بعد تصديق الرئيس السيسي على رعاية حقوق المسنين.. ما المميزات الخاصة لهم بالقانون؟    شعبة الذهب تكشف مزايا الكاش باك ومخاطر السوق الموازي على المستهلك    في مستهل مشاركاتها باجتماعات الربيع بواشنطن.. المشاط تلتقي قيادات هيئة التعاون الدولي اليابانية جايكا    عاجل| سهم "ماكرو جروب" أداء مالي سيء خلال 2023..الشركة تتحول من الربحية للخسارة وتراجع المبيعات 28%    أسيوط: إزالة 10 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بنطاق 4 مراكز    بعد توقعات بصراع مباشر.. ما هو تاريخ الهجمات الإسرائيلية الغامضة داخل الأراضي الإيرانية؟    حرق وقتل.. أشهر 3 عصابات مستوطنين مارست الإرهاب ضد الفلسطينيين    إنريكي: سنضغط على برشلونة من الدقيقة الأولى لتحقيق الفوز    مباراة مصالحة الجماهير.. الأهلي يغادر للكونغو الأربعاء استعدادًا لمواجهة مازيمبي    نور الدين: راضٍ عن أدائي في القمة.. والحكم لا يجد مدافع عنه    الأرصاد تُحذر من حالة طقس غدا الأربعاء (فيديو)    تأجيل معارضة الفنانة نسرين طافش على تأييد حبسها 3 سنوات    محافظ كفرالشيخ: تحرير 9 محاضر تموينية بقلين    فيديو.. تاج الدين: حريصون على رفع مستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية    الصحة تطلق البرنامج الإلكتروني المحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    فيديو.. الصحة: لو لم تكن متمتعا بالتأمين فمن حقك العلاج على نفقة الدولة    برنامج مباشر من مصر يستضيف حفيد عالم المصريات سليم حسن في ذكراه    طلب عاجل من الكهرباء في حال زيادة مدة قطع التيار عن 120 دقيقة    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    تخطت ال 17 ألف جنيه، مصروفات المدارس المصرية اليابانية بالعام الجديد    استعدوا لتغيير الساعة.. بدء التوقيت الصيفي في مصر خلال أيام    المراكز التكنولوجية تستقبل طلبات التصالح من المواطنين 5 مايو المقبل    جوميز يمنح لاعبى الزمالك راحة من التدريبات اليوم بعد الفوز على الأهلى    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    وزيرا الإسكان والبيئة يبحثان الاستغلال الأمثل لموارد مدينة سانت كاترين    ننشر جدول امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادات في بورسعيد    الخشت يشارك باجتماع التعاون بين الجامعات المصرية وساكسونيا الألمانية    أمطار غزيرة تضرب دولة خليجية وبيان عاجل لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمين ب"داعش قنا"    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    فيلم شقو يتصدر الإيرادات بتحقيق 41 مليون جنيه في 6 أيام    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    التعليم تخاطب المديريات لتنفيذ المراجعات النهائية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية    «الرعاية الصحية» تضع خطة طموحة للارتقاء بقطاع الصيدلة وإدارة الدواء في 2024    مستشار الرئيس: نهدف إلى حصول كل مواطن على الرعاية الصحية الكاملة    "مدبوحة في الحمام".. جريمة قتل بشعة بالعمرانية    تهديد شديد اللهجة من الرئيس الإيراني للجميع    الرئيس الصيني يستقبل المستشار الألماني في بكين.. زيارة تستمر 3 أيام    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    تفاصيل حفل تامر حسني في القاهرة الجديدة    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    رئيس الوزراء العراقي يلتقي بايدن ويبحث اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    رضا البلتاجي يكشف تقييمه ل إبراهيم نور الدين في مباراة الأهلي والزمالك    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقال لكاتب هندي مسلم.. ليت الرئيس السيسي يقرأه


Did prophet Muhamed Warn of ISIS
By Kashif N. chudhry
هل حذرنا النبي محمد من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"

فى مقال بتاريخ 2 يوليو الماضى نشره الكاتب الهندى المسلم المشار إليه فى موقعه، تحت هذا العنوان كشف عن حقائق مهمة عن تنظيم داعش وأهدافه وخصائصه وأسباب تجذر الفكر المتطرف فى المجتمعات الإسلامية، وكيف تنبأ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهذه الفتنة بل إن سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وصف زعيم هذا التنظيم وصفا دقيقا، ومسئولية علماء الدين عن تغلغل مرضى التطرف فى جسد المجتمعات الإسلامية، وفى البداية سنعرض ترجمة نص المقال، ثم سنعلق عليه.
يقول الكاتب ما نصه:
قام إرهابيو تنظيم الدولة الإسلامية فى الأسبوع الماضى بهجمات منفصلة تسببت فى مقتل 39 سائحًا فى منتجع ساحلى فى تونس، ومقتل 30 شيعيًا كانوا يصلون فى أحد مساجد الشيعة بالكويت، وقد تم تنفيذ هذين الهجومين الوحشيين بعد فترة وجيزة من إصدار داعش أوامره لميليشياته الجهادية بتوسيع عملياتها فى شهر رمضان. وقد أثبت داعش عزمه وإصراره على قتل أى شخص يجرؤ على الاختلاف معه. وينعكس ذلك فى قيام أعضاء التنظيم بذبح الكثير من اليزيديين والمسيحيين، بل إن الأغلبية العظمى من ضحايا هذا التنظيم كانوا من المسلمين الذين يقاومونهم ويرفضون الاعتراف بسلطتهم ونفوذهم، حتى أنهم أعدموا شيوخا سنيين رفضوا الولاء لهم ومبايعة زعيمهم خليفة على المسلمين، وكذا إعدام النساء المسلمات اللائى رفضن الانصياع لمعتقداتهم وتعليماتهم، وسمة القتل هذه يشارك فيها كل الجماعات الإرهابية التى تعمل تحت اسم الإسلام، فعلى سبيل المثال.. فإن الأغلبية العظمى من الضحايا كانوا من طالبان، وهم أيضا مسلمون، كما أن مئات من المسلمين الشيعة قتلوا أيضا فى السنوات القليلة الماضية، ولقد فقدت شخصيًا كثيرًا من أصدقائى المقربين فى هجمات مماثلة ضد المسلمين الأحمديين فى باكستان وإندونيسيا وبنجلاديش وأفغانستان، وحتى فى أمريكا. وعندما يصر بعض النقاد المناهضين للإسلام على ربط إيماننا كمسلمين بأعمال الإرهابيين المنتسبين للإسلام، وسبب معاناة المسلمين، فإنهم بهذا الإصرار يكونون متبلدى المشاعر غير حريصين علي الحقيقة.
وأنا لا أختلف على أن جزءًا من دوافع التطرف الدينى ترجع جذورها إلى التأويل الخاطئ، وتحريف معانى آيات القرآن بواسطة المتطرفين الراديكاليين، وعلى أى حال فإنه ليس من الأمانة أن نطلق على كل المسلمين بأنهم غير مؤمنين ومسلمين بالاسم فقط.
إن دراسة نزيهة للقرآن تظهر أن جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية داعش تعمل بطريقة مخالفة تماما للشريعة الإسلامية.. فالقرآن على سبيل المثال يقول إن من قتل نفسا واحدة بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا، كما يعتبر القرآن أن إثارة الفتنة والفوضى فى الأرض من أبشع الجرائم.. حيث يحثنا القرآن على السلام والعدل ومراعاة حقوق الإنسان كما يعلى القرآن من قيم مراعاة الضمير، وعدم الاعتداء على المرتدين والكفرة.
وتكشف لنا دراسة عن سنة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن حضرته حذرنا من ظهور التطرف الدينى فى هذا العصر بل وبكل وضوح وتفاصيل مذهلة، فمنذ 1400 عام تنبأ حضرته بأنه «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى» - «مصابيح المشكاة» - ثم يضيف حضرته بما معناه أنه فى هذه السنوات الأخيرة سيفقد الإسلام جوهره الحقيقى، وسيقتصر الدين فى معظم ممارساته على ظاهر العبادات فقط، كما تنبأ لنا حضرته أيضا أن السبب فى ذلك يرجع إلى فساد رجال الدين وأنهم سيكونون مصدر الشقاق خلال هذه الأيام، وهو ما يكشف عنه ويؤكده باقى الحديث الشريف فى قول حضرته مبينا سبب هذه الكارثة «علماؤهم شر مَن تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود».
أليست هذه حقيقة الشيوخ المتطرفين فى أنحاء من العالم الإسلامى الذين يسيئون لاستخدام منابر الوعظ والإرشاد ليثيروا الانقسامات والكراهية بين المسلمين؟
كما تطرق سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الحديث عن الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وأنها ستحاول اختطاف إيمان المسلمين، وأنه فى هذا الزمن الذى ستسوده الفتن، سيظهر مجموعة صغار السن يتسمون بالسفاهة والحماقة، وسيتحدثون بكلمات جميلة ولكنهم يرتكبون أبشع الجرائم وإن كانوا سيكثرون من الصلاة والصيام بما يفوق عبادة المسلم العادى، كما سيدعون الناس إلى القرآن ولكنهم فى الحقيقة لا يطبقون شيئا من تعاليمه وأن القرآن لن يتعدى حناجرهم، وبما يعنى أنهم لن يفهموا جوهره أبدا، مرددين آيات منتقاه يحرفون معانيها بما يخدم أهدافهم ويبرر ممارساتهم الدموية.
ونص هذا الحديث الشريف: «يخرج فيكم حْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ولَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، وفى رواية أخرى «تَنْظُرُ فِى النَّصْلِ ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَنْظُرُ فِى الْقَدَحِ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَتَنْظُرُ فِى الرِّيشِ، فَلا تَرَى شَيْئًا، وَيُتَمَارَى فِى الْفُوقَةِ»، ولذلك وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الناس بأنهم «أسوأ الخلق».
ولدينا تراث آخر يزيد حديث سيدنا رسول الله إيضاحا، أخبرنا به الخليفة الرابع لحضرته سيدنا على بن أبى طالب، رضى الله عنه، وذلك فى كتابة «كتاب الفتن» وصف فيه سيدنا على هؤلاء بأن شعورهم طويلة ويحملون أعلاما سوداء وأن قلوبهم صلبة مثل الحديد، ويريدون ان يكونوا «أصحاب الدولة» ومن المثير للاهتمام أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش ISIS يهتمون بأن يشيروا إلى تنظيمهم بأنه «الدولة الإسلامية»، كما يشير «كتاب الفتن» أيضا إلى أن هولاء الناس خونة يخرقون عهودهم، وكاذبون لا يتكلمون بالحقيقة، ويطلقون على أنفسهم أسماء تشير إلى بلدانهم كما هو الحال مع الخليفة الداعشى أبوبكر البغدادى، وقد وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو غاضب ومتألم هؤلاء بأنهم أشرار، وحث المسلمين علي أن يكونوا على حذر من شرورهم، والتصدى لهؤلاء الإرهابيين ومحاربتهم وذلك فى قول حضرته «من لقيهم فليقتلهم فإن لقتلهم أجر عند الله».
فكروا مليا فى هذه النقطة الحساسة، فعندما يقتل داعش الأبرياء باسم الإسلام ويزعم بأنه يتبع القرآن، أو يستغل شهر رمضان المبارك لنشر الفوضى فى العالم، اعلموا جيدا أن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قد سبق أن حذرنا بوضوح من هولاء الدجالين المحتالين، وكلفنا باقتلاع جذورهم نهائيا، إن من يرفض من الناس التمعن والتفكر فى هذه النقطة، هم داعشيون مثلهم ومن المتعاطفين مع الداعشيين، والمتطرفين المعادين للإسلام والذين يريدون من العالم أن يعتقد بشرعية تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
فى نفس الوقت نرى العاقلين من المسلمين الذين يؤمنون بحكمة سيدنا رسول الله يظلوا متحدين وقوة واحدة ضد كل من ينشر الجهل والتطرف «انتهت ترجمة نص المقال».
التعليق
أولًا: الرسول وعلمه بالغيب
بداية يتعين علينا أن نعلق على عنوان المقال «هل حذرنا النبى محمد من داعش؟» وهو عنوان فى صيغة سؤال قد يحمل هواجس لدى البعض بما يحمله العنوان من سؤال آخر فى طياته عن علم الرسول بالغيب؟ باعتبار ما هو معلوم من أن الغيب فى علم الله وحده. ولرفع وإزالة مثل هذا الهاجس ينبغى أن نرجع لآيات القرآن ومنها قوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا» (الجن) حيث تؤكد هذه الآية أن الله تعالى يظهر لرسله ما يشاء من علم الغيب، بل أيضا من يرتضيه الرسول لتلبيغ رسالات ربهم كما ورد فى أحاديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الكثير عن الغيب، منها على سبيل المثال ما يشير إلى علامات الساعة، بل منها أيضا ما يحدثنا عن واقعنا الذى نحياه، وما نعيشه من فتن حذرنا حضرته منها.. منها قوله: «أري فتناً يتلو بعضها بعضا كقطع الليل البهيم» وها نحن نعيش زمن الفتن.. فلا نكاد نخرج من فتنة الإخوان المسلمين، حتى نقع فى فتنة التكفير والهجرة، ثم فتنة الجماعة الإسلامية، ومن بعدها فتنة تنظيم القاعدة، وأخيرا وليس بآخر فتنة داعش.. وغيرها من منظمات وجماعات تستحل حرمات المسلمين من أرواح ودماء وممتلكات، وما يواكب ذلك من إثارة العنف والفوضى والصراعات الدموية بين الفرق والأحزاب والجماعات من أجل الاستيلاء على السلطة والحكم، ويتنبأ حضرته أيضا بهذا الواقع فى حديثه الشريف «تفترق أمتى إلى بضع وستين - أو سبعين فرقة، كلها فى النار إلا فرقة واحدة هى ما أنا عليه وأصحابى».
ثانيًا: الرسول يحدثنا عن أئمة الضلال
كما أنبأنا رسول الله أيضا، وحذرنا من أئمة الضلال الموجودين بيننا... وذلك فى حديثه الشريف: «يكون دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها» فسأله أحد الصحابة عن وصفهم فأجاب: «هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا»، وكانت وصية حضرته لكل مسلم يعاصر هذه الفتن: فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ» وهذا بالضبط ما فعله الصحابة عندما داهمتهم فتنة الخوارج فى أرض سيدنا عثمان وسيدنا على فاعتزلوا الجميع تنفيذا لوصية حضرته.
كذلك حذرنا رسول الله من أئمة الضلال الذين سيظهرون فى مستقبل الأمة الاسلامية أمثال يوسف القرضاوى وعمر عبدالرحمن، وعبدالرحمن البر.. وغيرهم من أصحاب الفتاوى المثيرة للفتنة وتدعو لتخريب المجتمعات الإسلامية، ويخلعوا علي أنفسهم لقب «كبار العلماء»، وذلك فى حديث حضرته « أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار»، لذلك كان حقًا أن يصفهم حضرته فى الحديث المشار إليه آنفا بأنهم « شر مَن تحت أديم السماء ، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود» ولقد أثبتت الأيام والأحداث أن هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم كذبا وباطلا إلى علماء الأمة الإسلامية هم أبرز مصادر الفتن التى وقعت فيها الأمة بما يصدر على ألسنتهم من فتاوى باطلة ومدمرة ومخربة، أبعد ما تكون عن شريعة الإسلام، حيث يصدقهم أناس ممن ألغوا عقولهم فوقعوا فى أتون الفتنة، لذلك وصفهم حضرته أنهم «شر من تحت أديم السماء» أى أشر من المشركين والكافرين بل وأكثر شراً من الوحوش والثعابين والحشرات.. وكل من تحت أديم السماء من كائنات.. إلا أن هناك كثيرا من أفاضل علماء المسلمين الذين تصدوا بالعلم والفقه وبالشجاعة لهذه الفتن وأظهروا حقيقة حكم الدين فيما ينشره دعاة الفتنة من فتاوى باطلة.. أمثال الشيخ محمد عبده فى كتابة «الأعمال الكاملة» والشيخ على عبدالرازق فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم» والشيخ الدكتور طه حسين فى كتابه «فى الشعر الجاهلى»، وأيضا الشيخ محمد أبوزهرة.. وغيرهم.
ثالثا: أحاديث الرسول تتعدى الزمان والمكان
ولأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما وصف نفسه «أوتيت جوامع العلم» فإن بصر حضرته يمتد عبر القرون ولا يحده زمان ولا مكان، فنجده ينبؤنا أيضًا عن هذه الفتن ويحذرنا منها وحديثه الشريف: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا عصيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم الحجارة»، حيث يحذرنا حضرته فى هذا الحديث الشريف من السعى فى هذه الفتن وتجنب كل صور الانخراط فيها، كما ينهانا عن كل صور وأشكال الاقتتال بين المسلمين، يؤكد ذلك حديث آخر لحضرته يقول فيه «من حمل علينا السلاح فليس منا» حيث ينفى حضرته فى هذا الحديث صفة الإيمان عن كل مسلم يحمل السلاح فى وجه أخيه المسلم، وهو ما يصدق مع قول الله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» (النساء 93) وفى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها» تحذير خطير للمسلمين من استدعاء ذاكرتهم لأحداث مضت تسببت فى فتن بين المسلمين، يمكن باستعادة الحديث فيها أن تتجدد المآسى مرة أخرى، مثل الفتنة الكبرى فى عهد سيدنا على بن أبى طالب، ومقتل الإمام الحسين، ولذلك قال حضرته «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» حتى لا تتجدد الفتن مرة أخرى. ولكن للأسف خالفنا حديث حضرته، وخضنا ولا نزال حتي اليوم نخوض فى سيرة صحابة رسول الله، ونفرق بينهم.. نؤيد فريقا منهم ونعارض فريقا آخر، الأمر الذى يجدد النزاع والخلاف بين طوائف الأمة، والذى وصل إلى الصراعات المسلحة كما يحدث اليوم فى سوريا والعراق واليمن، مما أدى إلى سقوط الضحايا وإسالة الدماء وحرق وتخريب المساجد والمقامات بين الشيعة والسنة.
رابعًا: أحاديث الرسول تتطابق تماما مع آيات القرآن
وتنطبق أحاديث سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع الكثير من الآيات القرآنية التى تحذر من الوقوع فى براثن الفتنة وتنبه من خطورتها.. منها قوله تعالى: «الفتنة أشد من القتل» «البقرة 191» وحذرت أيضا من مصير مشعلى الفتنة فى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ» (البروج 10) بل إن المولى عز وجل أمرنا بقتال الساعين لإشعال الفتنة فى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه» (الأنفال 39) والأساس فى القتال - خاصة فى الظروف الحالية - يكون بالحجة وكشف زيف الدعاوى الباطلة من واقع القرآن والسنة، كما أظهرت الآيات أن خطورة الفتنة لا تقتصر فقط على المتورطين فيها، بل قد تصيب المجتمع كله وذلك فى قوله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال 25) وكذلك حذرت الآيات من أن مخالفة أوامر رسول الله يوقع المسلمين فى الفتنة، وذلك فى قوله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (النور 63) كما حثت الآيات المسلمين أيضا أن يتبينوا ويتثبتوا من كل قول أو حدث يعرض عليهم، وقد يكون القصد منه إثارة الفتنة.. منها قوله تعالى «ييَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (الحجرات 49) وهذا التطابق فى آيات القرآن وأحاديث حضرته بديهية لأن كليهما وحى من الله تعالى مصداقًا لقوله «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى».
خامسًا: داعش يرفض مقاتلة إسرائيل لأن مهمته إقامة الخلافة
ويكمن الخطر فى أن انخراط المسلمين فى التناحر والتصارح والاقتتال فيما بينهم، سيصرفهم عن التحسب لأعداء الأمة الإسلامية، بل ويخدم أهدافهم فى استنزاف قوة المسلمين عما يجب عليهم الالتفات إليه والزود عن دينهم، والدفاع عن بلادهم وحرمات المسلمين ومقدساتهم.... وأبرزها استنقاذ المسجد الأقصى من براثن اليهود المتحكمين فيه منذ 48 سنة، بل لقد بلغ الأمر أكثر من ذلك من انحياز بعض المسلمين إلى أعداء الأمة والاستقواء بهم على غيرهم من المسلمين.. وأبرز دليل على ذلك رد أحد زعماء داعش على سؤال بديهى طرحه عليه أحد الصحفيين عن سبب عدم قتالهم الإسرائيليين وانصرافهم فقط لقتال المسلمين، فكانت إجابته أن اليهود لم يقاتلوننا ولكننا نقاتل المسلمين لإقامة دولة الخلافة أولًا، وهذه هى مهمتنا الأولى.. ولا تختلف إجابة هذا الزعيم الداعشى عن إجابة شكرى مصطفى، زعيم جماعة التكفير والهجرة التى قتلت وزير الأوقاف الشيخ حسين الوهبى عام 1977 عندما سئل عن موقف جماعته إذا ما دخل اليهود مصر.. فأجاب إن قتال العدو الداخلى أولى من قتال العدو الخارجى باعتبار أن النظام الحاكم فى مصر هو عدوهم القريب، مضيفًا: سنهاجر من شاهق إلى شاهق «أى إلى الجبال والكهوف»، وعندما سئل عما سيفعل المجندون فى الجيش التابعين لجماعته أجاب «سنفسد أسلحتنا».. إلى هذا الحد وصلت كراهية هولاء المتطرفين لأوطانهم وانحيازهم لأعداء الامة، حيث لا تطمع إسرائيل منهم فى أكثر من ذلك، خاصة بعد أن فتح الإرهابيون على الجيش المصرى جبهات جديدة فى الشرق والغرب والجنوب والشمال، بل وداخل 27 محافظة كانت كلها جبهات مغلقة فى حروب الصراع العربى الإسرائيلى باستثناء سيناء وفلسطين.
سادسا: الرسول يحذرنا من الدجالين وخوارج العصر
فى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خوارج هذا العصر، والسابق الإشارة إليه.. «يخرج فيكم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام...» إلى آخر الحديث، وصف دقيق لسلوك هؤلاء الخوارج، بداية أنهم من صغار السن، أمثال كوادر جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية والقاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وغيرهم من تنظيمات جماعات خرجت كلها من عباءة الإخوان.. وعندما قال حضرته «يخرج فيكم» أى أنهم من الخوارج المتواجدين علي الدوام والاستمرار وفى كل العصور وعبر القرون. أما لماذا وصفهم حضرته بالخوارج، وذلك لأنهم خارجون عن الحق، ساعون بالباطل، مكفرون لغيرهم دون وجه حق، مكرهون غيرهم على ما يعتقدون ومستحلون للحرمات.
وإذا رجعنا إلى حديث آخر لحضرته ينبؤنا فيه عن المستقبل، يقول فيه: «يكون فى أمتى دجال ومبير»، أعد أنه سيكون هناك فى الأمة الإسلامية على الدوام والاستمرار «الدجال» الذى يتاجر بالدين ويتخذ من شعاراته البراقة -مثل عودة الخلافة والحكم بما أنزل الله وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها من كلمات حق يراد بها باطل- وسيلة لخداع وتضليل السذج من المسلمين ليوقعهم فى حبائل، وليستعين بهم فى الوصول إلى السلطة والقفز إلى الحكم والسيطرة على المسلمين بالقوة والعنف باسم الدين.
أما «المبير» فهو الحاكم الظالم، حيث يحمل هذا الحديث الشريف تحذيرا للمسلمين من الدجالين المتاجرين بالدين فى كل مكان ووقت حتى لا ينخدع بهم المسلمون، فيسيرون فى ركابهم ويقعون ضحية ما يرفعون من شعارات دينية براقة.. هى كلمات حق يراد بها باطل، والتى تجد بطبيعة الحال آذانا صاغية بين الكثير من الشباب، حيث تستميل قلوبهم وينخدعون بها، فيسقطون ضحية لهم.. بل ويشاركون فى إشعال الفتنة ويتحولون بدورهم إلى معادل هدم وتخريب فى مجتمعاتهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
سابعا: الزعم الباطل بوجود الناسخ والمنسوخ فى القرآن
وعندما عجز أئمة الضلال عن الطعن فى آيات القرآن لأن الله تعالى هو الذى تكفل بحفظه، اخترعوا فكرة شيطانية باطلة أطلقوا عليها «علم الناسخ والمنسوخ»، حيث يزعم هؤلاء ومعهم دعاة الإرهاب والتطرف أن كل الآيات التى تتعارض مع دعاويهم فى التكفير والقتل والإكراه والعنف باسم الدين منسوخة بما يسمونه آية السيف، وهى الآية الخامسة من سورة «التوبة»، ويبلغ عدد الآيات المنسوخة فى زعمهم 113 آية، ادعوا ليس فقط بوجود آيات تنسخ آيات أخرى تلاوة وحكما، وآيات أخرى تنسخ آيات تلاوة مع بقاء حكمها، ونوع ثالث ينسخ حكما مع بقائها تلاوة، بل وصل بهم الجهل والغواية إلى وجود أحاديث تنسخ آيات من القرآن، هذا رغم وجود آيات قرآنية واضحة وقاطعة على استحالة وجود ناسخ أو منسوخ فى القرآن، منها قوله تعالى: «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» «ق - 29» وقوله تعالى أيضا: «لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ» «يونس 64»، وقوله تعالى أيضا: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا» «النساء 82»، وحديث سيدنا رسول الله محذرا: «يا قوم بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم عن أنبيائهم، وضربهم الكتاب بعضه ببعض، ولكن نزل القرآن فصدق بعضه بعضا، ما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به». أى بهذا الذى تختلفون حوله من الكلام عن القضاء والقدر والجبر والاختيار، ثم الخوض فى سيرة أصحاب سيدنا رسول الله ثم الخوض فى أخبار الكواكب السماوية، ولكن القرآن نزلت آياته تصدق بعضها بعض، فلا اختلاف بينها، وأن ما علمناه من هذه الآيات علينا أن نعمل به، وما تشابه علينا فهمه فعلينا أن نؤمن به حتى يتفضل المولى عز وجل علينا ورسوله بأن نعلم المقصود منه فنعمل أيضا به، وهو ما يعنى أيضا أن ما أنزله الله تعالى من أحكام وأوامر إلهية فى كتابه الكريم لا يمكن مطلقا أن يتعرض للتبديل أو التغيير.. تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا، إذ يستهدفون من جراء ذلك تشكيك المسلمين فى كتاب الله وسنة رسوله.
ويستند مبتدعوا علم الناسخ والمنسوخ فى دعواهم الباطلة هذه إلى قوله تعالى: «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا» «البقرة 106»، فى حين أن لفظ آية قد ورد بالعديد من المعانى، بالإضافة إلى إطلاقه فى الآيات القرآنية.. ومن ذلك قوله تعالى: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ» «البقرة 248»، أى أن الآية هنا تعنى الدليل والبرهان، كما يطلق لفظ آية أيضا على العبرة والتذكرة كما قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» «يونس 92»، كذلك يطلق لفظ آية على المعجزات، من ذلك قوله تعالى «وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى» «طه 22»، ويطلق أيضا لفظ «آية» على الرسل ذاتهم باعتبارهم آيات الله ومعجزاته الكبرى فى الوجود، مثل قوله تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: «وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ» «مريم 21»، لذلك لا يمكن أن يقتصر لفظ «آية» فقط على آيات القرآن، وأن معنى كلمة آية فى الآية القرآنية التى يستند عليها هؤلاء «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، إنما تبين أن كل ما يفعله الله تعالى من نسخ لمعجزاته فى الوجود أو تأجيل لها إنما هو خير من الله لعباده، لأنه الأعلم بهم وما يصلح لهدايتهم، وهو على كل شىء قدير.
ولقد لجأ أصحاب مؤلفات الناسخ والمنسوخ فى تحديدهم لما أسموه بالآيات الناسخة والآيات المنسوخة إلى الآراء الشخصية لكل منهم.. من ذلك أبو جعفر النحاس فى كتابه «الناسخ والمنسوخ»، أن عدد الآيات المنسوخة 252 آية، فى حين يرى مؤلف كتاب «بصائر ذوى التمييز» أن الآيات المنسوخة 204 آيات، أما أبو القاسم هبة الله ابن سلامة فى كتاب «الناسخ والمنسوخ»، فقد رأى أن عدد الآيات المنسوخة فقط 63، وينخفض فى كتاب «الإتقان فى علوم القرآن» لجلال الدين السيوطى بعدد الآيات المنسوخة إلى 22 فقط، ويتفق مع هذا الرقم كتاب «مناهل العرفان» للدكتور الزرقانى، أما د. سعاد جلال فى بحث لإثبات النسخ على منكريه فى مجلة «المنار» مايو 1976، فى أن هناك أربع آيات فقط اعتبرها منسوخة.
وعلى النقيض من كل هؤلاء، نجد عددا من العلماء المحدثين استنكروا بشدة ما يقال عن علم الناسخ والمنسوخ، وأن رواياته الباطلة والمدسوسة تستهدف تشكيك المسلم فى دينه، منهم الشيخ محمد محمود ندا، مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف، الذى أكد فى كتابه «النسخ فى القرآن بين المؤيدين والمعارضين» أن كافة مزاعم الناسخ والمنسوخ باطلة، وأنها لا تستهدف سوى التشكيك فى الحفظ الإلهى للقرآن، وفى الرسول والصحابة، كما أنكر الشيخ محمد أبوزهرة فى كتابه «زهرة التفاسير» بأنه لا نسخ فى القرآن لأن شريعة الله تعالى باقية إلى يوم القيامة، كذلك استنكر الشيخ محمد الغزالى فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» الروايات التى تدعى بوجود نسخ لآيات القرآن ووصفها بأنها تعرض الدين كله للريبة والاتهام، فى كتابه «نظرات فى القرآن»، نجده يقول: «أن أمر القرآن أجل وأعز من أن تقبل فيه أخبار تزعم أن هناك آيات أنزلت ثم محيت من الأذهان محوا، أى نسخت بألفاظها ومعانيها».
ثامنا: خطورة عدم التأويل الصحيح للمتشابه من آيات القرآن
يقول الله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ» «آل عمران 7»، توضح هذه الآية أن الله تعالى أنزل القرآن على قلوب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قسمين: القسم الأول وهى آيات محكمات تتحدث عن أمور العقيدة والعبادات والمعاملات، وعددها 330 آية، ولا تحتمل الخروج عن مرمى ألفاظها فى المعانى التي تشتملها، ولهذا اقتصرت جهود أئمة الفقه الأربعة مالك وابن حنبل والشافعى وأبى حنيفة على شرح هذه الآيات وتركوا ما سوى ذلك من الآيات، ولعل كتاب الإمام الشافعى «الأم» يشير إلى تفسير هذه الآيات، باعتبارها «أم الكتاب»، أما القسم الثانى، فهو الآيات المتشابهة، وهى باقى آيات القرآن، وتشمل القصص القرآنى والأمثال والأخبار الإلهية، وعددها 895 آية، إذا اعتبرنا أن عدد آيات القرآن كلها 6225 آية، تزيد أو تنقص قليلا على آراء مختلفة، وإزاء هذه الحقيقة ينبغى أن تدرك أهمية قضية تأويل القرآن، وخطر تجاهل حقيقة وحتمية تأويل الآيات المتشابهات، وهو ما نص عليه المولى عز وجل نصا صريحا فى الآية المشار إليها آنفا.
ولأن الله تعالى اختص «الراسخون فى العلم» فقط بعلم تأويل المتشابه من آيات القرآن، ولذلك وصفهم بالرسوخ فى العلم، فإنه لا يحق لغيرهم التصدى لهذه الآيات بالتفسير أو بالتأويل من عندياتهم، لأنهم فى هذه الحالة سيخرجون بالآيات عن معاناها الحقيقى، وقصد الهداية منها، وهذا بالضبط ما فعله أئمة الفكر المتطرف الذين اعتمدوا فى نشر أفكارهم المثيرة للفتن والصراعات على عدم إدراك بعض المسلمين لحقيقة حتمية تأويل التشابه من آيات القرآن، فقاموا بترويج شعارات تعتمد على الفهم الخاطئ لهذه الآيات منها:
1- تأويلهم للفظ «القتال»، بأن المقصود به هو سفك الدماء وإزهاق الأرواح حتى يتخذون من ذلك مبررا للدعوة إلى استباحة القتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح لكل من يحكمون بتكفيرهم، وإذا رجعنا لآيات القرآن، فسندرك أن لفظ القتل فى تأويل الكثيرين للآيات يأتى بمعان عديدة أخرى بالإضافة إلى معنى القتال المادى، من ذلك -مثلا- تأويل بعض الآيات بمعنى قتل الشهوات والأهواء ومجاهدة النفس.. مثل قوله تعالى: «وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ» «محمد 4-6»، وبتدبر هذه الآية ندرك أنها لا تتحدث من قريب أو بعيد عن القتل فى ساحة الحرب، وإنما تتحدث عن مجاهدة النفس وقتل ما فيها من أهواء وشهوات، وتبشرهم بالهداية فى الدنيا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: «سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ»، بما يظهر أن هؤلاء الذين تتحدث عنهم الآيات أحياء وما زالوا يعيشون، لأنه من البداية أن الهداية لابد وأن تكون فى الدنيا وليس فى الآخرة، لأن الآخرة دار جزاء لا عمل، يؤكد هذا المعنى أيضا عبارة «وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ»، فمن البديهى أيضا أن صلاح البال والطمأنينة والسكينة هى أوصاف ينعم بها المؤمن فى حياته، وهولاء الذين جاهدوا أنفسهم وقتلوا فيها شهواتهم، يبشرهم الله بجنة القرب الإلهى فى الدنيا وحسن الثواب فيها قبل انتقالهم إلى جنة الجزاء فى الآخرة.. من ذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ» «فصلت 30».
كما تتحدث الكثير من الآيات التى ورد فيها لفظ القتال عن قتال دعوة الباطل ومحاربة أكاذيبه ومفترياته، ومن هذه الآيات قوله تعالى: «وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ» «التوبة - 12»، حيث تدعو الآية أئمة الإيمان فى الأمة إلى مقاتلة أئمة الكفر بالحجة والبرهان، فهو صراع فكرى يتصدى فيه أصحاب دعوة الحق بالحجة والبرهان الساطعان، ليقتلوا بها دعوات الباطل، وهو ما لا علاقة به بالقتال المادى، الذى يحاول أئمة الفكر المتطرف الترويج له، ويتأكد ذلك أيضا من قوله تعالى فى نهاية الآية: «لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُون»، وهو ما يعنى أن هذا القتال لا يستهدف القتل المادي وإسالة دماء أئمة الكفر، وإنما مواجهة دعوة الباطل التى يقودونها حتى ينتهوا من إثارة الفتنة، ويتوقفوا عن نشر دعوتهم الباطلة، ولقد كان هذا هو مقال رسل الله الكرام مع أئمة الكفر فى أقوامهم، كما حدث مع سيدنا إبراهيم مع الذى حاجه فى ربه، فأقام حضرته الحجة عليه حتى بهت الذى كفر، «وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ» «الأنعام 82».
2- وإذا تناولنا تأويل لفظ «الهجرة»، حيث انتشر بين الجماعات المتطرفة مفهوم خاطئ لمعنى الهجرة فى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ» «النساء 97»، حيث تعتبر الجماعات المتطرفة أن هذه الآية تأمر بهجرة الأرض وترك الأهل والديار، فى حين أن التأويل الصحيح للفظ «الهجرة» فى هذه الآية تعنى هجرة النفس والهوى والشيطان إلى الحق تعالى وليس هجرة المكان إلى مكان آخر، يتأكد هذا المعنى فى آية قوله تعالى: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، وتتضح خطورة الانصراف عن قاعدة التأويل فى هذا المثال فيما حدث من الفتن التى ترتبت على عدم إدراك التأويل الصحيح للهجرة، فما أكثر الأسر التى تعرضت للتفكك والضياع نتيجة هجرة عائلها وأبنائها ممن سقطوا ضحية المفهوم الخاطئ للهجرة، فتركوا الأهل والبيت وذهبوا إلى كهوف الجبال أو فى بلاد أخرى، فاستباح الأعداء أرضهم وديارهم وحرماتهم بعد أن تركها أبناؤها دون دفاع عنها.
ومن كتب التراث التى يستند إليها المتطرفرون والإرهابيون فى هجرة الأرض والأهل والديار.. كتاب «زاد المسلم فيما اتفق عليه البخارى ومسلم»، حيث يقول فى «ص 98»: «وجوب الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام مع ترك المسلم لأبويه وأولاده»، وكتاب «تفسير الطبرى» الجزء الثانى «ص 1919»، حيث يستفيض فى شرح أحكام هجرة المكان.
وكذلك كتاب «أحكام القرآن» لأبى بكر العربى الذى بدعو فى «ص 469» إلى نفس المفهوم عن الهجرة، يشاركه فى هذا الرأى كتاب «التفسير الواضح» لمحمد محمد جازى «ص 94»، الجزء الخامس، هذا بالإضافة لكتب تراث أخرى تدعو إلى هجرة الأرض والديار بعد تكفير الناس فيها.
3- تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار إسلام
حيث نهج المتطرفون إلى تقسيم البلاد الإسلامية إلى قسمين على أساس تطبيق الشريعة من عدمه، فقد استحل سيد قطب فى كتابه «فى ظلال القرآن» «ص 874»: «وحرمات المسلمين داخل دار الحرب»، كذلك ابن تيمية الذى يكثر من تكفير وقتل المسلمين مثل «الفتاوى الكبرى» و«السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية»، والتى يصل فيها ابن تيمية إلى قمة تطرقه، حين يدعو إلى قتل المسلم الذى يجهر بالنية فى صلاته بدعوى أنه بذلك يشوش على من حوله!!
«المجلد الأول ص1» يروج لأحاديث مدسوسة تدعو ألى الأمية وتحريم العلم «المجلد الأول ص 165»، كذلك كتاب «نحو الدستور الإسلامى» «ص 96» لمؤلفه أبو الإيمان المودودى الذى يروج لحديث مدسوس، يقولك «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» بمعنى أن من يصر علي ارتكاب المحرمات دون أن يكون له وازع من القرآن، أن يتم فرض الوازع عليه بالسيف والنار، وهو ما يتعارض مع بديهيات الإسلام التى تنهى عن الإكراه فى الدين، وقوله تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»، ومن ثم، فإن من لم يزعه القرآن فلا وازع له، ناهيك عما جاء فى كتب سيد قطب والمودودى التى تدعو إلى الانقلاب على الحكومات القائمة بالقوة المسلحة باسم الدين، بدعوى إقامة الحكومة الإسلامية، مثل حكومة الملالى فى إيران، ومن الكتب التى تروج لذلك أيضا «الحكومة الإسلامية» للمرجع الشيعى آية الله الخومينى.. حيث يقول عنه حسن حنفى فى مقدمة الكتاب: «يتصف منهج الإمام الثورى بأنه منهج انقلابى، ذلك إن تغيير المجتمعات الإسلامية يمكن فقط بعد قلب أنظمة الحكم فى الدول العربية والإسلامية الراهنة وتغيير السلطة فيها، فالثورة الإسلامية واحدة تبدأ فى إيران ولن تتوقف، وهى تأتى على النظم الإسلامية كلها»، وفى نفس الكتاب «من ص 145 إلى ص 150»، يتحدث الخومينى عن الوسائل التى يجب اتباعها لتدمير الحكومات القائمة وتحين الفرصة للاستيلاء على السلطة فيها.
تاسعا: الرسول يضع أساس الكشف عن الأحاديث الموضوعة
أدرك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم البصيرة الإلهية التى منحه الله تعالى إياها.. على حكم قوله تعالى: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى» بأن من أسباب الفتن التى ستعصف بالأمة الإسلامية فى مستقبل أيامها ما سيعتمد عليه مثيرو هذه الفتن من أحاديث موضوعة تنسب زورا وبهتانا لسيدنا رسول الله، وبما يخدم أهدافهم. لذلك وضع حضرته ميزان الحكم بين الحديث الصحيح. والحديث الزائف والموضوع عند ذلك وحديثه الشريف: «إنكم ستختلفون من بعدى فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو منى وما خالفه فليس لمنى» وهذا الحديث بديهى لأن كل من آيات القرآن وأحاديث رسول الله والأحاديث القدسية، كلها من عند الله أنزلها على قلب حضرته فلا يمكن أن يكون بينهم خلاف، وإذا وجد خلاف أو تضارب بين آيات القرآن وأحاديث حضرته فلا بد أن تكون هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة، لأن آيات القرآن لا يمكن أن يأتيها الباطل من أمامها، ولا من خلفها، لأن المولى عز وجل تكفل بحفظ القرآن من أى دنس أو تحريف مصداقا لقوله تعالى: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» كما أن أحاديث الرسول تبين ما أنزله الله تعالى فى القرآن وتفصيل لما أجمل فيه، مصداقا لقوله تعالى: «أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم» «النحل 44» ولقد أكد الكثيرون من العلماء القدامى والمحدثين حقيقة استحالة وجود تعارض أو تناقض بين آيات القرآن والأحاديث الصحيحة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. من ذلك كتاب «مقدمة علوم الحديث» لعمرو بن الصلاح، قال: «من علامات الحديث الموضوع مخالفته للقرآن»، كذلك قال الشيخ محمد عبده فى تفسير المنار الجزء الثالث ص 117، والشيخ محمد محمد أبوشهية فى كتابه «فى رحاب السنة» ص 38، والشيخ محمد الغزالى فى كتابه «تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل، ص 151 ود. محمد حسنين هيكل فى كتابه «حياة محمد» ص 67 والتى قال فيها إن خير مقياس يقاس به الحديث.. وتقاس به سائر الأنباء التى ذكرت عن النبى، روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قالك «إنكم ستختلفون من بعدى فما جاءكم عنى فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو منى وما خالفه فليس لمنى» وهذا مقياس دقيق أخذ به أئمة المسلمين منذ العصور الأولى، وما زال المفكرون يأخذون به إلى يومنا الحاضر واستشهد هيكل بابن خلدون فى قوله إننى لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول لعالم صحابى يخالف ظاهر القرآن وإن وثقوا رجاله.. فرب راو يوثق للاغترار بظاهر حاله وهو سيئ الباطن، ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض» وهذا الذى ذكره المحققون من علماء المسلمين، يتفق تماما مع قواعد النقد العلمى الحديث أدق إتقان. وقد أشاد شيخ الأزهر آنذاك الشيخ مصطفى المراغى بهذا الكتاب وأثنى عليه.
ولذلك نجد جميع المنظمات المتطرفة والإرهابية تستند فقط فى ترويج أفكارها وأهدافها وممارساتها إلى مجموعة من الأحاديث الموضوعة التى تخدم مخططاتهم، بل ويسعون إلى لىّ معانى آيات القرآن بما يخدم هذه المخططات، بل وتتجنب تماما الإشارة إلى آيات القرآن العديدة التى تتحدث عن عدم وجود إكراه فى الدين، وحرمانية قتال المسلم لأخيه المسلم، والتى تحذر أيضا من الوقوع فى براثن الفتنة ومقاتلة الذين يشعلون نيرانها حتى صرنا نعيش فعلا واقع آية قوله تعالى: «وقال الرسول يارب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجورا» «الفرقان3».
خلاصة القول:
يتضح مما سبق أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المولى عز وجل يكشف له الغيب ليحدثنا ويحذرنا مما سيقع من فتن، وكيف يمكن أن نواجهها، ونطفئ نيرانها أو نتجنبها أصلا، وليس بخاف على أحد من المسلمين أن سيدنا رسول الله فى رحلة العروج إلى سماوات القرب الإلهى قد تخطى مكانة ومقام سيدنا جبريل عليه السلام، وارتقى فيما هو غير معلوم لسيدنا جبريل حتى تشرف بالمثول أمام حضرة القدس الإلهى «فأوحى إلى عبده ما أوحى» فهل بعد هذا التشريف الإلهى يمكن القول بأن حضرته لا يعلم الغيب، وحتى أن المولى عز وجل هو غيب الغيب؟ حقيقة إن ما دون المولى عز وجل من علم أو غيب لا يمكن أن يتسعصى على سيدنا رسول الله، وهو القائل فى حديثه الشريف «أنا مدينة العلم وعلى بابها»، لذلك عندما تحدث سيدنا على رضى الله عنه عن أحداث المستقبل سواء فى كتابه «كتاب الفتن» أو «نهج البلاغة» أو «الجفر» كان يتحدث بما تعلمه من سيدنا رسول الله «مدينة العلم».
ولأن ما يجوز فى حق رسول يجوز أيضا فى حق باقى رسل الله، فقد كشف الله الغيب أيضا لجميع رسله الكرام. من ذلك ما كشفه الله تعالى لسيدنا نوح عن أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن وأن عليه أن يصنع الفلك لينجو منها حضرته والمؤمنون به عندما تحل النقمة الإلهية بالغرق على الكافرين والمعرضين من قومه، كما كشف الله الغيب لسيدنا إبراهيم عندما أخبره الملكان بالنقمة الإلهية التى ستحيق بقوم سيدنا لوط.. كذلك كشف الله الغيب لسيدنا موسى عندما كلمه فى الميقات عن الفتنة التى حلت بقومه علي أيدى السامرى. وأيضا كشف الله الغيب لسيدنا يعقوب عندما أخبره بالمحنة التى سيتعرض لها سيدنا يوسف على أيدى إخوته، لذلك قال لهم حضرته عندما انكشفت المحنة «ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون» «يوسف 96» كما أطلع المولى عز وجل سيدنا يوسف على المحنة التى ستمر بها مصر عندما تنخفض مياه النيل ويحل الجفاف ويقل الزرع، وأخبره كيف يتخطى بمصر هذه المحنة. وهكذا كان الأمر مع جميع رسل الله فى إطلاعهم على الغيب بإذن من الله تعالى، لذلك لم يكن الغيب يشكل أدنى مشكلة بالنسبة لحضراتهم لما اختصهم الله تعالى بهذا الفضل.
أما سؤال كاتب المقال عما إذا كان سيدنا رسول الله قد حذرنا من داعش؟ وهو ما أوضحنا الإجابة عنه آنفا بنعم فى كل الأحاديث التى أشار فيها حضرته للفتن التى ستحيق بالأمة الإسلامية فى مستقبل الأيام، بل وحذر منها وأوضح كيفية تجنبها والنجاة منها، إلا أنه بجانب ذلك ينبغى أن نؤكد على أن العديد من آيات القرآن تشير بوضوح إلى الواقع الذى نعيشه اليوم، والذى ستيحاه الأجيال القادمة إلى ما شاء الله، وذلك على حكم قوله تعالى: «لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون» «الأنبياء - 10»، أى واقعكم يا من تقرأون القرآن اليوم، ويا من ستقرأون القرآن فى القرون القادمة ما دامت السماوات والأرض، وهذا هو معنى واقعية الدين الذى تشير إليه الآية الكريمة «إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع» «الذاريات 51»، وليس معنى «ذكركم» أى تشريفكم وهو تفسير خاطئ ورده فى كل كتب التفاسير، لأن ذكركم تعنى فى الحقيقة «واقعكم» بكل ما يحمله هذا الواقع فى كل زمن من أمور تتعلق بالدين والدنيا وما تحويه من فتن وصراعات ومشاكل، ولأن المخاطب فى جميع آيات القرآن حاضر وموجود ومكلف فعلا، فإنه يخاطبنا الآن بنفس خطاب السابقين ويحذرنا نفس تحذير السابقين ويعدنا وعد السابقين، وكيف كانت عاقبة الكافرين والمكذبين فى كل عصر، ويكفى من القرآن فى هذا التساؤل الوارد فى ختام هذه الآية بقرع أسماعنا «أفلا تعقلون» أى أفلا تعقلون يا من أوقفتم القرآن على عصر دورن عصر، ومناسبة دون أخرى، وقوم دون قوم، وحولتم القرآن بذلك إلى كتاب تاريخ لأحداث مضت وانتهى زمانها فى حين يشير القصص القرآنى إلى تكرار سيرة الأقوام السابقة وتكرار العقاب الإلهى ضد كل من لا يستجيب لدعوة الرسل.. من ذلك قوله فى شأن النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط «فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود موسمة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد» «هود - 82» أى أن نفس النقمة الإلهية التى حلت بقوم سيدنا لوط ستحل مستقبلا وعلى مدار القرون على من يسلكون نفس المعصية، يصدق ذلك مع قوله تعالى «أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها» «محمد - 10»، يؤكد أيضا هذا المعنى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «ستتبعون سنن من قبلكم، شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه».
ولقد كان كاتب المقال صادقا عندما ذكر أن أحد أسباب التطرف الدينى ترجع جذوره إلى التأويل الخاطئ وتحريف القرآن على أيدى المتطرفين ولأهمية تأويل التشابه من آيات القرآن وهى الأكثرية فيه، والتحذير من مخاطر التأويل الخاطئ لها، فقد اختص الله رسله ومن وصفهم بالراسخين فى العلم بعلم التأويل.. منهم على سبيل المثال ابن عباس الذى دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل»، ومعنى هذا الدعاء أن حضرته طلب له من الله أن يفقهه فى الدين، أى الآيات المحكمات ويعلمه التأويل أى الآيات المتشابهات، ولابد أن ابن عباس كان أيضا معلما لغيره من الصحابة ممن كانوا أهلا لهذا العلم، ولكن للاسف سلك معظم علماء الدين أسلوب التفسير متناسين عن جهل أو عمد حتمية تأويل المتشابه من آيات القرآن.
ومنهم من سلك تفسيرا باللغة والنحو والصرف والبلاغة والبديع والبيان، ومنهم من سلك تفسيرا بالترهات التاريخية والأساطير والإسرائيليات خاصة فى القصص القرآنى، وأخيرا وربما ليس بآخر من سلك تفسيرا قالوا عنه إنه التفسير العلمى، أى ربط آيات القرآن بالمستحدث من علوم الفلك والنبات والحيوان والطب وغيرها.. وهذه التفسيرات كلها خاطئة لأنه خرج عن القاعدة الإلهية التى حددها الله لفهم التشابه من آيات القرآن وهى التأويل، ومخالفة صريحة لهذا الأمر الإلهى، نتج عن ذلك تكذيب الناس لآيات الله بسبب عجزهم عن الإحاطة بالتأويل الصحيح الذى يتفق مع منطق الهداية القرآنية والعقل السليم، مصداقا لقوله تعالى «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين» «يونس 39»، ولزيادة أمر التأويل إيضاحا، فإن تعريفه هو العدول عن ظاهر اللفظ إلى حقيقة المعنى المراد، وأمثلة ذلك كثيرة فى القصص القرآنى منها ما ورد فى قصة سيدينا يوسف عن تأويل رؤيا ملك مصر «سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات» فكان تأويل حضرته «تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليل مما تأكلون، ثم يأتى من بعد ذلك عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون» «يوسف 47، 48، 49» وواضح أن تأويل سيدنا يوسف لهذه الآيات كان سببا فى إنقاذ مصر من القحط الذى كان يهددها آنذاك كذلك فى قوله تعالى عن رؤيا سيدنا يوسف التى أخبر بها أبيه سيدنا يعقوب «إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين» «يوسف 4» وتأويلها كما يقول الله تعالى: «ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا، وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى قد جعلها ربى حقا» «يوسف 100» وهكذا نرى أن تأويل الشمس والقمر هما أبوا سيدنا يوسف، وتأويل أحد عشر كوكبا هم إخوته. وهكذا جرى القرآن هذا المجرى فى كثير من الآيات المتشابهات، لذلك ولما للتأويل من أهمية فى فهم المقصود من الآيات المتشابهات.. وهى للعبرة والعظة والهداية وضع الراسخون فى العلم قواعد لعلم التأويل أبرزها وجود ثابت معلوم فى ألفاظ محددة فى الآية لا تقبل الزيادة أو النقص أو التعديل، ولكن يمكن التوسع فى إدراك المرامى البعيدة للآية، أما القاعدة الثانية التى تحكم تأويل ما تشابه من آيات القرآن.. فهى ألا ينتج عن التأويل تعارض فى فهم آيات القرآن، ذلك لأن آيات القرآن تصدق بعضها بعضا كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأخيرا لعل ما أوردناه فى السطور السابقة من أمثلة من تسلل الدس والافتراءات والروايات الباطلة والإسرائيليات إلى الكتب الدينية لم يعد يخفى على أحد.. وإذا كانت الأمة الإسلامية تعانى اليوم أشد المعاناة من فتنة الإرهاب والتطرف التى تستهدف تمزيق أوصال الأمة الإسلامية، والقضاء على جيوشها ووحدتها ومصادر قوتها وثرواتها على أيدى الجماعات المتطرفة والإرهابية التى ترفع الشعارات الدينية وتستند إلى الأحكام المدسوسة والرؤيا الباطلة.. فإن تنقية الكتب الدينية من الدس والافتراءات والإسرائيليات والروايات الباطلة تصبح فريضة على العلماء العاملين فى الأمة الإسلامية، ولقد بين المولى عز وجل أن أمة رسول الله صلى عليه عليه وسلم لا تحرم فى أى وقت من وجود المؤمنين الصادقين الذين يهبهم الله تعالى البصيرة «أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى» «يوسف 108»، وكما يقول الحديث الشريف «الخير فىّ وفى أمتى إلى يوم القيامة»، وهؤلاء المؤمنون مطالبون اليوم أكثر من أى وقت مضى بالتصدى للدس والافتراءات وتنقية الكتب الدينية منها كى تسلم عقيدة المسلمين مما دسه أعداء الإسلام طوال القرون الماضية، وحتى تحمى المزيد من الشباب المسلم من الوقوع ضحية هذه الفتن التى تتستر بالدين وترفع شعاراته، وتحمى الأمة الإسلامية فى مواجهة الفتن العاتية التى تهددها، فلا يسقط المزيد من الشباب فى آتون هذه الفتن التى تستهدفهم وقودا لها.
لقراءة مقال الكاتب الهندي اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.