الجميع تفائل خيرا بالهبة الأمنية التي صاحبت افتتاح المسرح القومي بالعتبة بعد تجديده وانفاق 120 مليون جنيه اعادته للحياة وازالة آثار الحريق الذي لحق به، فالسيد رئيس الوزراء سيفتتح المسرح بنفسه في حضور وزير الثقافة، فكان لابد أن تتحرك كل اجهزة محافظة القاهرة لإزالة الباعة الجائلين الذين فرضوا طوقا وحصارا محكما علي مجمع مسارح العتبة الذي يضم »المسرح القومي - مسرح القاهرة للعرائس - مسرح الطليعة» وتنظيف الشوارع وطلاء الارصفة وتشجيرها بزرع مؤقت، وطلاء اعمدة الانارة، وطلاء جزء من حوائط موقف وجراج العتبة، مجرد »شوهات» لحظية لزوم الزيارة والافتتاح، وبعدها سوف تختفي احواض الزرع، وسيبقي في محيط المكان عدد من رجال الشرطة وبعدها تعود ريما لعادتها القديمة.. هذا ما قلناه في هذه الصفحة عند افتتاح المسرح القومي بالعتبة في هذا المكان، وتحدينا فيما كتبناه ان يستمر هذا الوضع النظيف الراقي المتحضر لحرم مجمع مسارح العتبة لأكثر من اربع او خمس شهور تعود بعدها المنطقة للحالة المزرية التي كانت عليها، تعود للعشوائية السابقة التي سيفرضها الباعة الجائلون مرة اخري علي المنطقة تحت سمع وبصر رجال شرطة المرافق بحي الموسكي، ورئيس حي الموسكي، ومحافظ القاهرة نفسه، وما ذكرناه وقتها تحقق كما قلنا، وعلي من يخالفنا الرأي من السادة كبار المسئولين بمحافظة القاهرة ووزارة الداخلية ووزارة الثقافة ان »يخطف رجله» لمجمع مسارح العتبة بعد غروب الشمس ليري بام عينيه عجب العجب، فعلي سور المسرح القومي الحديدي الذي طلبت الحماية المدنية عمله لتحقيق الامان للمسرح علق الباعة بضاعتهم من الملابس الحريمي والشنط وملابس الاطفال واسفل الرصيف افترش الباعة الارض بدهن التمساح، والمحافظ الجلدية، وطاولات الاحذية، وطاولات شرائط الكاسيت والسيديهات، وطاولات الساعات الرخيصة، وطاولات للألعاب النارية، والمكيرفونات التي تنعق بعبارة »كل حاجه بتلاته ونص والتلاته بعشرة» وسيضطر الباعة إلي تسجيل جديد لتغيير بعد ارتفاع قيمة الدولار وهبوط سعر الجنيه وفرض الضرائب الجمركية الجديدة علي السلع المستورة ! امام بوابة المسرح القومي سيجد الزائر في طريقه عربات »الفشار»، وغزل البنات، وركية النار التي يصطف عليها الذرة المشوي، وعربات لبيع عصائر البرتقال والسوبيا والتمر هندي، وبطول السور الحديدي المحاذي لسور المسرح القومي الذي منعت السيارات من الوقوف بجواره تأمينا للمسرح وخشية ان تكون هناك سيارة مفخخة فوضع المرور حرما للمسرح بعدم الانتظار، ولكن عاد انتظار السيارات مرة اخري وعاد المنادي الذي يفرض الاتاوة التي يحددها مقابل انتظار سيارتك، واذ لم تدفع او تعترض ستجد زجاج سيارتك مهشما عندما تعود والعجلات الاربعة علي الارض خالية من الهواء ! منطقة مجمع المسارح عادت تحكمها من جديد حكومة سرية في الشارع، لا علاقة لها بالحكومة الشرعية التي نعرفها، وكل هذا يحدث علي بعد امتار من قسم شرطة الموسكي، ومن رجال الشرطة الذين يرتدون ملابسهم الرسمية، والذين يترتدون ملابس مدنية، علامات ممنوع الوقوف تسد عين الشمس، ومع ذلك فوقوف السيارات عاد يحاصر مجمع المسارح بالعتبة بلا ضابط او خوف او خشية. أما المشهد امام مسرح القاهرة للعرائس وحول مسرح الطليعة فهو اكثر بؤسا، لقد سدت طاولات الباعة الجائلين وميكرفوناتهم المزعجة كل منافذ الدخول والخروج لمسرح القاهرة للعرائس ومسرح الطليعة ايضا واصبح دخول سيارات الممثلين ومرتادي مسرح الطليعة لساحة المسرح عنلية معقدة لحين تحريك تلك الطاولات وعودتها مرة اخري، وصول العائلات باطفالهم لمسرح العرائس اصبح من رابع المستحيلات، لقد اختفي باب المسارح بفعل طاولات الباعة المتراصة واصبح الدخول لمسرح العرائس عن طريق مسرح الطليعة المجاور له برغم المشاق التي يعانيها مرتادو المسرح لفتح منافذ سير بين هؤلاء الباعة الذين عادوا بقوة ولا ندري من يحميهم، أو من يتقاضي منهم مقابل هذا المشهد المزري اللاحضاري، وكم الاشتباكات التي تحدث بين الجمهور وهؤلاء الباعة المتبجحين الذين يشتبكون لفظيا وبدنيا مع من يتعرض لهم أو يطلب منهم افساح الطريق حتي يظهر باب الدخول للمسرح امام من يترددون عليه، العروض التي يتم تقديمها في مسرح الطليعة تعاني من تلك البلطجة واغلب من يشاهدها هم اقارب ومعارف واصدقاء نجوم وصناع العرض، والمغامرون الذين يناضلون من اجل مشاهدة تلك العروض رغم الفوضي والعشوائية والبلطجة التي تخنق المسرح وابوابه واسواره من كل اتجاه. هل تحركت وزارة الثقافة لوضع ملف مجمع مسارح العتبة امام مجلس الوزراء ومطالبة وزير الداخلية رسميا بايجاد حل دائم لعشوائية تلك المنطقة وامبراطورية الباعة الجائلين التي لا تنتهي وتتفشي كما السرطان، لقد ثبت من افتتاح المسرح القومي ان شرطة المرافق عندما تريد ان تكون المنطقة نظيفة وخالية من الباعة الجائلين فهي تفعل، وقادرة علي الفعل، وعندما تعود المنطقة لوجهها المزري يصبح لدينا مائة علامة استفهام ومائة علامة تعجب من حي الموسكي وشرطة مرافق الداخلية، ياسادة لقد انفقت الدولة 120 مليونا من الجنيهات علي المسرح القومي وعندما يحاصر بهذا الشكل المزري تكون هذه الملايين قد انفقت في الارض، لقد ابلغني الفنان القدير يوسف اسماعيل مدير عام المسرح القومي انه ارسل اكثر من مذكرة وطلب للحي والمحافظة وشرطة المرافق مصحوبة بالصور الدالة علي الحالة المزرية المحيطة بالمسرح والاخطار التي اصبحت تهدد سلامته، ولا من مجيب او فعل او تحرك واقعي لتغيير هذا الوضع.. وها نحن نخاطب رئيس الوزراء ووزير الثقافة ووزير الداخلية ومحافظ القاهرة وكافة من يعنيه الامر إنقاذ ما يمكن انقاذه وتحديد حرم لمجمع مسارح العتبة لا يتم اختراقه من الباعة الجائلين!