مشكلات سوق النشر والكتاب تكاد لا تنتهي، ومعها لا تتوقف مطالبات الناشرين للدولة بدعمهم عبر تخفيض الضرائب والجمارك علي المواد والخامات الداخلة في صناعة الكتاب، وعدم التعامل معه كما يتم التعامل مع السلع الاستهلاكية. وكما نعرف جميعاً، لا أحد يهتم، والجميع تقريباً يخرج القارئ من المعادلة، كأنه غير موجود أو غير متضرر. غير أن الوضع الآن يختلف جذرياً عمّا سبق، فنحن هنا لا نتكلم عن عقبات يمكن التعايش معها أو التحايل عليها. فمع تعويم الجنيه المصري والارتفاع الهستيري في سعر الدولار، بات قطاع النشر المصري مهدداً بالاندثار، أو في أفضل الأحوال بالتدهور والتراجع بدرجة غير مسبوقة في تاريخه: دور نشر عديدة قلصت خطة النشر لديها إلي نصف العدد المحدد سلفاً، مطابع ألغت صفقات متفقاً عليها وفضلت دفع الشرط الجزائي بدلاً من خسارة هائلة إذا طبعت وفق الأسعار الحالية ما تم التعاقد عليه وفقاً لسعر أقل للدولار. تضاعفت أسعار مواد الطباعة من ورق وأحبار، الخ. أصحاب المكتبات والعاملون بها، قلت الحركة في مكتباتهم، وأصبح مشهداً معتاداً لديهم رؤية زبائن يفزعون حين يرون أسعار الكتب الصادرة عن دور نشر غير مصرية، ويغادرون المكتبة دون شراء ما أتوا من أجله. ارتفاع سعر الدولار كما رفع أسعار خامات الطباعة واستيراد الكتب من الخارج، سيرفع أيضاً أسعار شحن الكتب المصرية للمشاركة في المعارض العربية، وسيقلل من عدد الدور المصرية القادرة علي الاشتراك في هذه المعارض، أي أن الكتاب المصري سيُحاصَر داخل مصر. كما أن معرض القاهرة الدولي للكتاب سيتراجع كثيراً، إذا لم تتدخل الدولة لإنقاذه وإنقاذ قطاع النشر كله. التراجع لن يكون سببه ارتفاع أسعار أجنحة العرض فقط، بل علي المدي القصير لا الطويل ستتقلص قاعدة المقروئية في مصر، وبالتالي لن تمثل المشاركة في معرض القاهرة إغراءً للناشرين العرب والأجانب في ظل تراجع المقروئية والبيع الفردي، خاصة أنه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية سيتقلص عدد الهيئات والجامعات والمكتبات التي كانت تنتظر المعرض لشراء احتياجاتها بالمثل. يري البعض أن الأزمة الحالية قد يكون لها جانب إيجابي متمثل في زيادة انتقائية دور النشر بحيث لا تنشر سوي الجيد، لكن من يضمن أن هذه "الانتقائية" لن تنحاز للأعلي مبيعاً والمضمون بيعه بدلاً من الانحياز للجودة الفنية؟! الحلول المقترحة كثيرة منها: هيكلة النشر الحكومي (عن نفسي مللت من كثرة الكتابة عن هذا)، إنشاء المزيد من المكتبات العامة، وتطوير مكتبات المدارس ودفعها لاقتناء عناوين مصرية حديثة، الاهتمام بالنشر الإلكتروني بحيث يوفر كتباً إلكترونية بأسعار معقولة، إذ ليس من المعقول مطالبة القراءة بمقاطعة الكتب الإلكترونية المقرصنة، في وقت تتضاعف فيه أسعار الكتب ويوشك النشر الورقي علي الإنهيار دون تقديم بدائل عملية قادرة علي المنافسة. لكن كل هذا، لن يحدث طالما ظلت الدولة تتعامل مع الكتب والثقافة تعاملها مع السلع الاستهلاكية، والدليل الأبرز علي أنها تستهين بالثقافة هو الحالة التي وصلت إليها صناعة الكتاب. م. ع