قرية تحمل نسمات هوائها سيرة الأنبياء العطرة والفراعنة العظام، يقولون إنها تحمل بقايا ذرات التراب التي شهدت علي قدوم سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء إليها وزواجه بالسيدة هاجر التي أنجبت سيدنا اسماعيل »أبو العرب»، كما حضر إليها سيدنا يعقوب وأولاده لتكون شاهدة علي تحقيق رؤياه بتولي سيدنا يوسف علي عرش مصر، ويروون قصصا علي ان السيدة آسيا امرأة فرعون قد عاشت بها، إنها قرية ميت رهينة وهي » واحدة من القري التابعة لمركز البدرشين في محافظة الجيزة»، فهي »منف» عاصمة مصر القديمة التي وحد بها الملك مينا القطرين عام 3200 قبل الميلاد، واكتشف فيها تمثالا لرمسيس الثاني، وظلت تلعب دورًا استراتيجيًا سياسيًا واقتصاديًا منذ الأسرة الأولي وحتي الثامنة، ومن أطلق عليها اسمها الحالي هم العرب عندما دخلوا إلي مصر، ويبعد موقعها عن أهرام الجيزة حوالي 17.5 كم، وتلتصق بها قرية العزيزية. ذهبنا إلي ميت رهينة وكان المشهد كما رأيناه عجيبا..أكوام من القمامة، أطفال مهملون، وأمهات جالسة علي الأرض تغسل الصحون، مواشي وأغنام نافقة، وأخري تتجول بجانب بعض الملابس المبتلة منشورة علي الحبال في أرض تبدو للوهلة الأولي أنها صحراء، خالية من أي لافتة أو سلك شائك أو علامة ترشدك علي أن هذا المكان هو أرض أثرية، وأن هناك بعثة روسية تقوم بالتنقيب عن الآثار في المكان، فلن تصدق بالطبع بعد هذا المشهد أن هذا جزء من قرية تحكي سيرة الأنبياء، وأن هذا هو »تل العزيز» الذي يعرفه أهالي قرية »ميت رهينة» الأثرية، علي أنه قصر نبي الله يوسف عليه السلام. في البداية كنا في طريقنا إلي قرية »ميت رهينة» وجدنا مجموعة من الأطفال، يلعبون علي تلة ويعبثون بالأحجار الأثرية يخدشونها ويكتبون عليها ويقفزون فوقها، الأحجار بيضاء اللون وبعضها طينية، تبدو أنها كانت جزءًا من قصر جميل منذ قرون، وبعضها مرسوم عليه نقوش فرعونية تكاد تختفي من كثرة الخدوش والتكسير بها، يفاجئنا وحيد محروس، أحد الأهالي ويشير لنا ببساطة إلي أن تلك التلة أثرية وأن امرأة العزيز وعزيز مصر عاشا بها، وأن علي قمتها كان سيدنا يوسف يخزن عليها الغلال، وسميت بالعزيزية نسبة إلي عزيز مصر. اللافت للنظر وجود حُفر كبيرة وسط الرمال وكأن هناك من يحفر باستمرار للتفتيش عن الآثار، وأن المكان لا يحيط به ما يردع أي لص اذا اراد الدخول والحفر والتنقيب، حتي إن المكتب الذي يتبع مباحث الآثار يقع في موقع ناء لا يسمح بالمراقبة الجيدة، كما لا توجد كاميرات للمراقبة، رغم أن آثار المنطقة يتم نهبها منذ ثورة يناير 2011، وكان آخرها مقبرة ميت رهينة التي سرقت بالكامل ما عدا تمثال واحد بلغ وزنه أربعة أطنان، فيما يقول مصطفي محمد، أحد شباب القرية، إن الأهالي استولوا علي قطع من الأراضي بوضع اليد وأحالوها إلي مقاهٍ وكافتيريات وأن الكثير منهم يقومون بالتنقيب عن الآثار بل يعتمد عدد كبير منهم علي تلك الوظيفة حتي أسفل البيوت وليس في التل فقط، وأن الكثير من الحوادث في القرية نتيجة لذلك لأنها تمتلئ بالآثار وتمتد من سجن يوسف الذي يبتعد عن القصر بمسافة كيلو متر وحتي منطقة هرم سقارة في ممر كبير يحتاج إلي الكثير من الجهد لاستخراج الآثار وحمايتها، وهو الأمر الذي يؤكده لنا مصدر مسئول بمباحث السياحة والآثار بميت رهينة، فالمكان علي حد قوله متسع للغاية وبه مداخل ومخارج واسعة ويصعب السيطرة عليه. يأتي ذلك فيما يوضح د. سيد حسن، خبير الآثار ورئيس المتحف المصري السابق، أن هذه التلة تحتوي علي الكثير من الآثار المصرية منذ العصر الفرعوني مرورا باليوناني والروماني، ويوضح أن المصريين يتشبثون بكل ما يشتق اسمه من أشياء تدل علي وجود آثار للأنبياء، ففي أيام الدولة الفاطمية، كانوا يتباركون بهذا المكان ويروجون إلي أن فيه قبر ابن سيدنا يوسف وهو ما لم تثبت حقيقته، ويلفت إلي ان الموقع لقصر من أيام الإغريق أي بعد وجود نبي الله يوسف بقرون. ومن جانبه يؤكد د. زاهي حواس، عالم الآثار المخضرم ووزيرها الأسبق، أن هذا المكان هو مدينة منف الأثرية ويحتوي علي الكثير من الآثار لكنه لم يثبت أنه قصر يوسف، وان الأهالي هم من أطلقوا عليه هذا بسبب اسم العزيزية، وهو طريق كبير ممتد من قرية ميت رهينة وحتي منطقة سقارة يحوي الكثير من الآثار التي يلزم التنقيب عنها واستخراجها، مؤكدًا أن هناك العديد من الأماكن في جميع محافظات مصر يطلقون عليها قصر يوسف منها في الفيوم والشرقية والجيزة وليس له صحة علي الاطلاق.