يعيد الجراح المفكر د.عمرو شريف، سيرة الأطباء الأدباء العظام أمثال مصطفي محمود ويوسف إدريس، وذلك عبر مشروعه الفكري الذي يدور حول العلاقة بين العلم والفلسفة والدين ويهدف إلي تجديد الفكرين العلمي والديني، لذلك كان من الطبيعي أن يركز أكثر من كتاب للدكتور عمرو علي دحض وهم وخرافة الإلحاد. حيث يرصد في كتابه الأخير »خرافة الإلحاد» تزايد أعداد الملاحدة في بلادنا في السنوات الأخيرة حتي أنه يلتقي أسبوعيا بشاب ملحد ترسله له هذه الجهة أو تلك لمناظرته وإجابة تساؤلاته، ويشير إلي أنه علم بوجود مجموعات إلحادية في الجامعات والمدارس الإسلامية أو المسيحية حيث يوزع البعض أوراقا علي الطلبة تحمل هذه الأفكار وأيضا في مختلف تجمعات الشباب، بالإضافة إلي استحداث عشرات من المواقع الإلحادية العربية علي الإنترنت، بل وإصدار مجلات إلحادية فاخرة توزع في العالم العربي. ويقول المؤلف إن أحد أكبر المواقع العربية الإلحادية سجل أن الأسبوعين الأخيرين من شهر ديسمبر 2012، شهدا انضمام 350 شابا مصريا ملحدا جديدا للموقع. ويرجع المؤلف سبب زيادة المد الإلحادي بعد ثورات الربيع العربي إلي نجاح الشباب في تحديهم لرمز السلطة في هذه البلاد، مما شجع بعضهم علي تحدي الرمز الأكبر: الإله والدين، كما سمح جو الحرية الذي أتاحته الثورات بالبوح بهذه الأفكار. علي الجانب الآخر يشير المؤلف إلي عجز الخطاب الديني التقليدي عن مجاراة ما تموج به أوساط الملحدين من حجج علمية وفلسفية. ويعرض المؤلف في سفره الرصين لأنماط الإلحاد الشائعة من واقع محاوراته مع الملحدين. سأكتفي هنا بعرض ما سماه »الإلحاد الصبياني» فيقول: اعتدنا في الصغر عندما نتحاور مع أقراننا أن نستعرض ما قرأناه لنظهر ثقافتنا، وكثيرا ما طرح هذا السؤال: إذا كان الله قد خلق الكون فمن خلق الله؟، وبالرغم من أن السؤال قتل بحثا وحسم علي أيدي علماء الكلام المسلمين منذ ألف سنة وأيضا علي أيدي رجال اللاهوت المسيحيين، فان الملاحدة يعتبرونه الحجة المحورية لإلحادهم. وتفنيد هذه الحجة أن كل موجود حادث لابد له من موجد (سبب) وإذا تسلسلنا في الأسباب لأعلي فسنصل حتما لسبب أول وراء كل هذه الحادثات ينبغي ألا يكون له موجد، ويطلق علماء المنطق علي استحالة التسلسل إلي ما لا نهاية اصطلاح »التسلسل يمتنع» ومن ثم يصبح السؤال عن سبب السبب الأول الذي لا سبب له سؤال غبي، وإذا كنا لا نستطيع تصور موجود لا موجود له، فان هذا »الدليل العقلي المنطقي» (التسلسل يمتنع) وكذلك »الدليل العلمي» المتمثل في احتياج الكون والحياة والإنسان لمصمم ذكي »يحتمان» الإقرار العقلي بالإله كموجد أول. كما أن العلم المعاصر يقدم لنا مفاهيم لا يمكن تصورها ولكن ينبغي تعقلها إذ يؤكدها البرهان الرياضي. مثال: نظرية الكوانتم التي تخبرنا أن الجسيم تحت الذري يمكن أن يكون في أكثر من موضع في وقت واحد. هل يتوقف البهتان الآن؟.