أرسلت لي سيدة أعمال عربية فاضلة فرحة رابطًا لخبر بجريدة مصرية كبيرة وموثوقة؛ تلفت نظري لأحد الأخبار المهمة من وجهة نظرها عن الإيقاع برئيس مجلس إدارة نادي النوايا الحسنة، المعروف بمانح لقب سفير النوايا الحسنة للمشاهير من نجوم المجتمع، وحسب إعلان الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة فإن الرجل وزوجته انتحلا صفات رسمية في منظمة الأممالمتحدة، وقاموا بالنصب علي المشاهير عن طريق إيهامهم بقدرتهما علي تنصيبهم كسفراء نوايا حسنة ومنحهم جوازات سفر وبطاقات هوية دبلوماسية منسوبة للمنظمة تتيح لهم السفر لجميع الدول بدون تأشيرة نظير الحصول علي مبالغ مالية طائلة. وأتذكر الدروس الأولي التي تعلمناها في الصحافة والإعلام في فن المقابلة الناجحة ، والذي يبدأ بالتعرف علي الضيف تعريفًا كاملًا بالقراءة عنه ومعرفة كل ما يمكن عنه، ومن هذا اللقب الذي يحمله، وضرورة التأكد من هذا اللقب، فلا يمكن مثًلا أن يسبق بلقب دكتور إلا الأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات والحاصلين علي الدكتوراة من أحدي الجامعات الرسمية سواء حكومية أو خاصة، ولا يمكن أن نقول السفير إلا لسفراء الخارجية وسفراء الدول ، ولا المهندس إلا لخريجي الهندسة وهكذا. ولعل هذه القاعدة التي كان يشدد عليها أساتذتنا، وغرسوها فينا، هي ماجعلتني شديد الحساسية حيال الألقاب، ولا أخجل من السؤال عن اللقب والتخصص الدقيق، وقد ابتلينا في السنوات الأخيرة بمن يحملون الألقاب الفخمة مثل : (السفير، والدكتور)، وهم محدودو الثقافة والموهبة الذين يدقون أبواب الصحف والإذاعات والقنوات طمعًا في الانتشار، ومن السهل أن تكتشفهم بمجرد بدء حوار معهم. وقد تحول الأمر ل " سبوبة" كبيرة، بعد أن عاد هوس الناس بالألقاب الذي انتهي بنهاية الملكية في مصر، وقضاء ثورة يوليو علي الألقاب أمثال: ( الباشا ، البيه) التي كان يدفع فيها الناس الآلاف من الجنيهات، شراء للوجاهة الاجتماعية، كما رأينا في مسلسل ليالي الحلمية، وكيف تحول العمدة سليمان غانم( صلاح السعدني) إلي (سليمان باشا غانم)، في رحلة صراعه مع سليم باشا البدري (يحيي الفخراني). وانتشرت أكشاك العديد من المنظمات غير الشرعية التي تستغل اسم هيئة الأممالمتحدة؛ بالإدعاء بالانتماء لها، أو بعضويتها للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأممالمتحدة، بل وصلت الجرأة لاستخدام اسم هيئة الأممالمتحدة صريحًا، والغريب كما في الحالة التي نذكرها أن مؤسسي هذه المنظمات الوهمية نصابون وهاربون من العديد من الأحكام القضائية، وهؤلاء درجوا على إقامة الحفلات الكبرى في الفنادق الضخمة من فئة الخمس نجوم التي يدعى إليها كبار المسئولين ونجوم الفن والمجتمع والرياضة، وقد فطن هؤلاء النصابون إلى منح الألقاب للأمراء والأميرات ونجوم الصف الأول في الفن والطرب، الذين أصبحوا أسرع وأكبر دعاية لترويج سلعتهم، وإقناع الضحايا بالفيديوهات والصور والأخبار التي باتت تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة، بعد أن توجهوا أيضًا لكسب ود مشاهير مقدمي برامج التوك شو ورؤساء تحرير الصحف والمجلات الكبرى بمنحهم هذه الألقاب. ودشن هؤلاء صفحات التواصل التي تروج لهم، وأطلقوا السماسرة التابعين لهم ليطاردوا الإخوة والأخوات من الأشقاء العرب في المؤتمرات الكبرى، وإغرائهم بالحصول على الألقاب البراقة. وذهب البعض لإقامة هذه الحفلات التي يتم من خلالها منح الألقاب بالعواصم العربية، وصاحب الحالة التي تم القبض عليها أخيرًا، افتتح فرعًا له في دبي، وأقام عدة حفلات، حضرها كبار الساسة ورجال وسيدات الأعمال ونجوم الفن والمجتمع في الخليج، وأغدق عليهم الألقاب مقابل الملايين من الدولارات التي تضخ في جيبه، إلى أن تم اكتشاف زيفه، وطرد من دبي شر طردة. وقد روى لي بعض الأصدقاء والصديقات من دول عربية شقيقة الذين اتصلوا بي فرحين أن لقب السفير الذي يمنح عادة مقترنا بلقب ( الدكتوراة الفخرية) يتراوح سعره من 4 ألاف إلى 40 ألف دولار ، أو يزيد حسب الشخص وقدرته المادية، وهؤلاء معروف عنهم دراسة الحالات المستهدفة جيدًا، ويعرفون أين يرمون شباكهم، ويمتلكون وسائل إقناع متنوعة، معتمدة على جوازات سفر مزورة وكروت شخصية تحمل هويات ومناصب براقة، إضافة إلى الفيديوهات والصور للحفلات التي يحضرها المسئولون والنجوم، ويساندهم ظهور إعلامي قوي، بعد أن نجحوا في اختراق جميع القنوات كبيرها وصغيرها ، بعد أن منحوا الألقاب لكبار ومشاهير مقدمي برامج التوك شو في مصر. وحسنًا فعلت "هيئة الأممالمتحدة" بإصدارها بيانًا توضيحيًا يجلي الأمر ويضع الأمور في نصابها، وبينت أنها الجهة الوحيدة المخول لها منح الألقاب، وأن هناك فارقًا بين سفراء النوايا الحسنة وبين »رسل السلام«، إذ أن «رسل السلام» يعينون بشكل أساس عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، بينما يتم تعيين «سفراء النوايا الحسنة»، من قبل رؤساء صناديق هيئة الأممالمتحدة، وبرامجها، ووكالاتها المتخصصة، مثل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، و منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف)، وبرنامج الأغذية العالمي (ألفاو )، ومفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، ثم يصدق الأمين العام للأمم المتحدة على هذا التعيين. ووفق البيان فإن اختيار سفراء النوايا الحسنة ورسل السلام يكون من بين الأشخاص الذين لديهم القدرة والالتزام بمخاطبة جمهور عالمي، وهذا ما يتوفر في الشخصيات البارزة في مجالاتها من أدب، وفن، ورياضة، وعلوم، وغيرها من المجالات المختلفة، الذين وافقوا على الإسهام في نشر جهود الأممالمتحدة، وبرامجها، وصناديقها المختلفة التي تخدم مليارات البشر في كل بقاع الأرض. ويتاح لسفراء النوايا الحسنة، العديد من الأنشطة منها : إلقاء الكلمات الرئيسة في اجتماعات "هيئة الأممالمتحدة" رفيعة المستوى، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك» و«تويتر» في الترويج لحملة ما، بجانب زيارتهم لأنشطة "هيئة الأممالمتحدة" المختلفة، ما يساعد على انتشار تلك الأنشطة، وتداولها عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمشارك