هو طفل، إذن أعطيه ورقة وقلما، وانظر ماذا يفعل؟، راقبه عن كثب، طور موهبته ولا تحبطه، اجعل من الخطوط المتعرجة والدوائر غير المكتملة شيئًا يفخر به مستقبلًا، لا تُجبره علي الألعاب التي يدفن فيها الآباء صغارهم، لا تقل إن الولد لا بد أن يصبح لاعب كرة، والبنت حتمًا ستلعب بفريق السباحة، هذا رائع، ولكن اسأل نفسك أولًا "ما الذي يميز ابنك؟ وما الذي سيجعله متفوقًا علي غيره؟". الرسم للهروب من الواقع، حل سحري يلجأ له العديد من الشباب، للتمرد علي الظروف المحيطة أو المواقف الصعبة التي يمرون بها سواء من الأهل أو الأصدقاء، وهذا ما حدث مع محمد طارق قنديل، أو "رسام الميكرو"، ذي ال25 عامًا، الذي تمرد علي واقع كان يُرهقه دومًا، وهو وزنه الزائد الذي كان يحول بينه وبين مشاركته في العديد من المسابقات الخاصة بالرسم والنحت. القرار لم يكن سهلًا علي الشاب المُكافح، فرفض أصدقاؤه اللعب معه بالكرة لوزنه الزائد، كان يؤرقه الأمر دومًا، فكان يُخرج كل طاقته السلبية في الورق والألوان. قرر قنديل، التقدم للعديد من المسابقات وهو في سن صغيرة، ولكنهم اتهموه بالغش كون هناك أحد يرسم له فمن غير الطبيعي أن يرسم طفل في العاشرة بتلك الطريقة. استمر حلم الحصول علي جسم رشيق يراود قنديل، ويسير معه في نفس الاتجاه حلم الرسم والنحت، وبينما كان يقوم بحمية غذائية قاسية جدًا، أهدته شقيقته قطعاً من الشيكولاتة فظل ينظر لها لأكثر من ساعة دون اتخاذ قرار هل سيأكلها أم لا؟ قرر محمد حينها أن يرسم عليها زاعمًا أنها إذا لطخت بالألوان فمن المستحيل أن يأكلها، ومن هنا بدأت رحلته مع الرسم علي الأشياء، أي أشياء، وظلت الأشياء تصغر فتصغر، وهو يرسم عليها ويرسم. بذور التفاح، حبوب القهوة، أغطية الزجاجات، ورق الشجر، المكسرات بأنواعها "لوز"، و"كاجو"، و"سوداني"، الرسم بالسوائل والمواد الغذائية ك"القهوة" و"الكاتشب"، صنع تماثيل من الورق، كل هذا خرج من قنديل دون أن يُدرك أنه بات مُبتكرًا لنوع جديد من الفنون، وأنه أصبح في تحد مستمر مع نفسه ليرسم علي أصغر الأشياء التي لا يمكنك تخيلها حتي جزيئات الملح، والسكر، وأعواد الثقاب. نجح قنديل، في مهمتيه الرسم وإنقاص الوزن، والتشجيع الذي تلقاه من الجميع جعله إنسانًا جديدًا مبتكرًا، والحلم الذي يراوده الآن هو الرسم علي الفضة وعلي الإكسسوارات وداخل ساعات اليد. وقال محمد، إن رسم البورتريه العادي يصل إلي ساعتين، أما الرسم علي الحبات الصغيرة فيحتاج إلي دقائق معدودة لا تتعدي النصف ساعة"، ورغم موهبته في الرسم فلم يستطع محمد الانضمام إلي كلية الفنون الجميلة، قائلًا :"كان نفسي أدخل فنون جميلة بس المجموع دخلني تجارة في الآخر"، ولم يتوقف الشاب العشريني أمام هذه العقبة وتخطاها وقرر أن يطور نفسه ويستمر في الرسم ويشارك الجميع برسوماته، حيث لم تقتصر موهبة محمد علي الرسم بل تميز في النحت أيضًا، حيث دخل نطاق موهبته الفنية الفريدة وجمع بين النحت والرسم في آن واحد.