قد يغريني ويغري كثيرين مثلي بمختلف وسائل الإعلام الاستشهاد بحديث نبوي شريف في قضية من قضايانا السياسية والاقتصادية لمجرد أن هذا الحديث ورد في كتاب شهير لمؤلف أشهر، بغض النظر عن أن هذا الكتاب أو ذاك ليس من كتب الحديث النبوي الشريف التي تهتم بتخريج الحديث، وتبين مدي صحته، وتميز بين الحديث الحسن والضعيف، والاستشهاد في هذه الحالة يوقعنا في المحظور، وهو الاستدلال بحديث ضعيف وعدم الانتباه للضوابط التي وضعها علماء مصطلح الحديث وعلماء أصول الفقه للاستشهاد بالحديث الضعيف الذي لا يؤخذ به إلا في فضائل الأعمال. الأخطر أثرا في هذا الاستدلال والاستشهاد العشوائي أنه قد يمتد إلي الأحاديث الموضوعة التي تجرأ واضعوها وكذبوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في عصور الفتن انتصارا للتحزب والتوجهات السياسية والعصبيات القبلية، وحسن النية في الاستشهاد في هذه الحالة لا يعفي من المسئولية الشرعية والمجتمعية، لأن مثل هذه الأحاديث تحدث بلبلة وتخلط المفاهيم وتشيع الفرقة والانشقاق وتنشر الفتن في مجتمعاتنا التي لم تعد تتحمل مزيدا من مظاهر الجهل والتعصب والجنوح للفتاوي المضللة. الأكثر وأشد خطورة من هذا وذاك علي النشء والشباب هو جرأة البعض علي تأويل الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية بغير ما تحتمل معانيها ومضامينها ، وانتزاع الآيات والأحاديث من سياقها، ليفتوا بغير علم انتصارا لمعاركهم الكلامية علي السوشيال ميديا وابتغاء الفتنة وابتغاء تأويل الوحي المنزل من عند الله سبحانه وتعالي، والعبث بكلام المعصوم صلي الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوي كما وصفه المولي عز وجل : » وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحي يوحي، علمه شديد القوي» دفعني لكتابة هذا المقال أستاذنا الكاتب الصحفي الكبير محمد درويش مدير تحرير جريدة الأخبار عندما اطلعني علي حالة صارخة من حالات العشوائية وعدم الاتقان في الاستدلال والاستشهاد بالأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة، وللأسف كانت علي أحد المواقع الشهيرة، واستشعارا للمسئولية الشرعية والمجتمعية أنصح نفسي وزملائي بالرجوع إلي الكتب المتخصصة في علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف قبل الإقدام علي الاستدلال والاستشهاد بهما في قضية من قضايانا المعاصرة. في ظل أنظمة تعليمية ضعيفة صار أبناؤنا في حاجة ماسة للتحصين بالثقافة الإسلامية أكثر من أي وقت مضي كي لا يصبحوا ضحايا المفاهيم المشوشة والأفكار المغلوطة والفتاوي المضللة التي يتم تداولها علي مختلف وسائل الاتصال ليل نهار.