انطلق كلب أحد المحامين في شوارع إحدى المدن يبحث في كل الأنحاء عن شيء يسد به رمقه بعد أن طال جلوس صاحبه مع أحد العملاء حتى وصل إلى دكان جزار مكتظ باللحوم وخال من الرقباء، فمد قدميه الأماميتين فوق الطاولة وانتزع قطعة من اللحم الشهي سال عليها لعابه. وحين رآه الجزار تبعه بهراوة ثقيلة لكنه لم يتمكن من اللحاق به، إلا أنه رآه يدلف إلى مكتب المحامي القاطن في ناصية الشارع الموازي. فكر الجزار في حيلة تمكنه من تحصيل ثمن اللحم عدا ونقدا. فارتدي بعد الظهيرة ثوبا نظيفا وتوجه إلى مكتب المحامي ليستشيره إن كان من حقه تحصيل ثمن قطعة لحم سرقها كلب تركه صاحبه دون قيد أو رقابة، فأخبره المحامي أن القانون يلزم صاحب الكلب بتعويضه عن التلفيات التي أحدثها الكلب في جزارته. عندها طلب الجزار اثني عشر دولارا من المحامي لأنه المسئول قانونا عما نهشه كلبه من فوق الطاولة. نجحت الحيلة، وعاد الجزار يعد نقوده وهو يختال طربا. ولكنها فرحة لم تكتمل، إذ لم تمر ثلاثة أيام حتى أرسل إليه المحامي يطالبه بفاتورة أتعابه التي تبلغ مئة وخمسين دولارا. علينا أن ندفع إذن فواتير حرياتنا عدا ونقدا للمدافعين عن القتلة ومصاصي الدماء طالما أننا عاجزون حد الفاقة عن تأجير مراكب القانون التي تسيرها أشرعة المصالح والعملات. علينا أن نفسح أروقة المحاكم لكل من مكنته ملياراته من ركوب بنود تآمرت حروفها على الحق والعدالة والرحمة. وعلينا أن ننسى أو نتناسى قطع اللحم التي تناثرث والجماجم التي تكسرت والعيون التي سملت وأن نقنع بالعودة إلى صفوف المقهورين الذين بصموا ذات جهالة على قوانين تربو ثقوبها على ثقوب جيوبنا وكعوب أحذيتنا وملابس فقرائنا ومواسير المجاري في أحيائنا وفتحات أنوفنا وفوهات مدافعنا ومداخن مصانعنا. علينا أن نعود إلى ميادين العمل نئز ونطن كآليات بشرية لا تعرف الأمل وأن نترحم سرا في جوف توابيتنا على كل من رحل منا ذات كرامة. علينا أن ندفن حلمنا سرا كما حملناه سفاحا يوم خطيئة، وأن نكفن أبناءنا في طيات الصمت ونهيل على ذكراهم تراب النسيان قانعين بما وهب لنا من أنفاس تجيز لنا الحيةا في قبور هذا العالم المليء بالمزابل والخرابات. وعلينا أن نوقع على كل الدساتير التي يمررها سدنة القوانين في بلاد يحكمها قانون لا يعترف بالفقراء دون أن نرفع جباهنا كي نتساءل عن نقوشها السوداء فوق صفحات الحقوق المنهوبة. في أطراف غابة تراكض سنجابان يلهوان، فرأي أحدهما ثمرة جوز فأشار إليها، وسبقه السنجاب الآخر وقبض عليها، فقال السنجاب الأول: "إنها لي، أنا رأيتها أولا." وقال الآخر:"وأنا امتلكتها أولا، فهي لي." فمر عليهما سنجاب محام وعلم قصتهما، فأخذ ثمرة الجوز منهما وشقها إلى نصفين قائلا: "ما كان ينبغي عليكما أن تتعاركا، فالأمر يسير للغاية." وناول كل واحد منهما نصف قشرة والتهم الثمرة نظير أتعابه. ويل لنا من قوانين لا تدين إلا الضعفاء ولا تحاكم إلا الشرفاء الذين غررت بهم جمعيات حقوق الإنسان وأفهمتهم أن الناس متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، وأن من حق الحمل أن يرفض التوقيع على صك بيعه أو رهن مستقبله. سحقا لقانون لا يعترف إلا بالأوراق التي أعيد تصنيعها من جلود الفقراء والمعوزين ليُكتَب فيها بمداد الشهداء وثيقة إدانة ليوسف أن حمل صرخاته ذات يأس إلى بئر معطلة ونسي أن العفو عن الذئب الذي لم يشم قميصه ذات خديعة هو رأس الفضيلة. ويل لكل فقراء العالم من أساتذة القانون الذين ينصبون موازين العدالة في قصور أصحاب العطايا والمنح والهبات، ووداعا لمليارات سرقت وأراض نهبت بمباركة قانون ساكسونيا الذي يبيح التمثيل بالفقراء وسحلهم في دهاليز التاريخ ولا يعاقب ظل القتلة الذين يدلفون إلى قاعات المحاكم محمولين على الأعناق.