تنسيق المرحلة الأولى 2025.. أمكان الحصول على خدمة التنسيق الإلكترونى    أمين "مستقبل وطن" بأسيوط يُهدد في مؤتمر جماهيري: "إحنا دولة مش حزب واللي هيقف ضدنا مالوش حاجة عند الدولة"    تنسيق الجامعات 2025.. "التعليم العالي" تعلن القوائم المُحدثة للمؤسسات المُعتمدة    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    مصر ترحب بإعلان الرئيس الفرنسي اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية    "حماس" و"الجهاد الإسلامي": نحرص على مواصلة المفاوضات للتوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار    مدير الوكالة الدولية الذرية: على إيران أن تكون شفافة بشأن منشآتها النووية    تسجل 44 درجة.. بيان مهم يحذر من ذروة الموجة شديدة الحرارة وموعد انكسارها    القبض على شاب أنهى حياة والده بسبب خلافات أسرية بالمنيا    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    منة عدلي القيعي تروي معاناتها مع المرض خلال تحضيرات زفافها (فيديو)    إصابة عضو بلدية الضهيرة بجنوب لبنان بإطلاق نار إسرائيلي    ريبيرو يحاضر لاعبي الأهلي قبل مباراة البنزرتي    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    عبد الحميد معالي ينضم لمعسكر الزمالك بالعاصمة الإدارية    سعر الذهب يرتفع 10 جنيهات اليوم الجمعة وعيار 21 يسجل 4630 جنيها للجرام    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حفر 3 آبار لتوفير المياه لري الأراضي الزراعية بقرية مير الجديدة في أسيوط    تنفيذ 85 ألف حكم قضائي وضبط 318 قضية مخدرات خلال 24 ساعة    بعد تكرار الحوادث.. الجيزة تتحرك ضد الإسكوتر الكهربائي للأطفال: يُهدد أمن وسلامة المجتمع    الداخلية تنفي شائعات الاحتجاجات داخل مراكز الإصلاح والتأهيل    مصرع عنصر شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع القوات بأسيوط    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مهرجان «ليالينا في العلمين» بمشاركة واسعة من قطاعات «الثقافة»    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    عرض أفلام تسجيلية وندوة ثقافية بنادي سينما أوبرا دمنهور ضمن فعاليات تراثك ميراثك    شقيقة مسلم: «معمله سحر.. واتجوز مراته غصب عننا»    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    «إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    «التأمين الشامل» توقع عقد اتفاق تقديم خدمات مع كيانات طبية بالإسكندرية (تفاصيل)    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    في عمر ال76.. سيدة أسوانية تمحو أميتها وتقرأ القرآن لأول مرة (فيديو وصور)    مسئولو جهاز العاشر من رمضان يتفقدون تنفيذ مدرسة النيل الدولية وامتداد الموقف الإقليمي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    أسعار البيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    لتنمية وعي الإنسان.. جامعة قناة السويس تنظم تدريبًا حول الذكاء العاطفي    رونالدو يصل معسكر النصر في النمسا    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    «100 يوم صحة» تقدم 14 مليونا و556 ألف خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    طريقة عمل بلح الشام، باحترافية شديدة وبأقل التكاليف    رسميا.. قائمة بالجامعات الأهلية والخاصة 2025 في مصر (الشروط والمصاريف ونظام التقسيط)    بعد عمي تعبان.. فتوح يوضح حقيقة جديدة مثيرة للجدل "فرح أختي"    تدهور الحالة الصحية للكاتب صنع الله إبراهيم من جديد ودخوله الرعاية المركزة    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات محمد رجب
الراقصه وصاحب المقام الرفيع
نشر في أخبار الحوادث يوم 26 - 09 - 2012

... ونجحت في أن تجعله يشعر بين يديها بأنه شمشون الجبار ونابليون بونابرت.. وهتلر وموسوليني ومونتجمري وخط الصعيد.. كل هؤلاء في شخص واحد.. ولم تسعها الدنيا من الفرحة حينما همس لها قائلا: " أنا اليوم أسعد من الوزير الذي فصلني بالأمس.. !!
اصر الوزير علي استدعاء احد مرؤسيه فورا.. عرف المسئول الشاب بخبر الاستدعاء ليلا.. فشل في إخفاء ارتباكه عن زملائه واصدقائه.. انصرف عنهم مبكرا.. كان يقود سيارته وعقله غارق في التخمينات.. لو صح ما يفكر فيه الآن.. فمعني ذلك أن "الكابوس" المزعج أوشك ان يصبح حقيقة حينما يلتقي بمعالي الوزير في الصباح..
كثيرون ينتظرون هذه اللحظة لا لشيء اكثر من الشماتة فيه.. حتي بعض اقاربه سيرقصون سعادة وشماتة في والده الذي يفتتح احاديثه في القرية كل مساء بخبر ابنه صاحب المقام الرفيع رئيس النيابة المعروف .. ويظل يحدث جيرانه واقاربه عن امجاد ابنه في القاهرة.. والتي تؤهله لان يكون وزير عدل المستقبل.. وان كان يخشي علي ابنه من أعباء الوزارة التي قد تخطفه من أبيه معظم الوقت.. !
كانت زوجته الحسناء قد نامت بعض الوقت لتتمكن من تجهيز العشاء له والسهر معه ثلثي الليل كما اعتادا كل ليلة حينما يعود من الخارج.. فتح باب الشقة في هدوء.. أدرك أن زوجته نائمة.. مشي علي أطراف أصابعه.. دخل حجرة النوم كاللص.. لم يضغط علي زر النور.. خلع ملابسه بغير ترتيب.. فتح الدولاب في حذر بالغ.. ارتدي "بيجامه" صيفي في عز الشتاء دون أن ينتبه حتي الي كمها القصير.. لم يوقظ زوجته كما اعتاد.. لا شيء في البيت كله ينم عن وصوله.. لا ضجيج ولا صخب ولا ضحكات عالية تمزق سكون الليل.. ألقي بجسده الي جوار زوجته دون أن يقبلها من جبينها حتي لا تستيقظ.. عيناه كانت تتأملها كأنه يراها لأول مرة.. وربما ايضا لآخر مرة.. رآها تلك الليلة كملاك وديع.. هاديء.. مثير.. تذكر اول مرة شاهدها فيها.. الليلة يحبها اكثر من اي وقت مضي.. لم تكن أول امرأة في حياته.. لكنه تمسك بأن تكون آخر امرأة يدق لها قلبه.. هي ايضا اخبرته وهي تطوق صدره بذراعيها ان الرجال قبل أن تتعرف عليه كانوا آلافا وملايين وبعد ان احبته أصبحوا في عينيها وفي قلبها رجلا واحدا..
قال ذات مرة:
أحببتك من أول نظرة كما يقولون..
وردت عليه هامسه:
وأنا احببتك قبل أن آراك.. تطابقت الصورة التي في احلامي وطموحاتي من الصغر قبل أن آراك بسنوات طوال مع صورتك من لحظة لقائي بك..
مر أمام عينيه شريط يتدفق بحلو الذكريات مع زوجته الحسناء التي تحتل عرش الجمال متفوقة علي كل النساء اللائي يتواجدن معها في مكان واحد.. كان يلقي بصدره فوق صدرها.. ويجهش بالبكاء.. ويفضفض لها عما يجول في خاطره.. لكنه خشي أن يوقظها.. أو يفزعها حديثه وتخميناته فتصاب هي الاخري بالقلق والأرق والتوتر وزواجهما لم يمض عليه اكثر من اسابيع .. ثم كيف يبدو أمامها بهذا الضعف؟ وربما تخطيء تخميناته.. وينكشف استدعاء الوزير عن مفاجأة سارة.. ترقيه مثلا.. لماذا يفترض السيء, وليس له ما يبرره.. الآن علي الأقل؟.. واخيرا نجح في أن يقتنص بعض النوم.. بعد أن فرغت علبة سجائره..
في الصباح تظاهر أمام زوجته الفاتنة بأنه مرهق من كثرة العمل.. تناولا إفطار يسمونه.. لقمة وقبلة.. ودعته وهي تطبع قبلة علي جبينه.. وأخري علي خده الأيمن.. وثالثة علي الأيسر.. وودعها هو بقبلة طويلة كادت تنسيه الموعد "الخطير" مع معالي الوزير..
الساعة العاشرة صباحا..
اللمبة الحمراء مضاءة خارج مكتب الوزير بعد لحظات من دخول المسئول الشاب.. الحديث يبدو ساخنا.. نبرات الوزير حاسمة.. وقسمات وجه الشاب ذابلة.. اللحظات تمر ثقيلة.. الوزير يتحدث ثم يقرأ نتائج حديثة علي وجه مرؤسه الذي كان يعتز به بين كل مرؤسيه.. لذكائه المتقد.. وآرائه الصائبة.. وكفاءاته النادرة فيما يوكل اليه من اعمال.. الوزراء يعتزون دائما بما يجدون فيهم شبابهم.. حتي يثبت العكس.. لذا كان الوزير ودودا عطوفا فهو يذكر مرؤسه الشاب بمقومات النجاح الذي وصل اليه.. والشهرة التي حققها والاحترام الذي يحظي به من كل أفراد المجتمع.. لكن الود لم يعد باقيا علي الاطلاق في باقي كلمات الوزير.. خاصة عندما قال لمرؤسه الشاب ساخرا:
انا لا أعترض علي شخص السيدة التي تزوجتها.. لكني أعترض علي مهنتها.. كيف لرجل يتمتع مثلك بهذا المقام الرفيع أن يتزوج من راقصة.. هل سيحترمك الناس وينصاعون اليك دون أن تكون في أنفسهم غضاضة منك؟!.. زملاؤك.. هل فكرت في الإحباط الذي سيصيبهم أمام الناس بهذا الخبر؟!. ثم أين عقلك.. لو فكرت ثمة لحظة ستدرك أن منصبك والراقصة لا يجتمعان أبدا.. حتي لو قامت القيامة!
كان مطلوبا من المسئول الشاب.. صاحب المقام الرفيع.. أن يحدد موقفه فورا. وضعه الوزير في موقف لا يحسد عليه.. الدقائق الباقية ستحدد ملامح مستقبله بوضوح.. كلمة من الوزير أو كلمة منه.. ستكون أخطر قرارات عمره.. لقد طلب منه الوزير أن يحدد ويختار.. أن يطلق زوجته فورا وعفا الله عما سلف, أو أن يبقي زوجته في عصمته ويقدم استقالته. أو يحتفظ بزوجته ويرفض تقديم الاستقالة فتنهي الوزارة المشكلة بقرار رفده!
هرش المسئول الشاب في شعر صدره.. بحركة عصبية.. ثم نظر الي الوزير.. وقال بهدوء.. "لقد اخترت الآن احد الحلول المطروحة.. ابتسم الوزير وهو يهمس لمرؤسه الشاب:
كنت واثقا أن عقلك لن يغيب طويلا..
ورفع صاحب المقام الرفيع ثم قال لمعالي الوزير وهو يبتلع ريقه:
لا سعادتك.. أقصد أنني اخترت زوجتي..
سأله الوزير في حدة:
تفضل زوجتك عن مهنتك؟
همس الشاب في ثقة:
لأني أحبها أكثر.. أكثر من اي شيء في الدنيا..
وفي نفس الجلسة تقرر فصل رئيس النيابة .. الشاب اللامع الذي حقق مجدا وشهرة لفت اليه الانظار..!! ولم تنشر الصحف خبر قبول استقالة المسئول الشاب من وظيفته.. لأن الخبر كان سيفضح تفاصيل قصة حب ملتهب.. تري الصحف دائما أن الابتعاد عنها كلما اقترنت او مست احدي الشخصيات الاجتماعية من شاغلي المهن شبه المقدسة.. يكون دائما من الأحوط والأصوب.. ومن باب.. "أبعد عن الشر وغني له"!.
في الطريق الي منزله كانت الدنيا تدور برأسه..
أفكار كثيرة تلاحقه.. هواجس وظنون تطارده.. هل كانت الصفقة رابحة؟؟ لا.. ليست صفقة.. انها قضية حب ومستقبل.. ووظيفته ستجعله يكسب احترام المجتمع والناس الي آخر يوم في عمره.. لكنه سيخسر حبه وحبيبته وزوجته ايضا.. وظائف أخري كثيرة يستطيع أن يلتحق بها بعد استقالته تعوضه عن احترام الناس.. لكنه لن يجد امرأة واحدة في العالم تعوضه عن حبيبته الراقصة اذا ما خسرها ليكسب وظيفته.. ثم أن وظيفته ليست أكثر لمعانا من عرش بريطانيا الذي ركله دوق وندسور من اجل حبيبته "سمبستون".. اذن قرار الاستقالة نابع من عقله وعواطفه معا.. كان لابد من اتخاذه.. وليس هناك ما يشير الي انه سيندم عليه يوما ما.. لكن.. هل سيقتنع أبوه وأقاربه ومعارفه بهذا المنطق؟!.. هل سيجد انسانا واحدا من هؤلاء يتعاطف معه.. ويؤيد تضحيته.. لا أحد في الكون يستطيع أن يحدد سعادة انسان آخر غير هذا الانسان نفسه.. لماذا اذن كل تلك الحيرة القاتلة؟؟.
انتهي الطريق.. ولم تنته هواجسه وظنونه.. صعد الي شقته ومازال عقله شاردا.. وقلبه نابضا..
أحست زوجته أن حبيبها مهموم.. زائغ النظرات.. مرتجف الاطراف.. يخفي شيئا ما خلف ابتسامة ذابلة.. وملامح عجزت أن تطرد من فوقها كل احزان الدنيا.. أما هو.. فقد نجح ألا ينهار أمامها.. لكنه فشل في أن يبدو طبيعيا كعادته حينما يلتقي بها.. استحلفته بحبها أن يصارحها بما يكتمه بين ضلوعه.. كانت المرة الأولي التي تستحلفه بهذا القسم الغالي منذ أن تزوجا.. قال لها في نبرات مختلفة:
الوزير استدعاني اليوم.. خيرني بأن أقدم استقالتي أو .......
لم يستطع أن يكمل الجملة.. وقفت الكلمة بين حنجرته ولسانه عاجزة أن تتقدم.. أما هي فقد ابتلعت ريقها.. وتمالكت أعصابها وجلست الي أقرب مقعد الي جواره.. ثم همست له في نبرات مختنقة وفي صيغة استفهامية كانت تتوقعها:
أو تطلقني؟!
أطرق برأسه الي الأرض خجلا.. وهي تكرر الجملة.. وتزداد اقترابا منه بمقعدها.. حتي أحست ان الكلمات لا تطاوعه للنطق بها فأمسكت كف يده في حنانها المعهود.. وأطبقت عليه براحتي يدها في عطف بالغ.. ثم همست له:
** صدقني يا ".........." لن يغضبني الا ان تفقد شيئا تحبه وأنا أعرف كم تحب وظيفتك.. لا أريد أن أكون سببا في أن تخسر حبك لهذه الوظيفة المرموقة التي لا يليق أن يكون لاصحابها زوجات من الراقصات.. لأن الناس ينكرون علي الراقصات دائما أن لهن "قلبا"..
اقترب هو منها.. طبع قبلة علي جبينها.. أحست من شفتيه أن جسده محموم.. وأنه يقاوم رعشة تسري في جسمه كله.. دمعت عيناها.. لكنه عاجلها قائلا:
لقد حسمت المسأله يا حبيبتي.. قدمت استقالتي.. ليس عندي حب أكبر من حبك.. أنني أحب وظيفتي.. وأحب الناس.. وأحب نفسي.. نعم.. وأحب ايضا النجاح والشهرة والمجد.. نعم.. لكنك أنت الحب الأكبر.. وقد اخترتك..
ضمته الي صدرها.. الكلمات تخرج من فمها في حماس.. كأنها تلقي بيانا هاما.. وعدته بأن تشتري له شقة تمليك في المساء.. يفتحها مكتبا استشاريا أنيقا.. ستغير له أيضا سيارته بأخري احدث موديل واغلي سعرا.. مكتبه الفخم واسمه الكبير وعلاقاته وعلاقاتها لن تجعله يلاحق علي زبائنه.. دخله الشهري من هذا المكتب الاستشاري أكثر بكثير من دخله طوال عشر سنوات في منصبه بالوزارة.. "لم تنته من وعودها الا حينما قاطعها بقبلة طويلة سبقتها جملة قصيرة.. من كلمة واحدة:
بحبك..
لم ترد علي جملته القصيرة, بل أكملت كل حديثها ولخصت كل مشاعرها وهي تتجاوب معه في قبلته الدافئة الطويلة.. وكأنها كانت.. قبلة مبايعة وتأييد!!
ونفذت الزوجة الحسناء وعودها.. بل أضافت عليها.. تفننت في كل السبل التي تجعل من حياته جنة.. تفوقت علي نفسها كامرأة.. نجحت في ان تجعله يشعروهي بين يديه بأنه شمشون الجبار.. ونابليون بونابرت.. وهتلر.. وموسوليني.. ومونتجمري.. كل هؤلاء في شخص واحد.. هو نفسه.
داعبها ذات يوم قائلا:
اليوم أشعر أنني أكثر سعادة من الوزير الذي فصلني!!
سمعتها منه وهي تكاد تقفز من الفرحة.. لا شيء في الدنيا يسعد المرأة أكثر من أن تري حبيبها سعيدا بها.. قالت له وهي تطوقه بذراعيها وتجذبه الي صدرها.. كمن تخبئه من الدنيا كلها..
لو أردت عيني الاثنين.. فخذهما..
ابتسم وهو يتأمل وجهها الساحر كمن يراه لأول مرة.. وهمس لها قائلا:
ليست لي اي أطماع في الدنيا.. أنا اليوم أسعد من كل رجال الدنيا الذين لا يملكون زوجة في جمالك او شبابك !!
ابتسمت وقد أرضتها كلماته.. والمرأة حينما تحب فكل ما ينطق به حبيبها حقائق لا تقبل الجدل.. خاصة حينما يتحدث عن فتنتها وانوثتها !
عاشا أجمل وأقصر سنوات العمر.. لم يكمل العام الخامس علي الزواج الذي تحول الي أسطورة.. حتي كانت الخلافات قد وصلت الي طريق واحد.. الطريق مسدود.. لم تعد تحرص علي إرضائه.. أو تخشي من غضبه.. أو يهمها راحة أعصابه.. هو الآ خر.. لم يعد طويل البال معها كما عودها.. لا يهمه أن تنفلت كلمة جارحة من لسانه.. بل أصبحت كل كلماته تصيبها في مقتل.. ضاقت المسافات الزمنية بعد مشاجراتهما المستمرة.. بعد أن كانت الخلافات شهرية.. أصبحت أسبوعية.. ثم يومية.. ثم أكثر من مرة في اليوم الواحد.. وكل معركة أشد عنفا وشراسة من التي قبلها .. أصبحت المقاعد تطير في الهواء.... الشتائم لم تعد في حدود الأدب.. والشلوت دخل كسلاح جديد في سبل الضرب والعض في معاركهما المستمرة داخل عش الزوجية الذي هجره الحب والهدوء.. وأشياء أخري كثيرة..
في آخر جلسة اتفاق بعد انفصالهما من غير طلاق رسمي.. عرضت عليه أن توقع له شيكا بأي مبلغ يطلبه.. ويطلقها.. عندئذ فقط.. أدرك أن الحياة بينهما صارت مستحيلة.. لابد أن تكون لشائعات الناس التي لم يصدقها جانب من الحقيقة.. أنها تحب انسانا آخر.. رجلا آخر سوف يضحي بكل شيء من اجلها كما فعل.. انه يعرف زوجته أكثر من اي رجل آخر.. ستصر علي الزواج من حبيبها الجديد.. وتتحدي العالم كله من أجله... لو طلب منها كل ثروتها مقابل أن يطلقها لوافقت علي الفور.. تأكد انه فقد كل رصيده في عواطفها فجأة.. وانه الآن قد خسرها.. كما خسر المقام الرفيع من قبل وكما سيخسر حبيبها الجديد وظيفته هو الآخر من بعده.. طلقها في نفس المجلس.. ألقي عليها اليمين.. وأرسل لها ورقة الطلاق في اسرع وقت.. وأقرب عنوان تقيم فيه, وقرر أن يهب كل عمره الباقي متفرغا لمستقبله في مكتبه الاستشاري الذي نال حظا وافرا من النجاح والشهرة..
لم يكن ما سمعه صاحب المقام الرفيع "سابقا" مجرد اشاعات كما يظن.. كانت هي الحقيقة الدامغة نفسها.. ففي آخر أيام العدة.. وبينما قلبه مازال ينبض بحب يأبي أن يموت في عروقه.. جاء من يخبره بأن زفاف مطلقته علي زوجها الجديد غدًا.. وكاد يفقده صوابه.. حينما علم أن الزوج الجديد يعمل زبالا في محافظة القاهرة بمرتب شهري 28 جنيها.. وأن هذا الزبال هو "طبال" فرقة الراقصة في حفلاتها ليلا.. وكاد يختنق حينما أخبره محدثه أيضا أن الزوج الزبال اشترط عليها الا يترك مهنته في المحافظة.. لأن الحياة غير مضمونة.. ولو مات فجأة فان معاشه سينتفع به أولاده من زوجته الأولي لانه لا يوجد قانون بصرف معاشات لابناء "الطبالين" عكس ابناء الزبالين..
لم يصدق الذين نقلوا اليه الخبر.. ظنهم يمزحون معه أو.. يشمتون فيه.. أو يهدفون لإثارة اعصابه ليفشل في بناء مستقبله الجديد.. حتي جاء الدليل الدامغ وهو يقرأ جريدته المفضلة صباح السبت.. لم تجد الصحف اية غضاضة في أن تنشر الخبر المثير هذه المرة.. بل وفي صفحتها الأولي.. وداخل برواز واضح.. حيث كتب الزميل الاستاذ محمود صلاح رئيس قسم الحوادث بأخبار اليوم وقتها.. مانشيت مثيرا يقول فيه:
" زواج راقصة معروفة من زبال!!"..
ألقي صاحب المقام الرفيع "سابقا" الصحيفة من يده في غضب.. وهو يحسد الزبال زوج مطلقته الحسناء "حاليا" علي ذكائه!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.