الميدان ساحة تربية الأبطال، والدروس النظرية أصبحت واقعية الأمهات: اكتشفنا أطفالنا من جديد، والتربية أصبحت أسهل خبيرة تربوية: التطبيق العملي لدروس العقيدة تجلى واضحاً في الميدان تربية الصغار لا يمكن أن تتم بالكلام النظري وقراءة الكتب فقط، بل لابد من التطبيق العملي لما جاء فيها على أرض الواقع، حتى يتسنى للصغار أن يلمسوا كل الدروس التربوية التي ينبغي أن ينشئوا عليها، لتتغلغل في كيانهم وتتشربه عقولهم الصغيرة، وتصبح لهم نبراساً ومنهجاً يسيرون عليه طيلة حياتهم المقبلة. هذا ما يحدث الآن في ميادين العزة والكرامة والصمود، فالتربية النظرية للأطفال أصبحت واقعاً ملموساً طوال شهر وأكثر، وهي فترة اعتصام الأطفال والنساء والرجال في الميادين، حتى ضربوا بصمودهم وثباتهم أروع الأمثلة للعالم أجمع. وها هو العيد يأتي على هؤلاء المرابطين ليحمل معاني كثيرة لم يعيشوها من قبل، وليستقبله الصغار بفرحة أكبر وحفاوة أعظم رغم المحنة، والأسباب عديدة وقد يكون أولها أنهم بثباتهم وشجاعة قلوبهم الصغيرة ودموع عيونهم البريئة ودعواتهم المستجابة على الظالمين، وركوعهم وسجودهم وصيامهم وهم لم يبلغوا الحُلم بعد، سطروا أسماءهم بحروف من نور في كتب الأبطال الذين لن ينساهم التاريخ. معيار النجاح "كلما آتي إلى الميدان أعطي لصغاري دروسا جديدة في الثبات واليقين والصمود"، هكذا بدأت نورا (صحفية) حديثها معي، وتضيف: "رغم انشغالي في العمل صباحا وشغل البيت ومع الصيام والحر والجهد إلا أننا بمجرد وصولنا الميدان ننسى كل التعب ولا نتذكر أنا وزوجي وأطفالي سوى أننا على ثغر وفي رباط واعتصام حتى تكون كلمة الله هي العليا". وتكمل: "ويأتي العيد على الصغار وقد تبدلت سلوكياتهم إلى الأفضل، فمهما كان البيت ملتزما بأسس التربية السليمة، والوالدان قدوة لأولادهم، إلا أن الاختبار الحقيقي لما نلقنه لأولادنا وحتى لما تعلمناه نحن الكبار تجلى واضحا في الميدان، وكان بمثابة معيار النجاح لما قمنا به من تربية طيلة السنوات الماضية ولا أنسى دوما أن أؤكد لهم أن هذا الميدان تقبع خلفه أعظم جامعة في مصر وهي جامعة القاهرة حيث درست أنا ووالدهم، وأبين لهم أن العلم هو أقوى سلاح يمتلكونه بعد الإيمان". عيد الصمود ومثلها تؤكد هبة (ربة منزل وأم لثلاثة أولاد): "لقد اكتشفت صغاري من جديد في الميدان، فلم أكن أعرف أنهم على استعداد لتعلم المزيد والمزيد من دروس في الشجاعة والثبات والإقدام إلا عندما وضعتهم الأقدار معنا في محك حقيقي أمام الظلم والغدر والطغيان، فقد حدث وتعرضنا لهجوم من البلطجية فوجدت ابني الكبر عبد الرحمن 11 سنة يطلب مني بإلحاح أن أسمح له بمواجهتهم، وهو لا يمسك سوى بعصا صغيرة". هذا بالإضافة إلى معاني الأخوة والتعاون والإيثار التي تجلت واضحة طيلة الأسابيع الماضية كما تضيف هبة، "وثبتت معانيها في سلوكيات الصغار بعد أن كانت مجرد كلمات مجردة، ففي إحدى المرات ترك ابني الأصغر يد أخيه وابتعد عنه وظللنا فترة نبحث عنه، حتى وجدت أحد الأخوة ينادي علينا من المنصة حتى نذهب لأخذه، ووجدت هناك إخوة وأخوات يعرفوننا قد سبقونا ليطمئنوا عليه". وتبين أن الدرس الأكبر الذي سيتعلمه الصغار هذا العيد هو المعنى الحقيقي للصمود في وجه الظالمين مهما كانت التضحيات، وتضيف هبة: "كذلك أشعر أن الصغار أصبحوا في نظري أبطالاً بعدما تعرضوا له من مواقف صعبة، إلا أنهم لم يشعروا بالخوف بل أصبحنا نحن الكبار من يستمد من شجاعتهم وبأسهم القوة والإصرار على مواصلة الاعتصام حتى يتحقق النصر بإذن الله تعالى". الحق والباطل وتقول أم روان (صيدلانية): "الدروس التي تعلمتها ابنتي ذات الست سنوات من الميدان كثيرة وعظيمة، وأعظم ما فيها هي قضية الصراع بين الحق والباطل، وإدراك معاني الخير والشر، والتفرقة بين الطيبين والظالمين، وكثيراً ما كنت أحكي لها قصص مشابهة، وكذلك أهمية وجود هدف وغاية نعيش عليها ونجاهد من أجلها، وألا تكون حياتنا مجرد الاهتمام بالطعام والشراب والملبس، دون أن يكون هناك وضوح للرؤية فيما بعد هذه الحياة، وأن كل انسان سيحاسبه الله عز وجل على ما اقترفت يداه، إما إلى الجنة أو إلى النار وبئس المصير". وتضيف: "ولأن ابنتي تسمع كثيرا عبارة "الله غايتنا" فقد طبقتها عمليا هذه الأيام رغم صغر سنها، وكانت تشعر بالحزن إن لم نتمكن من التواجد اليومي في الميدان بسبب ظروف طارئة، وأجمل ما ستتعلمه بناتي في العيد هذا العام هو شعوري بأن ما يحدث سيعيد تكوين جيلهم والأجيال القادمة من بعدهم، فقد أدرك الصغار معاني العزة والكرامة والثبات، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان أن يسمحوا للذل والغدر والطغيان أن يكون لهم مكان بينهم من جديد". أم الأبطال "أبنائي كلهم في الميدان حتى الصغير الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره"، هكذا تؤكد أم حسين التي تعتصم في الميدان هي وأبنائها طيلة الأسابيع الماضية، وتوضح أن تربيتها لأولادها طوال السنوات الماضية ظهرت آثارها الإيجابية الآن، بعدما وجدت منهم البسالة والإصرار والتسابق والمنافسة في الذهاب إلى الميدان والمشاركة في الاعتصام، وتشير إلى أن كل واحد منهم ينسى نفسه ولا يتذكر إلا إخوانه". وتضيف: "لقد فوجئت أن أحد أبنائي قد أُصيب بطلقات خرطوش أثناء مشاركته في مسيرة بالجيزة ولم يخبرني بذلك حتى لا أُرغمه على عدم الذهاب مرة أخرى، وابني الآخر نالته طلقات الرصاص ونجا بأعجوبة والحمد لله، أما الصغير فهو يشاركنا بالدعاء على الظالمين كلما رأى مصابا أو شهيدا، ويفهم ما يدور حوله ويستوعبه جدياً فقد حضر أحد الدورات التربوية وكان من بين الأطفال طفل فلسطيني وعندما طلبت منهم المدربة رسم ما يجول بخاطرهم رسم ابني حديقة جميلة بينما رسم الطفل الفلسطيني حرباً طاحنة، ولكن بعدما عاشه معنا في الميدان أصبح يرسم هم الآخر دبابات وطائرات". اخشوشنوا.. درس العيد وتضيف أم حسين: "في العيد هذا العام يتعلم أبنائي معاني جديدة أجملها هي ترابطهم واتحادهم في وجه الطغاة، وكذلك فقد شعروا بقيمة النعم العظيمة التي وهبها الله لنا وعلى رأسها نعمة الأمن والأمان، وكذلك قلة الطعام أو بساطته على غير ما ألفوه في بيوتهم، مما جعلنا جميعا نطبق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: اخشوشنوا فإن النهمة لا تدوم". بستان العقيدة وترى ايمان علي (مستشارة تربوية وإحدى المعتصمات في ميدان النهضة) أن الدروس التربوية لا يمكن أن تكون في المنزل فقط بقول الوالدين لابنهما: افعل الصواب وتجنب الخطأ، فالصغار قد لا يدركون كيف ينفذون هذه الأوامر المجردة، بل وقد لا يفهمون معناها، إذاً لابد من الممارسة الواقعية لتلك القيم والمعاني التربوية العظيمة، حتى تصبح بالتدريج والتطبيق جزءاً أصيلاً من شخصية أطفالنا. وتكمل: "عندما كنت أدرب ابنتيّ على معرفة الألوان أو مظاهر الطبيعة كالطيور والحيوانات، لم أكن أكتفي بإحضار كراسات التلوين أو الصور الطبيعية فقط ليشاهدوها، بل كنت أخرج بهم إلى الحدائق حتى يطبقوا ما تعلموه ويشاهدوه رأي العين، وبهذا تتضح لهم الصورة وتثبت في أذهانهم المعلومة". وكذلك في أمور العقيدة لم يكن من الممكن أن تكون نظرية فقط كما تضيف المستشارة: "بل كان من المهم أن يلمسها الصغار في حياتهم، فكما كنت أقول لهم هذه وردة هذا عصفور، الآن كلما حدث موقف أقول لهما هذا هو معنى الإخلاص، الثبات، اليقين، الصبر، المرابطة، الاعتصام، الأخوة، الحب في الله. وغيرها من المعاني الكثير". وتوضح المستشارة التربوية أن من الدروس الجميلة أيضا التي يتعلمها الصغار في الميدان إثبات الذات والاعتماد على النفس وحب الناس وفعل الخير والتعاون والإيثار والتعارف، وسوف تكون هذه هي أهم الدروس التي سيعيش عليها الصغار وسيكون العيد هذا العام بطعم مختلف عن كل ما مضى في حياتهم ليصبحوا بحق هم جيل النصر المنشود للأمة كلها.