يقف على زاوية أحد الشوارع، أو داخل أحد المحلات، لا يشغل باله سوى عرض سلعته وبيعها وتوفير قوته، يقضي ساعات من النهار والليل في ترتيب السلعة وتزيينها لتجذب أعين الزبائن، لا يحكمه سعر موحد لفترة بعيدة، بل تتفاوت الأسعار مع كل رحلة شراء للسلعة من التاجر المورد لها، اليوم تزيد الضعف، وغدا تقل، ومعها يتفاوت سعر السلعة في السوق، ويتحمل المواطن وحده عبء اضطرابها.. منذ أيام أقدمت حكومة الدكتور حازم الببلاوي على فرض "تسعيرة جبرية" على السلع الغذائية والاستهلاكية في السوق المصرية، لتخفيف عبء المعيشة على المواطن، حيث يلتزم بها كافة الباعة والتجار الموردون، مع تفعيل عقوبة السجن من سنة إلى 5 سنوات، والغرامة من ألف جنيه إلى 5 آلاف، إذا لم يتم التزام التجار والباعة بالتسعيرة الجبرية. "الوطن" قامت بجولة داخل أحد أسواق وسط القاهرة، تعرفت على موقف الباعة وأصحاب المحلات من قرار التسعيرة، وتأثير هذا القرار على عملهم. لم يعارض أحد بائعي الفاكهة قرار فرض التسعيرة الجبرية على سلعته، لكن ظل همه الشاغل هو "حقه" في السوق، الذي يُهدر أكثر من نصفه في تكاليف نقل الفاكهة من التاجر المورد إلى محله.. يقول علي "كيلو الفاكهة يتكلف نقله من العبور إلى المحل 3 جنيه شيل وحط، يعني بشتري المانجة ب15، ببيعها في السوق ب20، 3 جنيه منهم تكلفة نقل، والمكسب 2 جنيه، والتاجر بياخد على كل عشرة كيلو 3 جنيه، يعني الفايدة اللي بناخدها من كرتونة الفاكهة بتتصرف على التحميل والتوصيل"، وبالرغم من ذلك لم ينكر علي حق المواطن في الحصول على سعر مناسب لدخله، لكن "لابد أن يلتزم التاجر المورد بالتسعيرة، عشان نطبقها في السوق، والمواطن ياخد حقه"، وأكد علي أن فرض التسعيرة على السوق يُجبر التاجر المورد على خفض الأسعار، عندما يرفض المواطن زيادة الأسعار، لن يستطع البيع، وبالتالي لن يقوم بشراء الفاكهة بأسعار زيادة من المورد له، "أنا مش هتعامل مع تاجر مش هيلتزم بالتسعيرة، ويرفض إنه يديني حقي، أنا مش هتحبس علشان اكسب زيادة، لكن التجار مبيلتزموش بالتسعيرة". "بشترى كل حاجة مستوردة، وكل حاجة مستوردة في السوق غالية، فإحنا عاوزين الحكومة ترخص الأسعار، والمنتج يبقى رخيص، علشان نعرف نبيع ونشتغل، طول ما الحاجة غالية مفيش بيع ولا شراء"، لخص سامح موقف من قرار الحكومة في هذه الكلمات، فلم تُشكل له أي عبء، لكن تخوفه من تحكم التاجر في جودة السلعة وأسعارها، ظل هو ما يقلقه في تأييد التسعيرة الجبرية، "القرار كويس، بس لازم يلتزم بيه كل البياعين، وأهم حاجة يلتزم بيه التاجر اللي بنشتري منه"، لكن ظل قرار التسعيرة الجبرية في حكم المجهول بالنسبة لباعة آخرين، وظل القرار الأول والأخير، بعد تجمع الباعة والتجار الموردين على موقف واحد، "التجار مبيلتزموش بسعر السوق، إلا لما يكون في رقابة من الحكومة، ولما تختفي هذه الرقابة، يرجع التجار لزيادة الأسعار". وفي سوق "البيض"، أيد أحد الباعة قرار التسعيرة الجبرية، الذي اعتاد سماعه منذ أيام، حيث تعود التسعيرة بفائدة مزدوجة عليه، وعلى المشتري، وتزيد من ثقة المشتري في البائع وأسعاره، وأكد البائع تعاونه مع هذا القرار فور تفعيله في السوق "كل الشعب المصري المفروض يتعاون مع التسعيرة الجبرية، حتى الأسعار تكون خفيفة على الناس"، لكن ساند عز، أحد باعة الخضار، موقف التاجر المورد للسلع، والذي رآه زملائه السبب في غلاء الأسعار، "التاجر برضه غصب عنه، لأن الفاكهة والخضار بتكلفه شيل وحط، أنا ببقى عارف إنه مبيغليش عليا لما تبقى الحاجة غالية عنده من الأساس"، لم يعلم عز توابع قرار التسعيرة الجبرية عليه وعلى زملائه الباعة، حتى لم يتأكد من تعاونه مع تطبيق القرار من عدمه. "التسعيرة الجبرية كانت هتنفع أيام القروش والملاليم، لكن دلوقت الأسعار غليت، الطماطم والخضار والفاكهة، يوم تغلا ويوم ترخص"، استاء العجوز الذي اقتطع مساحة من أحد أرصفة السوق لبيع "كِشك صعيدي"، من قرار التسعيرة الجبرية، حيث رأى جلبه للخسارة لكل من المزارع الذي يجني ثمار زرعه، أو البائع الذي ستستوقفه تسعيرة مختلفة عن سعر الشراء من المورد، من الحصول على مكسب رزقه. ومع تخوف الباعة من القرار، قرر آخرون بعرض سلعتهم في سوق خاص بقانون خاص بهم، دون غيره، ليُخلق حينها "السوق السوداء"، يقول أحد باعة الخضار "التسعيرة مش هتنفع حاليًا، الكلام ده كان زمان لما السلعة كان رخيصة، البطاطس ب5 جنيه، يوم ما الوزير هيخليها ب3 جنيه، هنلاقيها تاني يوم في السوق السودا ب7 جنيه"، وبالرغم من ذلك أصر البائع على تطبيق القانون الذي أقرته الحكومة على السوق، لكن ظل استغلال وجبروت التاجر المورد هو العقبة أمام جميع الباعة في تنفيذ قرار التسعيرة الجبرية، "التاجر هيقولي أنا مليش دعوة بالحكومة بتاعتك، أصبح إحنا اللي شايلين عبء الأسعار، وعدم تطبيق القانون".