بعد صدور حزمة القرارات الاخيرة للإصلاح الاقتصادي خاصة تحرير سعر صرف الجنيه المصري ورفع اسعار الوقود شهدت الاسواق حالة من انفلات الأسعار ليجد المواطن نفسه في مواجهة التجار الجشعين وسط غياب شبه تام للأجهزة الرقابية ليصرخ الجميع من اعماقهم: أين الأجهزة الرقابية؟ خاصة أن عددا من التجار استغلوا هذه الظروف الصعبة، ورفع بعضهم أسعار السلع بشكل عشوائي بحجة »السوق الحر»، وقيام اخرين باحتكار سلع اخري كالسكر، فخلقوا أزمة رغم توافر السلعة وفقا للبيانات الحكومية.. الاخبار تحاول الاجابة في هذا التحقيق علي السؤال المهم: أين الأجهزة الرقابية ولماذا غابت عن الأسواق مما تسبب في انتشار ظاهرة »فوضي الاسعار»؟ مي : السلع تختفي دون مبرر والأسعار متفاوتة فاطمة : بشوف عربيات تحمل سكر وعندما اطلب كيلو يقولوا مافيش! عيون انطفأ بريقها ووجوه متشابهة امتلأت تقاسيمها بالحزن، بعد أن نالت منها الظروف الاقتصادية.. أشخاص باتوا يصطفون يومياً في طوابير الجمعيات الاستهلاكية و»السوبر ماركت» ومحلات السلع المختلفة التي إما اختفت بشكل مفاجيء أو ارتفعت أسعارها.. »الأخبار» تقضي يوماً في الأسواق لتكشف عن تضارب الأسعار الذي تفاوت من منطقة لأخري.. بعد أن مات ضمير التجار وأصبحوا ينهشون »جيوب الغلابة» وغابت الرقابة.. فأصبحت الأسواق والمحلات أشبه ب »وكالة من غير بواب» دون ضابط أو رابط وملاذاً لبعض المستغلين لأزمة البلد. حيرة وحزن الحيرة، القلق، الضجر وأحيانا الرضا مشاعر رسمت أخاديد عميقة علي وجوه لا تطلب إلا العيش كريماً لها ولعائلتها مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتفاوتها من منفذ لآخر، وبابتسامة غير مبالية تقول أمال مسيحة صاحبة ال50 عاما »الأسعار في الاسواق متفاوتة وتختلف في المحلات عن المجمعات الاستهلاكية، الزيت هنا أغلي 3 جنيهات رغم أن المجمع تابع للحكومة، طب فين الرقابة؟، لكن الفراخ هنا رخيصة وسلع كتير أساسية أرخص من المحلات الخاصة».. من المتسبب في الزيادة؟ وهل هي قانونية أم جشع من التجار؟ أسئلة تضرب في رؤوس الكثيرين ولا تجد لها إجابة واضحة وسبيلا للتعامل معها سوي الخضوع لها والتعايش، »كل منطقة ولها سلعتها وسعرها» تقول مي محمود اعتراضا علي اختفاء بعض السلع بشبرا بينما تتوافر بكثرة بمناطق أخري واختلاف الأسعار بين كل منطقة وأخري، مستشهدة بشرائها للأرز في منطقة حدائق القبة بسعر أرخص من الأسعار المتداول بها بمنطقة شبرا. من خلفها بكلمات كالصراخ تنطق بها امرأة قد تخطت عقدها الخامس »الدواء غلي إن لقيناها وكل صيدلية بسعر، والسوق السوداء هي اللي بتشتغل دلوقتي، وكمان الخضراوات سعرها بيزيد وكله يقول الدولار السبب»، »مطلبه بتشديد الرقابة علي التجارة وإيقاظها من نومها وإعادة التسعيرة الجبرية». وعلي النقيض يقول طارق محمد صاحب ال55 عاما أن الأسعار جيدة ومناسبة وأن التفاوت بين الأسعار إن وجد يكون بسيطا، ولكنه يصنع الفارق فقط، في حالة شراء كميات كبيرة، مشيدا بجودة منتجات الدواجن واللحوم بالمجمعات الاستهلاكية، بجواره يتدخل شاب ثلاثيني ليتكلم بجملة مقتضبة وقد اشتد حنقه »أنا بأجل جوازي عشان سعر الأثاث اللي بيزيد». الرقيب ربنا ثم نتحدث مع سيدة ستينية، كانت ترتدي جلبابها وتستند علي عصا وتتجول بين المحال بحثاً عن كيلو سكر لأحفادها.. إنها فاطمة حسين، ربة منزل والتي كان وجهها يبدو عليه التعب والإرهاق من طول رحلة البحث التي استمرت لثلاثة أيام علي التوالي دون جدوي.. وتقول: »بقالي 3 أيام كل يوم بخرج من أول ما أصحي وافتح عيني عشان اشتري كيلو سكر لأحفادي الصغيرين لأني بحاول أدوبلهم العسل بداله لكنهم مش بيحبوه».. واستنكرت الحاجة »فاطمة» دور الرقابة مؤكدة أن العديد من المجمعات الاستهلاكية تقوم بتحميل سيارات السكر »عيني عينك» مما يضاعف من جهدها في البحث في أماكن أخري وتابعت: »حرام عليهم كدة الموظفين معظمهم معندهومش ضمير وبيبعوا للناس أولاد الأكابر وبيحرموا منه الغلابة اللي زينا فين دور الحكومة عشان تفتش عليهم بجد» وتضيف: »بنت اختي مريضة وتعاني من القلب ولديها وتوأم عمرهم شهر و انا لدي 3 أحفاد وبحاول اشتريلها كيلو واشتري لأحفادي كيلو ومش لاقية». ويلتقط عثمان عبد الحميد سليمان، 70 عاماً، معاش، أطراف الحديث، ليعبر عن شدة غضبه من دور الأجهزة الرقابية علي الأسواق ويقول: »الواقع مؤلم جداً واحب أوجه رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسي وأقول له لابد من وضع رقابة من حديد و يطهر الفساد والموظفين الفاسدين.. بنشوف بعنينا الموظف او المفتش بيدخل اي مجمع استهلاكي او محل وبيوضع أمامه الفطار والشاي وبياخد اللي يحتاجه وفلوس كمان وبعدها يمشي ويبدأ التاجر في إخفاء البضاعة ونسأل يقول مافيش علي الرغم من إننا بنكون لسة شايفين البضاعة وهي بتنزل جوه المحل». وعن تضارب الأسعار يؤكد »عثمان» أن هناك حالة فوضي في الاسعار التي باتت تختلف من محل لآخر ويقول: »أنا اشتريت كيلو اللبن من محل ب 8.5 جنيه وبعدها روحت اشتري من محل آخر قالي الكيلو ب 10 جنيهات والله حتي اللب والسوداني بيختلف سعره من مكان لآخر». معاناة الغلابة »اتقوا الله في الغلابة.. حرام عليكو».. هكذا بدأت هانم محمد، تلك المرأة الخمسينية حديثها إلينا لتعرب عن مدي استيائها من دور الأجهزة الرقابية الغائبة وتقول: »عارفين إن الرئيس كويس وبيحاول يعمل إصلاح لكن فين الرقابة حاسين ان التجار بيبيعوا ويشتروا فينا وللأسف حتي بعض اللي بيفتشوا بيقبلوا رشوة ومش بيشوفوا استغلال التجار وتهريبهم للسلع ومش بيراعوا ربنا.. وطالما ان ضميرهم مات يبقي لازم نطبق القانون ولازم الدولة تقف قدامهم»، وتابعت: »السلع الأساسية مش متوفرة في المجمعات زي ما الحكومة بتقول في التليفزيون، وبنضطر نروح المحلات اللي سعرها عالي، للأسف الحياة في التليفزيون وتصريحات الوزراء حاجة وفي الواقع حاجة تانية خالص».