ربما لم تعرفه الأجيال الجديدة جنوب الصحراء فبالتأكيد لم يعاصروه ..لكنهم أقاموه تمثالا .. عبد الناصر يقف شامخا فى قلب جامعته على البر الغربى للقارة السمراء قرابه 5 آلاف ميل تفصل بين قبره وتمثاله ..ربما هى المرة الأولى التى يختار فيها رئيس مصرى عبور الأطلنطى من الجنوب ..ذهابا و إيابا ..كل من زاروا أمريكا من رؤساء مصر ..كانوا يفضلون أوروبا ..ترانزيتا ..فى حالات كثيرة توقف روساء مصر السابقون فى لندن ..وربما ميونيخ ..أو حتى مدريد ..أما التوجه إلى الدولة الأكبر قوة ونفوذا ..عبر السفر جنوبا إلى أعماق القارة السمراء ..ومنها إلى أمريكا ، وهو نفس طريق العوده . ربما هي فلسفة جديدة فى الحكم ..أراد بها الرئيس استغلال رحلة السفر الطويلة إلى واشنطن بالتوقف على الشاطئ الغربى لأفريقيا السوداء ..ومنه ينظر إلى بيت أمريكا الأبيض..حيث ينتظره رئيسها دونالد ترامب . أو ربما هى رساله إلى الإدارة الأمريكية ..بأن أفريقيا التى ترأسها مصر هذا العالم ، لن تقبل استمرار الإستغلال ..والتكالب الدولى على ثرواتها ومقدرات شعوبها ..أفريقيا لأهلها . ..أيا كانت رؤية الرئيس فى خيارات السفر والترحال ، فالمؤكد أن السفر جنوبا لثلاث دول ، هو ضمن قرار استراتيجى مصرى يتم تنفيذه على الأرض منذ قرابة الأربع الخمس سنوات ..مصر بعدما نفضت عن كاهلها حكم عصابة الإخوان ..بدأت عمليات تصحيح قاسية لسياسات كانت تحتاج -ولا تزال- إلى ابداع متواصل لتسريع وتيرة عمليه إنقاذ مسارات السياسة الخارجية المصرية . لم أكن مرافقا للرئيس فى كوناكرى ..ولكن المؤكد أنه كان سعيدا ، ليس فقط لإطلاق اسمه على أحد معاهد العلم فى جامعة عبد الناصر فى كوناكرى ..بل لأنه وجد محبه تكفى أساسا متينا للبناء عليه ..والإرتفاع بمستوى العلاقات والتنسيق الإستراتيجى مع إحدى الدول الهامة على الساحل الغربى لأفريقيا . السيسى كان سعيدا وهو يرى وفاءا لا تجده سوى فى أفريقيا لدور الزعيم عبد الناصر ..الذى فتح قلبه وبيته وبلده للأشقاء فى أغلب دول القاهره ..وفاءا كهذا لن يجده الرئيس على الشاطئ الشرقى للولايات المتحدة التى لم تكن تعرف عن أفريقيا سوى تجارة الرق والعبيد لعقود طويلة ..كانت رحلات السفن من أمريكا إلى أفريقيا تتم فقط لشراء العبيد ..وتكبيلهم بالأغلال وشحنهم كما الماشية إلى أمريكا ..لإستغلالهم فى البناء وكأنهم ليسو بشرا . الصين وروسيا وحتى كوريا الجنوبية بدأت تنافس المستعمر القديم متمثلا فى فرنساوبريطانيا وبقايا مملكة هولندا ..وربما بلجيكا ..فى السيطرة على القارة السمراء التى لازالت بكرا فى الخير الذى يسكن باطن ارضها ويفترش سطحها ...بل والأهم نقاء شعوبها ، التى لم تتلوث رغم الإحتلال بكل أنواعه ..ولم تتبدل أخلاق الأفارقه الذين سيقوا عبيدا لخدمة السيد الأبيض . آن الأوان أن تطلق مصر ثورة التحرر الثانية فى القارة العجوز ضد الإستغلال الوافد فى صور مختلفه ..فأعين كثيرة تلمع طمعا فى مقدرات قارتنا ..ثورة التحرر الإنسانى ..وثورة البناء الذى لا يتوقف حتى تعبد الطرق ..وتشيد خطوط السكك الحديدية ..بشركات افريقية ورأس مال أفريقى خالص ..ولم يكن يوما عاديا ..ومصر تفوز بعقود إنشاء سد »ستيجلر جورج« فى تنزانيا . على مصر أن تؤسس مجموعات عمل قانونية لملاحقة الدول التى نهبت ثرواتنا وأفريقيا ..ونزحت خيراتها عبر المتوسط ..إلى القارة العجوز ، فكانت عصابات مارقه ترسلها تلك أوروبا إلى بلادنا ..لإلهاب ظهور اجدادنا بالسياط وهى تحصد لهم خيرات اراضينا ..وتنبش لهم باطنها ..رق وعبودية وإذال ونهب حتى داخل بيوتنا ..يطلقون الرصاص على من يفكر بالمطالبة بحقه ..بل ويحملونه فى صناديق إلى اراضى بعيده ويبيعونه إلى أسياد آخرين . أظن أن على مصر أن تقود عمل أخلاقى وقانونى لايتوقف إلا بعد استرداد الحق الأفريقي من السيد الغربى ..فالأدلة متوافرة على قارعه مزارع القبائل الأفريقية والعربية ..رد حقوق وليس ابتزاز كما يفعل غيرنا ..فالمليارات تتدفق على اسرائيل كل عام من أوروبا ..تعويضا عن حرق اجدادهم اليهود فى أفران الغاز ..ولكن نحن وأجدادنا عشنا الإذلال لسنوات ..وحرقنا الظلم داخل أراضينا ..وتم سحبنا كالأنعام زمرا إلى مصانع الأسياد البيض . رئيس أفريقيا يعبر الأطلنطى هذه المرة من شاطئ افريقيا الذى كان يستخدمه الإنجليز والأمريكان لإقلاع سفن تحمل الافارقه عبيدا ..رئيس أفريقيا الذى يسافر إلى أمريكا من نفس الشاطئ هى رساله ربما لن يفهمها ترامب ..خلف الرئيس الأسود لأمريكا ..لكنها رساله واضحة ، أن مصر التى أطلقت ثورات التحرر على المستعمر ..هاهى تعيد الكرة مرة أخرى ..وتطلق ثورة جديدة ..فى عمقنا الأفريقى وبلاد الأشقاء ،رغم قدراتنا المالية الصعبه ..لكن أفريقيا لن تكون بعيده عنا مرة أخرى طالما يرأسها ويرأس مصر إنسان مخلص لوطنه ولقارته . ربما زرت أمريكا عدة مرات ..سواء لعمل إعلامى وجولات فى بعض مؤسساتها الإعلامية الضخمة ..أو ضمن وفود رافقت الرئيس ..لكن الزيارة التى لاتنسى كانت الأولى للرئيس إلى واشنطن ..الإحتفاء الشديد ، كان باديا من ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب ..الذى توقعت فوزه منذ طلبه مقابلة السيسى فى مقر إقامته عام 2016 ..وقبيل الإنتخابات الامريكية ..راهنت الكثيرون ونحن نشاهد ترامب يتحرك وسط جيش من رجال الخدمة السرية الأمريكية ، يتولون حمايته ..كان يبدو عليه الرئيس ..أما هيلارى التى تسللت إلى الفندق عبر جراج السيارات . شاهدت على اسوار البيت الأبيض الخيل وحراس الشرف يستقبلون موكب السيسى بموسيقى السلام الوطنى لمصر ..وبينما تمر سيارة الرئيس بين صفوف حرس الشرف ..وكبير أمريكا ..يقف بباب بيتهم الأبيض ..فى انتظار وصول الرئيس . يتحدثون عن توافق الكيميا ..وأنا اتحدث عن الهزيمة الساحقة التى ألحقها المصريون البسطاء بفعل جينات العراقة ..بخطط ماما أمريكا ، ولولا فضل هذا الشعب العريق وهبته التاريخية فى وجه من امتطى صهوة الدين وتاجر به ..لما كان هذا الإستقبال لقائد منتصر فى مقر التخطيط والتآمر طيلة 8 سنوات ..أمريكا أوباما ارادات أن تحسم كثير من قضايا المنطقة لم يجرؤ رئيس عربى منذ العام 1948 على تقديم تنازلات عن ارض عربية بديلة لشعب فلسطين المحتل . استقبال السيسى فى زيارته الأولى ..أشبه بمواكب القادة المنتصرين ..عندما يقبلون بمعاهدات صلح مع الجيوش المهزومه ..وينطلق موكب القائد الذى حقق النصر بأخلاق الفرسان إلى القائد المنكسر والمهزوم. ترامب ودولته العميقة تعرف مصر الجديدة جيدا ..وتعلم مدى إخلاص رئيسها لشعبه وتراب وطنه ..ترامب ودولته العميقه ، لن يحاول التدخل فى شئون بلادنا عبر تصدير الديمقراطية على الطريقة الغربية ..وأكاد أجزم أن العلاقات المصرية الأمريكية لم تكن يوما فى وضع صحى مثلما منذ 3 يوليو 2013 ..شعب غاضب يملأ الشوارع ويصر على طرد عصابة بدأت تسلح أعضائها لإرهاب الشعب وإطالة امد سرقتها لمقعد القيادة للدولة الأعرق فى العالم .. يوم 3 يوليو ..لم يكن لدى مصر قائدا ولا شعبا يقبل باستئذان ماما أمريكا فى طرد عصابتها التى ورتثها من بريطانيا التى كانت عظمى ..ضمن ارث كبير تم نقل ملكيته من لندن إلى واشنطن بعد الحرب العاليمة الثانية ..نعم ورث الأمريكان عصابة الإخوان من بين ممتلكات كثيرة تنازلت عنها ملكة بريطانيا لسكان البيت الأبيض . يوم 3 يوليو لم يكن بمقدور واشنطن سوى الحديث عن ضبط النفس .. والحوار وهو الذى تجاوزه الشعب بصدور عارية فى مواجهه عصابات إرهابية مسلحة كانت مستعده لتقطيع اوصال أم الدنيا ..حتى يفوز برضا إله البيت الأبيض ..وظنت أن مصر على شفا الفوضى الخلاقة التى تم إعداد سيناريوهاتها فى مطابخ ودهاليز الدولة العميقة ..فجيش العراق تفكك ..وجيش سوريا إنهك ..ولم يعد سوى الجائزة الكبرى ..تفكيك مصر أرضا وجيشا ..حتى تضمن أمن اسرائيل لقرن مقبل على الأقل ..تلك كانت آيات الإخوان الشيطانية التى رتلوها أمام أسيادهم فى واشنطن ..وعندما قررت القيادات الشعبية والسياسية اللجوء إلى الجيش لتنفيذ امرا شعبيا بالتحرك ..وقف السيسي يتلو إلى الشعب ، بيانا مصريا خالصا ..يضع كلمه النهاية لحكم العصابة . يعلم ترامب وتدرك مراكز صنع القرار فى أمريكا أن مصر لم تعد تلك الدولة التابعه ..لكنها تقبل شراكة الأصدقاء ..فى البناء والتعاون ، وهو ما ظهرت نتائجه على الإستثمارات الأمريكية المباشرة ..اذ ارتفعت بنسبة كبيرة فى العام الماضى لتصل إلى قرابة 22 مليار دولار . والحقيقة أن الإدارة الأمريكية منذ 3 يوليو 2013 أيقنت أن مصر تغيرت ..وربما سمعت رهانات كثيرة على صعوبات اقتصادية ستهدد استقرار هذا البلد العريق ..لكن الشعب كان بطلا حقيقيا ..احتمل المعاناة ..وتحمل قسوة حراجة العلاج المؤلم طيلة 3 سنوات ..وقبل الشعب التحدى ليتحرر من تبعية الحاجة للصديق والشقيق ..فمصر ربما للمرة الأولى من نصف قرن ، لايوجد فى الميزانية العامة بنودا لطلبات دعم لإنقاذ العجز . نعم العلاج مؤلم ..لكن نشوة النصر ومتعه الإعتماد على النفس ساهمت إلى حد كبير فى مرور الجانب الأكبر من حزمة الإصلاحات دون ما يحقق أمنيات العدو فى المنطقة وخارجها . السيسي سافر من جنوب الصحراء وسيعود إليها ليواصل رحلته إلى السنغال وساحل العاج ..ربما كان الإسم دليلا على نهب المستعمر لعاج الساحل .. مصر عادت لإفريقيا ..وعليها ابتكار افكار جديدة توحدنا ..وتجمعنا مع اهلنا فى القارة السمراء