فاز الشاعر والكاتب المسرحي وليد علاء الدين مؤخرا بجائزة "ساويرس" للنص المسرحي عن نص "72 ساعة عفو"، لم يكن هذا النص هو الأول الذي يحصل على جوائز، فكل عمل تقدم به، وليد، إلى أي من الجوائز حصل بالفعل على جائزة، منها جائزة الشارقة للإبداع العربي عن نص "البحث عن العصفور" عام 2006، واختيار "صورة يوسف" مؤخرًا ضمن أفضل 20 نصًا مسرحيًا تقدموا لجائزة الهيئة العربية للمسرح، كما فاز بجائزة "أدب الحرب" 1996 ، و"غانم غباش" 1998 للقصة القصيرة، وغيرها. تحدث الكاتب وليد، في حواره مع "شبكة الإعلام العربية محيط"، عن "72 ساعة عفو"، وصرح بأن هذا النص يدرس حاليا في إحدى الجامعات الأمريكية، وتكلم عن رؤيته لطريقة أداء النصوص المسرحية. ورأى أن هناك تجارب مسرحية حية ونابضة بالروح يقوم بها شباب، مثل التي تقدمها ورشة الفنان خالد جلال، كما أن هناك تجارب مسرحية في الأقاليم والمدن الصغيرة وفرق الهواة تفوق في مستواها الفني ما تنقله لنا الفضائيات من "تسالي المسرح" ولا تخلو من خفة وطرافة وتسلية. ونوه، وليد، عن النص المسرحي الجديد الذي يقوم بكتابته حالياً، وإليكم الحوار: -بداية مبروك الجائزة، وهل توقعتها، خصوصًا أنك نلت سابقًا جائزة الشارقة للإبداع العربي عن نص "البحث عن العصفور" عام 2006، كما اختيرت "صورة يوسف" مؤخرًا ضمن أفضل 20 نصًا مسرحيًا تقدموا لجائزة الهيئة العربية للمسرح، والنصان منشوران في الكتاب نفسه الذي احتوى على نص "72 ساعة عفو"؟ ربنا يبارك فيكي، شكرًا للتهنئة والتواصل، لست من معتادي المشاركة في الجوائز؛ لأنني لست من المتابعين الجيدين للوسط الثقافي من ناحية، ولأنني شخص غير منظم كثيرًا بحيث أتابع متى وكيف وأنجح في استيفاء الأمور الإدارية الخاصة بالتقديم، ولكن المرات القليلة التي تقدمت بأعمالي لجائزة فزت فيها كلها، أو تم التنويه بالعمل الذي تقدمت به للفوز. تقدمت لجائزة ساويريس بالصدفة وساعدني أحد الأصدقاء حين قام بتسليم النص نيابة عني ونسيت الأمر، إلى أن فوجئت باتصال قبل حفل توزيع الجوائز بيومين يخبرني بالفوز. لا أعرف إن كنت توقعت الفوز أم لا، ولكني أحب نص "72 ساعة عفو" وكنت أتمنى له الفوز حتى يحظى بفرصة قراءة، كما أتمنى له فرصة جيدة في العرض على الخشبة. -احك لنا عن قصة "72 ساعة عفو" خصوصًا أنه من المعروف عن كتاباتك أنها تهتم بالمفاهيم الإنسانية، وتتناول القضايا الوجودية المتعلقة بماهية الإنسان والبحث عن الذات؟ قصة "72 ساعة عفو" قصة بسيطة للغاية، وربما يكون ذلك سبب أن تحظى بالقبول، هي قصة دولة من دولنا التي يحكمها حاكم فرد، يقرر الحاكم ذات يوم أن يوقف العمل بعقوبة القتل لمدة 72 ساعة، لاختبار فكرة طرأت على عقله عندما أخبره وزيره أن دولتهم فازت بجائزة أكثر المدن أمانًا لتراجع معدلات الجريمة وعدم حدوث جريمة قتل لمدة 3 سنوات، محاولات الوزراء المتحلقين حول الحاكم إطراءه للحصول على فائدة من وراء ذلك عبر تضخيم ذاته جعلته يقرر هذا القرار الفانتازي، وتستعرض المسرحية بعد ذلك انعكاسات هذا القرار سواء في المؤسسات المعنية: المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية، أو مؤسسة القضاء، وكذلك كيف تعامل الأفراد العاديون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية مع هذا الأمر. يمكنك أن تسمي هذا النص أدب ما بعد ثورة يناير؛ لأن الكتابة انطلقت من قضية أثارتها حالة الفراغ الأمني الذي تسبب فيه انسحاب الشرطة من مراكزهم، ورواج إشاعة أن الناس سوف يقتلون بعضهم البعض وسوف تعم الفوضى لغياب الأمن. النص يحاول أن يناقش هذه الفكرة ويطرحها على الناس للتفكير فيها. -قلت في إحدى حواراتك أن كل نص مسرحي تكتبه يحتاج أداء وطريقة عرض مسرحي مختلفة تتناسب مع القضية التي تناقشها. ما هو تصورك لعرض "72 ساعة عفو"؟ لا أكتفي في كتابة المسرح بالحوار أو التعريف التقليدي للشخصيات والوصف السريع لشكل الديكور؛ لأن الكتابة بهذه الصيغة هي السبب في أن نسبة كبيرة من النصوص المسرحية عبارة عن حوارات خطابية لا بناء نفسي فيها مجرد أصوات تتشارك في استكمال فكرة، وهو في رأيي خطأ كبير يجرد المسرح من حالته المطلوبة. ربما كانت هذه الصيغة مناسبة كثيرًا للمسرح الإرشادي الذي يبدأ من تصور نهائي يريد أن ينقله للمشاهد. المسرح -كما أحب أن أكتبه - هو حالة تفكير أسعى لجذب القارئ والمشاهد إلى داخلها لنستكمل الحالة معا لا لألقنه ما أريد قوله؛ لذلك فإنني أكون حريصًا على تفاصيل كثيرة أعتقد أنها تحقق هذه الحالة. أما عن الشكل الذي اخترته لمسرحية "72 ساعة عفو" فقد اقترحت أن يتم تقسيم المسرح إلى أربعة أو خمسة صناديق، مع استخدام آلية الإظلام والإضاءة حسب دوران الأحداث؛ للإيحاء بأن الأمور تحدث تقريبًا في الوقت نفسه، ووجوب التفكير فيها مجتمعة، وقد كان هذا ضروريًا بالنسبة لي خلال الكتابة لأنني أضبط الإيقاع على أساسه وأخلص الحوار من كل ما يمكنه أن يُفسد حالة التلقي. -هل تلقيت عرضًا لخروج نص "72 ساعة عفو" إلى النور؟ إذا كان المقصود هو نور التنفيذ، فلا، ولكن هناك أنوار أخرى أسعدتني أحدثها طلب تقدم به أحد اساتذة الأدب العربي في إحدى الجامعات الأمريكية لتدريس النص ضمن مساق المسرح العربي المعاصر لطلبته، أسعدني هذا الأمر بشكل مذهل، فما أجمل أن يحصل النص على فرصة تفكير جماعي واعي في تساؤلاته. -حصلت على جوائز عديدة في مجالات أدبية متنوعة، عددا منها كان من نصيب الكتابة المسرحية، ما الحائل أمام تلك النصوص كي تعرض على المسرح؟ لا أعرف القاعدة التي يتم على أساسها اختيار النصوص، ولكن نص "البحث عن العصفور" أو كما عُرف وقتها "يحدث" كان سعيد الحظ فقد تم تنفيذه بأكثر من رؤية إخراجية في أكثر من بلد عربي بواسطة فرق مستقلة وهواة وطلاب جامعيين، المضحك أنني في كل مرة لا أعرف إلا من خلال خبر تنشره الصحف، وفي المرة الأخيرة قرأت الخبر قبل العرض بأيام فقررت أن أحضره، وكان في مسابقة المسرح الجامعي في سلطنة عمان، قدمته فرقة من جامعة السلطان قابوس. كنت سعيدا بحضوري العرض، وإن تمنيت أن أكون شريكًا في تجهيزه لأن رؤية مخرجه ابتعدت به قليلا عن تصوري له. -يعاني المسرح المصري منذ سنوات عديدة من الركود لأسباب عديدة، ترى ما هي أهم هذه الأسباب؟ الركود عندنا حالة متوهمة في أغلب الأحيان، إذا كنتِ تقصدين المسرح التجاري أو عروض التسلية على المسرح، فأظنها مستمرة وتنقلها الفضائيات الآن بكثرة. وهو ما لا تفعله مع تجارب مسرحية حقيقية محترمة وجادة و(مسلية) كذلك، لكنها غير تجارية، كتلك التي يحتشد أمامها الجمهور في انتظار دوره لحضورها كعروض ورشة مركز الإبداع للفنان خالد جلال، أو لعروض المسرح القومي –على كلاسكيتها وتكرارها للمستهلك من أفكار- وغيرها من تجارب مسرح حي نابض لا يعدم جمهورًا ومتفرجين ومهتمين، ولكننا نصر على تكرار الكلام نفسه عن الركود والمشكلات، أليس من الأفضل توجيه طاقة الكلام عن الركود إلى الكلام عن هذه التجارب ونقلها للناس عبر الفضائيات من خلال رعاية وشراكات مع من يرغب من رجال الأعمال في تحريك الانطباع الذي صنعه الإعلام بأن المسرح تراجع والناس لم تعد تقبل على الفن الجيد وغير ذلك من صناعات إعلامية زائفة تخدم صناع الفن الهابط ومسرح التسالي؟! -كيف ترى العروض المسرحية على الساحة المصرية اليوم؟ وما هي إيجابياتها وسلبياتها من وجهة نظرك؟ حدثتك قبل قليل عن تجارب مسرح حية ونابضة بالروح يقوم بها شباب، وضربت مثالا بخالد جلال، أوسع لكِ القاعدة قليلًا: هناك تجارب مسرحية في الأقاليم والمدن الصغيرة وفرق الهواة تفوق في مستواها الفني ما تنقله لنا الفضائيات من "تسالي المسرح" ولا تخلو من خفة وطرافة وتسلية، ولكن من ينقلها للناس لتتغير الفكرة السلبية عن المسرح؟ لا أحد سيفعل. -فاز مؤخرًا العرض المسرحي الكويتي "صدى الصمت" بجائزة الدورة الثامنة لمهرجان المسرح العربي في الشارقة، ما تعليقك على الجائزة، وكان هناك توقعات بفوز عرض "سيد الوقت" للمخرج ناصر عبدالمنعم؟ ما يفعله الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة ينقذ المسرح العربي من حالة الجمود، وفوز عرض وعدم فوز آخر ليس حكم قيمة مطلق على أي من العرضين، إنما هو رأي محترم لمجموعة من أصحاب الخبرة ضمن معايير محددة رأوا أنها تحققت في عرض أكثر من غيره. القيمة في هذه الجائزة أنها تعمل كمحرك جيد ومطلوب لحركة الإنتاج المسرحي. ما يجب أن ننتبه إليه هو تجنب أن يدور إبداعنا المسرحي على محور جائزة؛ لأنه سيكون "مسرح تفصيل"، تخيلي أن يتحول المبدعون إلى آلات تفكر وتكتب وتُنتج وتعمل من أجل دخول مسابقة – مهما بلغت موضوعيتها- فإنها تبقى مرهونة بتصور محدد عن هذا الفن، هل يُنتج هذه إبداعًا؟ المطلوب أن يعاد النظر – والكلام هنا عن مصر تحديدً- أن يعاد النظر من قبل المؤسسات المسؤولة لجعل الإبداع حالة عامة منتشرة في أوصال الوطن وأن يجد شباب المبدعين فرصًا لطرح أفكارهم المسرحية وتنفيذها وعرضها على الناس ليحقق المسرح نموذج حالة التفكير – وليس موقف التسلية الذي نراه الآن. -هل انتهيت من طباعة روايتك الأولى "ابن القبطية" التي كان من المفترض إصدارها بداية هذا العام؟ اتفقت مع دار نشر "الكتب خان" في القاهرة على نشر الرواية في شهر أبريل تزامنًا مع المعرض الجولي للكتاب في أبوظبي، حيث أقيم. وهي فرصة هنا للإشادة بدور هذه الدار الملحوظ في اختيار ونشر الإبداع والفكر، فهي واحدة من دور النشر القليلة التي تعمل بذائقة راقية بعيدًا عن إغراءات الربح والتجارة. -ما هي خططك القادمة التي تنوي تنفيذها؟ مشغول بتدوين مذكراتي عن ثورة يناير التي لم أشارك فيها، وإن كنت من مؤيديها والمتحمسين لها؛ لذلك اخترت عنوانًا لها : "مذكرات ثائر لم يشارك في الثورة" الهدف منها معادلة الكتابات الكثيرة التي يغلب عليها طابع التناحر – بين مؤيد أو معارض- أو طابع التفاخر – بالمشاركة أو الوجود. أقدم من خلالها تفاصيل المشهد الصغيرة كما عايشتها وسمعتها خلال أيام الثورة ومفاصلها الحقيقية. كذلك أعمل على كتابة مسرحية تحقق الهدف نفسه تقريبًا: التفكير في أمر الثورة من زوايا مختلفة من دون تعصب. المذكرات أنشرها دوريًا في مقالتي الأسبوعية في "المصري اليوم" أما المسرحية فأعمل عليها بتؤدة وهدوء في انتظار اكتمالها.