مروة البشير يقول فضيلة الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية ان المولي عز وجل قد أعد رسول الله صلي الله عليه وسلم لمهمة عظيمة يتولي فيها أمر الأمة جميعا.. ومن الأخلاق العظيمة التي أرساها رسول الله صلي الله عليه وسلم هي المؤاخاة والإيثار بين البشر.. فالإخاء في الله من أسمي الروابط التي تجمع بين الناس جميعا لما تحمله من معاني الحب والإيثار فبعد أن هاجر الرسول صلي الله عليه وسلم آخي بين المهاجرين والأنصار وصار لهذا الإخاء حكم إخاء الدم والنسب بحيث لو مات أحد الأخوين ورثه الآخر, وقد ظلت تبعات هذه المؤاخاة سارية إلي أن أنزل الله تبارك وتعالي قوله:( وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله) فرجع الميراث إلي أساس القرابة النسبية. وكان من نتائج هذه المؤاخاة أن أحسن الأنصار استقبال المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق وكان الأنصار يعرضون علي إخوانهم المهاجرين أن يشاطروهم أموالهم ويقاسموهم ما يملكون.. وفي الوقت نفسه كان المهاجرون لا يعتمدون علي هذا, بل كانوا يتعففون لدرجة مذهلة وكانوا يعملون في التجارة والزراعة, ومن الأمثلة علي ذلك ما عرضه سعد بن معاذ وهو من أغني أهل المدينة علي أخيه في الإسلام عبدالرحمن بن عوف فقال له: خذ من مالي ما شئت أعطه لك, ولي دور كثيرة اسكن في ما يعجبك, ولي أكثر من زوجة فاختر منهن ما تحلو لك, فرد عليه عبدالرحمن بن عوف, وقال: بارك الله فيك وفي مالك وأهلك أنا خبير في التجارة فدلني علي السوق.. وتاجر عبدالرحمن بن عوف حتي نافس التجار اليهود وتفوق عليهم.. وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعني في قوله تعالي:( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا, ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون, والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان, ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا, ربنا إنك رءوف رحيم). ومن صور المؤاخاة أيضا التكافل بين الناس جميعا, مسلمين وغير مسلمين أرحاما وغير أرحام فقال تعالي:( واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم), وإكرام الجار ليس مقصورا علي من هم علي ديننا بل يشمل حتي المخالفين.. وقد روي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال:( مازال جبريل يوضيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه), وقال أيضا:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره), وقال صلي الله عليه وسلم:( ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلي جنبه). أما عن الإيثار فإنه كلمة لا نجد لها معني أو مرادفا إلا في الإسلام والإيثار هو ان يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس علي حاجته برغم احتياجه لها, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( لايؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وروي أن رجلا جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله إني مجتهد( أي ليس معي ماآكل) فأرسل النبي إلي بعض زوجاته هل عندكم شيء؟ فكلما بعث إلي واحدة أرسلت له قائلة لا والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء, فقال النبي ونادي في أصحابه: من يضيف هذا الرجل؟ فقام رجل من الانصار وقال أنا يا رسول الله, وأخذه وأسرع إلي زوجته يسألها هل عندك طعام؟ فقالت لا إلا قوت صبياني, فقال لها علليهم بشيء وإذا أرادوا العشاء أنيميهم وأطفئي السراج حتي يشعر الضيف أننا نأكل معه فيأكل هو, وجاءت صلاة الفجر وذهبوا ليصلوا فإدا بالنبي يقول لهم: لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة فأنزل تبارك وتعالي قوله:( ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). ومن نماذج الإيثار أيضا إيثار الصحابة الكرام بعضهم بعضا في معركة اليرموك وهو إيثار بالأرواح وليس بالأموال, فقد كان عكرمة بن أبي جهل من ضمن الجرحي, وقد وضع الجرحي كلهم في مكان حتي تنتهي المعركة, وكان ابن عم عكرمة من الذين يسقون الجرحي فجري نحو عكرمة ليسقيه فوجده يئن يكاد يموت وإذ هو يتناول القربة ليشرب سمع صوت أخيه يقول أنا عطشان فقال: لا والله لا أشرب حتي يشرب أخي, فذهب الساقي إليه بالماء ليشرب فسمع صوت أخيه يقول آه, فقال لا والله لا أشرب حتي يشرب, حتي وصل إلي العاشر فقال لا والله لا أشرب حتي يشرب عكرمة, فرجع إلي عكرمة فإذا به وقد فاضت روحه. فالمؤاخاة والإيثار خطوة مهمة نحو تحقيق الحب والتقارب بين أفراد الجماعة وإيجاد نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية, وهذا ما نتمني أن يطبق في مجتمعنا الحالي الذي تغلبت فيه المادة علي كل شيء فتقطعت العلاقات, وأصبحت قطيعة الرحم سمة من سمات العصر, وتراجع دور الدين فأصبحت حياة الناس مليئة بالشقاء, ونحن الآن في أمس الحاجة إلي أن يعود المجتمع كما كان وكما أسسه الرسول صلي الله عليه وسلم.