الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي رحمه الله:
الإيثار هو:
تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة. تفسير القرطبي 18/26. فالإيثار أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه، وعكسه الأثرة وهي: استئثاره عن أخيه بما هو محتاج إليه، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
ومن العجيب أن هذا الخلق لو أردت أن تترجمه الى لغة أخرى (الانجليزية مثلا ) لن تستطيع.. أي أن الكلمة ليس لها مرادف في الانجليزية ولا في الفرنسية..
ليس فقط في معنى خلق الايثار بل هناك معاني لأخلاق أخرى . . فمثلا الحياء تجد ترجمته shy أو ashamed وكلاهما يعني خجول .. وهي لا تعطي معنى الحياء أبدا،
وخلق التواضع تجد ترجمته humble وهي تعني الخضوع والذلة وهما لا يعطيان معنى التواضع.
إن هذه الأخلاق الاسلامية السامية ليس لها وجود عند الغرب وليست هذه فقط فهناك الكثير .. ويا سبحان الله.. فاقد الشيء لا يعطيه.
خلق لن تجده إلا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم
فمن أين نأخذ الأخلاق والقيم ... !؟
إننا الآن نلهث وراء الغرب .. ويا ليتنا نأخذ منه التكنولوجيا والحضارة وعلم الإدارة .. لقد أخذنا منه التقليد الأعمى !!!
فيا من تبحثون عن الأخلاق لن تجدوها إلا في مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم. لن تجده إلا وسط الناس الذين آمنوا بالاسلام وعاشوا له .
ماذا نعني بالايثار ؟
هو: أن تفضل أخاك على نفسك، (حظ من حظوظ الدنيا تتركه لأخيك فيستمتع هو به وتفقده أنت).
نماذج للتطبيق
والآن سوف تعيش مع نماذج للايثار .. نماذج من إسلامنا الجميل تقرأها وتفخر بها .. واسأل نفسك : أين هي في مجتمعنا الآن؟
اكسنيها يا رسول الله ...!!
نسجت امرأة من الأنصار بردة (عباءة) من قطيفة وجاءت بها الى النبي صلى الله عليه وسلم تعطيها إياه ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم.. ولبسها لاحتياجه لها في هذا الجو الشديد البرودة، فخرج بها النبي صلى الله عليه وسلم لأول مرة على أصحابه، فنظر اليه رجل من الأنصار، وقال:
ما أحسن هذه العباءة اكسنيها يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" فإذا هو يخلعها في الحال ..
فنظر الصحابة للرجل الانصاري : (وكان لسان حالهم يقول له: ما هذا الذي فعلته؟ إن النبي يحتاجها).
فقال الرجل:
ولكني أشد احتياجا لها من النبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أجعلها في كفني حين أموت. رواه الامام أحمد في الحديث 5\333.
قال له : هي لك ..!!
قضى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أوقاتا عصيبة من فقر وجوع وحاجة....وذلك في أغلب فترة البعث، وحينما فتحت مكة وفتحت خيبر وفتحت الطائف كثر المال وجاءت الغنائم، وكان نصيب من هذه الغنائم غنم بين جبلين، فنظر أعرابي الى الغنم، وقال:
ما أكثر هذه الغنم، فقال له النبي:
" أتعجبك؟"
قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"هي لك"،
قال: يا محمد أتصدقني القول، قال صلى الله عليه وسلم: " هي لك خذها إن شئت". فقام الرجل يجري الى الغنم ويلتفت حوله.. فأخذها وعاد بها الى قومه يقول:
يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير الناس، إن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدا. رواه مسلم في الحديث 5984-5975 والامام أحمد في الحديث 3\108-175-259-284.
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، وكثير من الصحابة كانوا يفعلون ذلك ..
فانظر الى أيّ مدى كان إيثار النبي صلى الله عليه وسلم..
وانظر الى الأعرابي .. إنه أسلم ودعا قومه ليسلموا .
أما تحب أن تحبّب الناس في الاسلام ... !!؟
فعليك بالايثار.
جوهر الايثار
جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني مجهود (لا أجد طعاما)
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الى بعض زوجاته: هل عندكم من شيء؟
فكان هو جوابا واحدا ألا وهو: " لا والذي بعثك بالحق ما عندنا الا الماء".
فقام النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وقال: " من يضيف هذا؟"
فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله أضيفه، وأخذه وأسرع الى زوجته، وقال لها: هل عندك من طعام؟ قالت: لا إلا قوت صبياني.
فقال: علليهم بشيء فإذا أرادوا العشاء فنّوميهم، حتى يأتي الضيف، ثم ضعي الطعام وأطفئي السراج، كي نشعره أننا نأكل معه كي يأكل هو وضعي أمامه الطعام..
وجلس الضيف وأكل، وفي صلاة الفجر ذهب الى المسجد فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم: " لقد عجب الله من صنيعكما وضيفكما الليلة".
رواه البهاري 3798 والبيهقي في السنن الكبرى 4\185.
مشهد تمثيلي واقعي.. هيئت له كل أسباب النجاح .. فاستحق أن ينال جائزة : " لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة". فعجب الله، أي رضي الله..
ما رأيك ألا تحب أن يرضى الله عنك؟ ألست معي أن ظروفك أفضل بكثير من ظروف هذا الصحابي وزوجته؟ فمالك لا تفعل مثلما فعل!!
شعار الايثار
وهو شعار وضعه النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم، فاجعله من الآن شعارك.
يقول صلى الله عليه وسلم: « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ».
رواه البخاري في الحديث 13 ومسلم 168 والترمذي 2515 والنسائي 5-31 وابن ماجه 66.
ومعنى لا يؤمن: أي لم يكتمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
نماذج من إيثار الصحابة رضوان الله عليهم
ظهره كالقنفذ من السهام .. !!
هذا أبو دجانة يؤثر النبي صلى الله عليه وسلم بروحه في غزوة أحد ، حينما كان يرى السهام تأتي الى النبي صلى الله عليه وسلم من كل مكان فيترس عليه أي: ( يأخذ النبي في حضنه وينام فوقه).
فرآه هكذا سيدنا أبو بكر الصديق وقال:
نظرت الى ظهر أبي دجانة فإذا ظهره كالقنفذ من السهام. وهذا نوع آخر من الايثار .
إنه الايثار لله بالأرواح .. تملأ جسده السهام ويجرح ويكاد يقتل حبا للنبي صلى الله عليه وسلم حبا له صلى الله عليه وسلم وإيثارا له !
إن إيثارنا اليوم للنبي صلى الله عليه وسلم بحفظ سنته وإيثارها على كل العادات والتقاليد والأعراف الأخرى ..
نريد منك الكثير يا أبا دجانة في هذه الأيام .. !!
نحري دون نحرك يا رسول الله
وهذا نموذج فذّ من الإيثار .. إنه سيدنا طلحة بن عبيد الله ..
يقول: أخفض رأسك يا رسول الله لا يصبك سهم ، نحري دون نحرك يا رسول الله ، ويقذف النبي صلى الله عليه وسلم بسهم من السهام، فيراه طلحة فيضع يده حتى لا يصل السهم للنبي صلى الله عليه وسلم فيخترق السهم هذه اليد الطاهرة وتشل.
"اللهم إني أشهدك أن يزيد بن السكن قد وفى"
ويقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويقول:
" من رجل يشري لنا نفسه؟"
فيأتي شاب من الأنصار عشرة (سن 18،19 سنة) فيستشهد الأول ثم الثاني ثم الثالث، حتى يستشهد العشرة وآخرهم يزيد بن السكن، ويموت على قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدافع عنه فيقول صلى الله عليه وسلم:
" اللهم إني أشهدك أن يزيد بن السكن قد وفى". وذلك فيما ذكره ابن هشام في السيرة النبوية.
كرم الأنصار وعفة المهاجرين
وهذا نموذج من إيثار الأنصار للمهاجرينسعد بن الربيع وعبدالرحمن بن عوف، قال سعد بن الربيع الأنصاري:
يا أخي هذه أموالي جمعتها كلها أقسمها بيني وبيمك نصفين، وهذا بيتي لي نصفه، ولك النصف الآخر، وإني متزوج امرأتين فآتيك بهما تنظر أيها أحب اليك أطلقها حتى تبلغ عدتها فتتزوجها !! فما كان من عبدالرحمن بن عوف إلا ان قال: جزاك الله خيرا، أين السوق ؟
أثر الايثار
إن من أثر الإيثار أن تعم البركة .. ويرضى الله عنك ويوسع عليك أكثر، واعلم أنك إن أمسكت ولم تؤثر أصبح عندك بدلا من الايثار أثره ( فإن الأثرة هي عكس الايثار) ومعناها أن تؤثر نفسك على غيرك.
" نداء عاجل.. الى كل شاب وفتاة.. الى كل رجل وامرأة...
افتحوا دولاب الملابس .. ستجدون ملابس مضى عليها سنتان وثلاثة ولا يلبسها أحد .. أين إيثاركم؟
أروا الله من أنفسكم خيرا واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤثر غيره بالجديد . فابدأ أنت الآن وآثر غيرك بملابسك القديمة ..