في مواقف كثيرة تظهر فجوة واسعة بين عدد كبير من الشباب وبين بعض الكبار من المسئولين أو المثقفين والعلماء. طرحنا هذا السؤال علي الخبير والعالم وشيخ التربويين الدكتور سعيد إسماعيل علي أستاذ التربية المعروف.. لماذا حدثت هذه الفجوة.. وكيف نعيد الثقة بين بعض الصغار وبعض الكبار؟ يقول د.سعيد: لاشك أن الأزمة موجودة، ووقعت بسبب تراكم الأخطاء من الجميع، وبعضنا خاصة ولاة الأمر فينا يريحهم في بعض الأحيان تحميل الشباب المسئولية حتي يظهروا أمام الناس أنهم غير مقصرين. والحقيقة أن الجميع مقصر طبقا للقاعدة التربوية التي ذكرها الرسول في الحديث المعروف: »كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته». شرخ للجسد الواحد كأستاذ تربية.. كيف ترصد خطورة هذا الجفاء؟ - بمفهوم القرآن الكريم المؤمنون والناس كالجسد الواحد، وبالتالي فإن فقد الثقة بين الصغار وهم في موقف المتعلم وبين الكبار وهم في موقع القدوة يعني تقطيع الجسد الواحد. يعني غياب قيمة التعلم والنصح وبالتالي عدم قدرة المجتمع علي التقدم والإصلاح، ومع الأسف نلاحظ آثار هذا في الأنانية وحب الذات وعدم الرغبة في التعلم وتصديق أصدقاء السوء عن الآباء والمعلمين.. بل تعمد كسر القانون كنوع من عدم تصديق أي أحد! ليس عندنا صراع هل تعتقد فيما يقال عن صراع الأجيال؟ - ليس في الفكر الإسلامي ولا في الفكر التربوي السليم هذا الذي يسمي صراع الأجيال، الأجيال تتعاون لأن الصغار هم أبناؤنا وبناتنا وتلاميذنا، ولأن كل جيل له طاقته التي يستفيد منها المجتمع كله، ولأننا كمسلمين مطالبون بالتربية والإصلاح ونقل العلم، فمن كتم علماً مما ينفع الناس ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. كما قال صلي الله عليه وسلم لا يمكن حدوث صراع أجيال إلا إذا كان في المجتمع كله هزة وتنافس غير حميد. الطاعة ليست عمياء في محاولة نيل ثقة الشباب.. من أين تكون البداية؟! - البداية في تجاوز الكلام إلي العمل.. لا ينبغي أن أقول للشباب صلي أوثق في رئيسك، بل يجب أن نهييء له مناخ الصلاة بالفعل وأن يمارس الثقة والنقد مع رؤسائه. من أسوأ تقاليدنا هو محاولة تعويد الصغير علي الطاعة العمياء، وهذه قد تنفع لعدة أشهر ولكن بعد فترة سوف يتمرد هذا الشاب. الإيمان عندنا مقرون بالعمل والصلاة بالأداء والعقيدة بالسلوك، وليس في ديننا تناقض بين الظاهر والباطن، وليس عندنا تحميل للمسئولية علي الآخر، فالأمر كما قال الخالق: »وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه».. »ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل». المخزون الاستراتيجي إلي أي مدي يمكن الاعتماد علي التربية الإسلامية في بناء الثقة المفقودة؟ - بصراحة يوم نضع التربية الإسلامية في موضعها الطبيعي في التربية والتعليم والتثقيف. الفكر الإسلامي ودعاته هو المخزون الاستراتيجي لوسائل التربية الأخري، فمنها يستمد الجميع وسائل الإصلاح. خذ مثلاً في مجال التعلم كيف أمرنا الإسلام بفرضية التعلم والتواضع في تحصيله أو نقله للناس ثم وجوب العمل بمقتضي العلم والحرص علي نقله للناس والصبر علي مصاعب التعلم وتوقير المعلم وإكرامه وهي قيمة تعالج كثيراً من حالة عدم رغبة الشباب في التعلم من أحد. وفي ثقافتنا التربوية الإسلامية ما يقول صلي الله عليه وسلم: »أفضل الصدقة أن يتعلم المرء علماً ثم يعلمه أخاه المسلم». إعلام الإيثار والفلاح بما تنصح الإعلام للقيام بدور تربوي في إزالة حالة الجفاء بين بعض قطاعات الناس؟ - الإعلام في الوقت الحالي لا يحتاج إلي نصيحة بل يحتاج إلي اعادة هدم وبناء. الإعلام الذي نبنيه هو الذي يقدر خطورة الكلمة ويدرك أن الناس لا يضيعون في الدنيا ولا يدخلون النار إلا بسبب حصاد ألسنتهم. الإعلام الذي يؤجج الصراعات ويشيع الفاحشة بين الناس وكأن كل الناس حرمية ومرتشين وزناة!! الإعلام الذي يغرس في الناس المشاعر الإنسانية والتواد والأخوة والإيثار وهي الصفة التي جعلها الله عنواناً علي دولة المدنية: »ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون». نحتاج للغة الحوار لا السباب والبحث عن ثقافة للخطاب الجماعي بعيداً عن الاستعلاء. لابد أن يتكاتف الجميع علي غاية سامية، تفيد الدين والدنيا وتوحد مشاعر الجميع وتكشف كل إنسان أمام نفسه: »يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون».