التي جلسنا ساعات نرسم تفاصيلها بأيادينا المتعبة وأعيننا المرهقة وظهورنا المنحنية على "كنبة" الصبر، وجلسنا ساعات في جوف الليل نعبدها ونقدسها وننثني وننحنى ونذرف الدمع الثخين تحت قاعدتها المعفرة بالرمال. وكأننا نعيد لم الذر الذي كان لعجل من ذهب ذات جهالة من بحر الظلمات إلى قاعدة الحياة ليقربنا إلى الله زلفى. ها هي غانية السياسة تمرغ ذقون الإسلاميين في التراب بعد أن عاهدوا الله والشعب الذي منحهم الثقة والصوت والانفعال أن يعودوا به إلى حظيرة الدين بعد أن أخرجه السفهاء منها دهرا. فبعد عقود من الإعلان بأن الإسلام هو الحل وأنه الطريق الوحيد للخلاص، تراهم يأكلون خيره ويتقربون إلى غيره بحجة أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة. أي منفعة تلك التي تحُول بين شعب يرغب في العودة إلى الله بعد أن تاه عنه طويلا في شعاب السياسات الغربية الضالة، ولم يجن من ورائها إلا الفساد والانحلال والتخلف ؟. وأي مصلحة تلك التي تمنع من زكاهم أكثر من سبعين بالمئة ممن أرادوا الفرار إلى الله في زمن الفتن من الاعتصام بالشريعة والاتفاق على وجهة خلاص تحقق الخير والرفاه للبلاد والعباد ؟. كان الشعب يتوق بعد أن التقت إرادته ذات ميدان إلى التحرر من بربرية الخوف وانعقاد الألسنة بأن يعبر الإسلاميون الذين حملهم إلى مجالس الرأي عن توقه إلى الله بقرارات لا تعرف طرقعة الأصابع أو مص الشفاه أو تجميل الأنوف. لكننا بعد عام كامل نراهم لا يتحدثون عن الدين إلا سرا ولا يذكرون الله في مجامعهم إلا قليلا، وكأن نداهة السياسة جذبتهم من ياقاتهم البيضاء إلى فلسفة التردد والتلكؤ والتسويف والتي لا أرى لها مبررا في واقعنا اليوم. الشعب يريد الله، وقد أعلنها صراحة حين سؤل لأول عن رأيه في أو انتخابات لم تعرف البلطجة السياسية أو العربدة الإعلامية.
كل الشواهد اليوم تؤكد أن الدين يدخل حظيرة السياسة من بابها الضيق ويتم ترويضه وتشويهه بدلا من تطهير ذيل السياسة من كافة النجاسات التي علقت به وصارت جزءا لا يتجزء من معادلة ألوانه. لم نر حتى اليوم من شواهد الإسلام التي تتوق إليها أفئدة الناس في هذا الوطن الحبيب إلا الذقون وعلامات تدل على الصلاح في جباه الجالسين فوق مقاعد صنع القرار. ألا فليعلم الإسلاميون أن الله ليس في حاجة إلى مساندتهم كي يذكروه في نواديهم على استحياء، والله غالب على أمره ولو تخاذل المتخاذلون.