وليد علاء الدين من المبدعين القلائل الذين لا تستطيع أن تصنفهم تصنيفا واحداً أوتدرجهم تحت مظلة تواحدة وتظل مرتاحا لحسن صنيعك؛ فهو شاعر رائق اللغة، قاص بارع، وصحافي متمرس، مدير تحرير خبير بشئون العمل الصحفي ، باحث متمكن من خبايا التراث وله مؤلف روائي أقل ما يقال عنه أنه خلاب، بجانب مقالاته العديدة تفي مجالات تالنقد توأدب الرحلات والشأن الاجتماعي والسياسي العام هذا الي جانب ابداعه المسرحي المتنوع. وقد برهن علي صدق موهبته ونضارة أدواته العديد من الجوائز المختلفة التي نالها تباعا مثل جائزة الشارقة للإبداع العربي عن مسرحيته "العصفور". وجائزة أدب الحرب المصرية للقصة القصيرة عن قصة (عرنوس يُصلب من جديد). وجائزة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات (غانم غباش) للقصة القصيرة وأخيرا جائزة ساويرس في المسرح التي نالها في مطلع 2016 عن مسرحية "72 ساعة" عفو. ليظهر بشكل واضح اننا أمام كاتب قادر دائما علي المفاجئة وإثارة الدهشة ليس فقط بتنوع المضامين وتطور اللغة ولكن من خلال ادوات مختلفةت مما يضيف دائما لتجربته ويجعلها اكثر عمقا وثراء. وإن اتخذنا غزارة الانتاج وتعدد الادوات والعلاقات الخفية بين النصوص المختلفة التي ينتجها وليد علاء الدين تمدخلا لقراءة النص الذي بين يدينا لوجدنا الكثير. فالنص المسرحي " 72 ساعة عفو" هو احدث اصدارت وليد علاء الدين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويضم بين طياته ثلاث مسرحيات قصيرة معنونة وإن كان العمل ككل يحمل عنوان إحداها والتي اختارها الكاتب لتقديم مجموعته. ففي النص الأول "صورة يوسف " يميل الكاتب لأسلوب مسرحي قريب الي الميلودارما في كثير من أجزائه من خلال بطل النص الذي يقبع تفي غرفته تالمظلمة يجتر أحزانه والتي تتجسد أمامه وتصارعه توتحاور ويستبدل في كثير من أجزاء النص السينوغرافيا التقليدية للمسرح بشاشة عرض سينمائي لتعبر عن الشخصيات التي جالت في خيال البطل وأثرت في تكوينه وشكلت هويته وهي هوية ممزقة ممسوخة حائرة تئن بشدة من تعقيدات المجتمع وتعالج تتقضية الهوية الدينية والتطرف الفكري وهوس التقييم والتصنيف الذي يعاني منه المجتمع من المنظور الاوسعت ويرصد العديد من السلبيات التي يعاني منها المجتمع كالوساطة والفساد وتجمد الخطاب الديني من خلال شخصية البطل الذي شاءت الأقدار أن يولد لأم قبطية وأب مسلم وبرغم حالة السلام والمحبة التي غمرت بيت الأسرة الصغيرة فان ضراوة المجتمع كان لها النصيب الاكبر في الفتك به توتحويل حياته الي جحيم مستعر وإن كان يحق لي أن أذكر فان " يوسف " بطل المسرحية قد استثمره وليد علاء الدين بذكاء شديد في عمل روائي اخر ما زال قيد الطبع. وقد تميزت المسرحية بمعالجة نفسية دقيقة ورسم يتسم بالفهم الشديد للشخصيات ودوافعها وطبيعة الصراع فيما بينها كمشهد حبيبة يوسف التي تزوجت من رجل ثري مكتنز الجسد يهتز لحمه في ليلة الدخلة وهي تحاول فقط أن تخرج رأسها من بين طياته كل ثلاثة هزات لتلتقط أنفاسها أو مشهد الرجل الملتحي في المصعد تالذي عنفه علي اهتمامه بالموسيقي وأدواتها وإن كانت تلك المشاهد قد تميزت بالاقتصاد في الكلمات والتوتر الشديد في الايقاع النفسي وقد ظهر هذا بشدة من خلال الشخصيتين المحوريتين جورج ومنذر اللذين يبدوان للوهلة الأولي مختلفين جذريا تفي كل شئ فكلاهما علي طرف النقيض دينا وفكريا ولكنهما كما ساق الكاتب ببراعة هما شخصيتان متطابقتان فيتالهوس شديدا الخبث محشوة بالرغبة في فرض السيطرة قادرة علي التآمر متشابهة الدوافع.ت وقد اتضح هذا جليا في حركة الشخصيات المتطابقة علي المسرح في كثير من الأحيان ولكن في اتجاه معاكس ونوعية الاضاءة التي ركزت عليهم ولكن يظل دائما عاصما ليوسف من الفتنة رغبته الشديدة في العلم واعتصامه بأوراقه وقلمه الذي لم يفارقه طوال أحداث المسرحية. والمسرحية الثانية في المجموعة هي مسرحية " 72 ساعة عفو " ويمكنني أن أطلق عليها مسرحية الأسطورة محلية الصنع أو مسرحية الحكاية الشعبية المحلية التي تنطلق كالنار في الهشيم فتستقر في الوجدان الشعبي المحلي والعالمي فقد اعتمد الكاتب في هذا النص علي صنع حدث تخيلي يعتمد علي فرضية لا يمكن أبدا حدوثها علي أرض الواقع وهي إسقاط التهمة عن جرائم القتل في مملكة مجهولة المكان والزمان لمدة 72 ساعة، وأثر ذلك علي المجتمع الذي يحكمه قانون صارم وعرف شديد التصلب وعادات اجتماعية راسخة. ويستعرض الكاتب تفاعل طبقات المجتمع وتحولاتها في مواجهة تلك الفترة بدء من حالة الانتقاد الشديد تحولا بشكل تدريجيا للقبول بل والتخطيط لجرائم قتل، خيل لهم تأنها قد تحول واقعهم للأفضل أو تخلصهم من بعض مشاكلهم، بل وطال الأمر حتي حاكم البلاد السلطوي المتسلط الذي أصبح يخشي علي نفسه من القتل من أقرب الأقربين لسلطته. والمسرحية تقليدية جدا في أسلوب السرد ورسم الحركة والإضاءة والمشاهد، بما يتماشي مع رؤيتها في صناعة الصورة الاسطورية فالفكرة هي البطل والأشخاص هم وقود الحدث الذي يعمل علي استمراره وتناميه. والمسرحية الثالثة "البحث عن العصفور" تقع في منطقة إبداعية وفكرية مختلفة عن صورة يوسف و"72 ساعة عفو" فهي مسرحية تميل بشدة للتجريب وكسر حاجز التوقع والرمزي الشديدة التي تتسم ببساطة التناول وعمق الفكرة من خلال شابين علي مسرح يجلسان علي اطرافة ويتحاوران بشكل غرائبي ويكسر تلك الحالة الحوارية مرور رجل وفتاة يعبران المسرح لرسم حالات وعلاقات مختلفة بين الرجل والفتاة تارة وبين الشابين والرجل تارة اخري وبين الشابين والفتاة تارة اخري ليبدو كأن الشابين كلا منهم انعكاس للآخر والرجل والفتاة كل منهم انعكاسا للآخر في مناقشة لقضايا الحياة الموت والوجود حيث إن أبسط الأسئلة وأوضحت المسلمات محل شك وخلاف كما ورد السؤال علي لسان الرجل "هل تطير العصافير" ولم يصل الجميع لأي إجابة حاسمة في هذا الشان طوال العمل توالنص يحيلنا برؤية عربية معاصرة للعمل الرائع في انتظار جودو لصمويل بكيت من حيث الشكلت وإن كان يختلف عنه جذريا في التناول والطرح والمضمون. وفي المجمل فإن تنوع أدوات الكاتبت قد ظهرت جليا في نصوصه المسرحية التي تنتمي لمدارس مختلفة في الكتابة كما ينتمي هو لأدوات مختلفة في التعبير عما يجول بخاطره وفي النهاية يبدو أن خيط الابداع الخاص بوليد صلاح الدين مشددا بشدة من خلال موهبته المتفردة التي تنتصر في النهاية للمضمون والقيمة الجمالية علي حساب الشكل والتصنيف.