أنا المُحْيِّي

تجيءُ‮ ‬إليَّ‮ ‬عاصفةٌ‮ ‬وتَرْقُدُ
تحتَ‮ ‬أقدامي
وتنشرُ‮ ‬شَعْرَها المَفْكوكَ
أسئلةً‮ . .‬
وأنشرُ‮ ‬في ثنايا بَطْشِها وَرَقي
وأحلامي
وأقرأُ‮ ‬آيتي وَجِلا‮ ‬
أنا المُحْيِي‮ . . ‬
ولكني علي نَخْلِ‮ ‬الدُّجي مَيْتٌ‮ ‬،
أنا مَيْتٌ‮ ‬بأيامي‮ .‬
سَمِعْتُ‮ ‬خلالَ‮ ‬بَطْنِ‮ ‬الأرضِ‮ ‬ناقوسًا
يَجيءُ‮ ‬إليَّ‮ ‬هَمْهَمَةً‮ ‬وزَمْزَمَةً‮ ‬،
وأَحْرُفَ‮ ‬جُمْلَةٍ‮ ‬مَطْمُوسةٍ‮ ‬في مُصْحَفِ
الكَوْنِ‮ . .‬
وجاءتني الشياطينُ‮ ‬الملائكُ‮ ‬،
كلُّ‮ ‬شيطانٍ‮ ‬يدورُ‮ ‬بمارجٍ
يَتَخَطَّفُ‮ ‬الأَبْصَارَ‮ ‬والأعمارَ‮ ‬
والأشجارَ‮ ‬والأزهارَ
والأخطارَ‮ ‬والأقدارَ
والأنوارَ‮ ‬والأسحارَ
حتي‮ ‬ينحني عُودي بلا عَوْنِ
نثرتُ‮ ‬الأبجديةَ‮ ‬في فراغ‮ ‬القلبِ‮ ‬،
رَمْلا عاصفا‮ ‬،‮ ‬ورَمادَ‮ ‬بُرْكانٍ
وأروقةً‮ ‬تجوسُ‮ ‬بتيهها ساقُ‮ ‬الليالي
دُونَ‮ ‬بُرْهانِ
ودُونَ‮ ‬هُدًي مشيتُ‮ ‬أدُبُّ‮ ‬في بَيْدائِها‮ ‬
ما بين مَغْرِبها ومَشْرِقها
ومُمْسكِها ومُطْلقِها
ومُعْرِبِها ومُغْلِقِها
وَكَلَّتْ‮ ‬مُقْلَتي من فَرْطِ‮ ‬ما حدَّقتُ‮ ‬قُدَّامي‮ .‬
علي حَجَرٍ‮ ‬بأندَلُسِ‮ ‬الرؤَي‮ ‬
أسندتُ‮ ‬أوهامي
وحَلَّقَ‮ ‬فوق رأسي هُدْهدٌ‮ ‬
من‮ ‬غَيْرِ‮ ‬ما نبأٍ‮ ‬يَجيءُ‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬
نَدًي‮ ‬يَجْري‮ ‬،‮ ‬ولا دَمْعٍ‮ ‬يُفَرِّجُ‮ ‬كُرْبَةً‮ ‬،
أو بَعْضَ‮ ‬أسقامي‮ .‬
علي كِيرٍ‮ ‬نَما عَظْمي
وشَطْحُ‮ ‬الرُّوحِ‮ ‬سِنْداني
رأيتُ‮ ‬الحقَّ‮ ‬مُلْتَبِسًا‮ ‬،‮ ‬فسرتُ‮ ‬
هناكَ‮ ‬قُرْبَ‮ ‬سِراطِهِ
ما بين محلولٍ‮ ‬
وعَقْدِ‮ ‬رباطِهِ
فإذا انتشيتُ‮ ‬،
وقلتُ‮ ‬في نفسي‮ : ‬أمُدُّ‮ ‬يدي‮ . . ‬
لجَوْهَرةٍ‮ ‬تلوحُ‮ ‬،‮ ‬
علي حرير سِماطِهِ
ألفيتُني‮ . .‬
فوقَ‮ ‬الصَّليبِ‮ ‬مُعَلَّقا في‮ ‬
صَدْرِ‮ ‬ميدانِ‮ ‬
أنا المُحيي لدين اللهِ‮ . .‬
كي‮ ‬يَسْري‮ ‬
كما‮ ‬يَسْري هَواءٌ‮ ‬في رئات العالمينَ
وأنخلُ‮ ‬الدنيا بغُرْبالي
أنقِّي بُرَّها وحَصيدَها‮ ‬،
وأزيلُ‮ ‬حَنْظلَها وخَرْدَلها‮ ‬،
وأَحملُ‮ ‬وَرْدَ‮ ‬بُسْتاني‮ .‬
أنا من آخر الأحزان جئتُ
لكي أرَي أسبابَ‮ ‬أحزاني
وأحفرَ‮ ‬في أساس القولِ‮ ‬مترا
كي تبينَ‮ ‬مساربُ‮ ‬المَعْنَي
وأصباغُ‮ ‬الكلامِ
ورحلةُ‮ ‬الناموسِ‮ ‬من خَلَلِ‮ ‬الحُروفِ
وقصةٌ‮ ‬ما قَصَّها أَحَدٌ
وأغنيةٌ‮ ‬علي شَفَةٍ‮ ‬تموتُ
ورَجْعُ‮ ‬إعصارٍ‮ ‬يفوتُ‮ ‬
وخالقٌ‮ ‬في قلب إنساني‮ .‬
تركتُ‮ ‬لمن‮ ‬يشاءُ‮ ‬ذبيحتي
ولمن‮ ‬يشاءُ‮ ‬نَميمتي
وفَضيحتي
وطَفَقْتُ‮ ‬أَخْصِفُ‮ ‬عُرْيَ‮ ‬أرداني‮ . ‬
أنا المُحْييِ
وآدمُ‮ ‬كلِّ‮ ‬مَعْنًي
لاحَ‮ ‬في أَعْيان أَعْياني‮ .‬
خلعتُ‮ ‬هناكَ‮ ‬أعضائي‮ ‬،‮ ‬
وجئتُكمُوا‮ ‬،
خَليَّ‮ ‬الجسم مُنْبَتًّا‮ . .‬
بلا بَدَنٍ‮ ‬أجيءُ‮ ‬،‮ ‬وليس لي وَطَنٌ‮ ‬،‮ ‬
فلا مُكْثٌ‮ ‬ولا لَبْسُ
ولا حُزْنٌ‮ ‬ولا عُرْسُ
وأهجرُُ‮ ‬كلَّ‮ ‬ما‮ ‬يأتي لعُنْواني‮ .‬
أنا ماءٌ‮ ‬علي قِدْرِ‮ ‬الهَوَي‮ ‬يَغْلي
أُعِيذُ‮ ‬الحُبَّ‮ ‬من شيطان شيطاني
وأغسلُهُ‮ ‬بعشرةِ‮ ‬أَبْحُرٍ‮ ‬،‮ ‬
وتلال ثلجٍ‮ ‬،‮ ‬
ثم أنثرُ‮ ‬فوقهُ‮ ‬رَيْحانةً‮ ‬من
سِدْرَةِ‮ ‬الرحمن‮ ‬،‮ ‬تُزْكي عِطْرَ
رَحْماني‮ . ‬
أنا فُصْحَي الحقيقةِ‮ ‬عندما‮ ‬
يَرْتَجُّ‮ ‬وجداني‮ .‬
وقد أنكرتُ‮ ‬من قبل الجنون‮ ‬يَدي
إذا اختلفتْ‮ ‬عن الأخرَي‮ ‬،‮ ‬
وعشتُ‮ ‬حروبَ‮ ‬سِرِّي ضدَّ
إعْلاني‮ .‬
لنا وثنُ‮ ‬الكلامِ‮ ‬يَنِثُّ‮ ‬سِحرا‮ ‬
تحت أعتاب المنازلِ‮ ‬،
فوق طيات الثيابِ‮ ‬،
علي‮ ‬غصون الغيمِ‮ ‬،
بين شفاهِ‮ ‬عاشقةٍ‮ ‬،
وحين‮ ‬يبيت ليلا بين
أحضاني‮ .‬
لنا وثنُ‮ ‬التصالح بين أضداد الوجودِ
ليأمنَ‮ ‬الذئبَ‮ ‬الأتانُ‮ ‬،‮ ‬وتسكنَ‮ ‬
النيرانَ‮ ‬قُبَّرَةٌ‮ ‬،‮ ‬وتغفو
في مياه البحر نيراني‮ .‬
لنا وثنٌ‮ ‬بما‮ ‬يسري بعرق الأرض من نُسْغٍ
لترقصَ‮ ‬زهرةٌ‮ ‬في مُنتهَي بَصَري‮ ‬،‮ ‬وأنشرَ
عِطرَ‮ ‬إنجيلي وقرآني‮ .‬
أنا بيتُ‮ ‬الصلاةِ‮ ‬لكل أوثاني‮ . ‬
ولي أن أبصرَ‮ ‬القانونَ‮ ‬في الفوضي‮ ‬،
وأن أرفو بخَيْطِ‮ ‬الروح رَمْلَ‮ ‬الناسِ‮ ‬،
حتي‮ ‬ينتشي بالخمر سَجَّاني‮ . ‬
ولي أن أنتشي وَحْدي‮ ‬،‮ ‬وخَمْري قد
صَفا راووقُها‮ . .‬
فالحُبُّ‮ ‬مُعْتَقَدِي وإيماني‮ .‬