كلمة الصيد بالبدوي الغربي لا تعني الصيد أو المتصاد ولكن الود الفهد السريع المرن اللي يخُطف الطير ويفلت من أي حاجة وأي حد، والصيد هو التعلب اللي بيطب ع الفراخ ف البيوت. والصيد كده، فهد يخطف الطير، طويل وأسمر ومرن وممشوق القوام وليه وش وملامح وعيون حادة صريحة واثقة حتي ف الكدب، وهو م الجيل السادس، الجيل اللي هو عمه والمفروض يقوله يا عمي لولا شوية سنين، مش عارف اسميه إيه، جيله الخامس، أنا سميته جيل العربيات الفارهة.. وجيل النفخة الكدابة لو عايز تشتم، وجيل أبوه، جيل الستينات، سميته جيل الفقر القاطع.. وجيل الفشل الذريع لو عايز تمعن ف الشتيمة، وبينهم جيل السبعينات، ودول جيل الفنانين، كل واحد كان ضارب بأي شكل من الأشكال، واللي بيشعر واللي بيرسم واللي بيروي واللي بيعلّق صور رقاصات خليعة في قلب المنضرة، وأغرب ما فيهم إنهم حتي في الملامح والله - والمأساة طبعا - شبه رموز جيل السبعينات الشعري في مصر، وأنا سميتهم جيل الرؤوس العارية والوجوه الحليقة.. وجيل الضياع الحتمي لو عايز تشتم، وهو جيل عجيب حقا، كلهم بدون استثناء كانوا بيضربو حاجات، من ابن العمدة لابن الغفير، م البيه المتعلم ناظر المدرسة حتي الفلاح اللي م الغيط للبيت للجامع، واللي مبيشربش بينهم هو الأبله الهفيّة اللي ملوش أي قيمة، ياكل ويشرب ويروح الغيط ويرجع ينام زيه زي أي حيوان علي رأي أحد عمدهم، وكلهم بدون استثناء عمّدو نفسهم بنفسهم في فروعهم وعزبهم وعائلتهم كلها.. هبقا أقولك علي موضوع العزب، جبت سيرتهم ف الفاعل، التسع عزب، التسع نجوع اللي بقوا عزب كبيرة لها مدارس ومراكز وأندية كبيرة تنافس علي دوري المنطقة، وكلهم ظابط حياته ومجوز عياله وبيتلفّت حواليه علي أي واحدة، وكلهم يري في نفسه العمدة اللائق والأحق بعمدية العزبة، عزبتنا الام، أم النجوع والله، مصر أم الصابرين وهيا أم النجوع، أو خليها كبيرتهم وآويتهم وحاميتهم لأن الحوش موطنهم الأصلي، وتبعها التسع نجوع اللي بقت عزب كبيرة معدودة ع الخريطة بمدارسها ومستشفياتها وجمعياتها الزراعية، وطبعا كل واحد متقدم رسمي للعمدية ف المركز وفق قناعة تامة بأنه الأحق والأجدر منهم جميعا، مان هضول أو مين دول حسب جلابيتهم ولهجتهم الجديدة ورؤوسهم العارية، واتعطلت واتوقفت عمديتنا رسمي، ولكن بقي عندنا ييجي ست عمد متعمدين في بيوتهم، من حيث المندرة المفتوحة وحل المشاكل والجري علي الشرطة في حال القبض علي أي واحد، وطبعا من حيث الطمع في المناب الكبير والمكان المتصدر في أي حاجة، ودول اول ناس في صنفنا، في قبيلتنا الرماح خصوصا والبدو المصريين عموما يعروا روسهم ويلبسوا الجلابية اللي بلياقة وجيب محرود ع الصدر ف البيت والغيط والبدلة الكاملة في الصور، ودي نقلة مش عارف مرت ازاي وسادت كده، فجأة خلعوا الجلابية العربي ام كمام وسديري والقفطان اياه وبقوا أفندية بروس عريانة، وهذا ما صاحبه انقلاب عجيب لملابس النساء في نجوعنا، تحرر واناقة ورغبة ف الفرح والافتان، وظهر الفستان المحزق المقور اللي لحد الركبة، والحقيقة إن بناتنا أو خليها بعض بناتنا او خليها النادرات من بناتنا انيقات، محبات للجمال واللبس والجسم والاناقة، وبنات جيل السبعينات بالذات كانوا حكاية ف الحكاية دي، كنت تطلع ع الترعة أو الغيط أو السطوح نفسها تلاقي الألون بتلعلع، جلاليب نص كم ومقورة وتقهر وتفرح والله، مفيهاش ضرر لأي انسان بالعكس فرح ومتعة وانشراح، طبعا النقاب والحجاب دهملهم م التسعينات، نعم التسعينات، النور والضلمة، البُشري والنذير، الحصاد المر اللي زرعه السادات وفجره.. الحقيقة مش السادات بس السادات كشف غطا البكابورت القاتل فقتله. ما علينا خلينا ف سبعيناتنا.. كتير من بناتنا انيقااات جدا وعلي أحدث ازياء الموضة حتي في عز النقاب، لكن ديما فيه ودن، سواء كانت ودن البنت الجميلة اللي ماشية تتنطط بشعرها وسط هذه الغابة السوداء الدامسة بالمنتقبات، أو ودن الاناقة نفسها، تلاقي البنت لابسة طقم علي أحدث موديل وطالع من تحته ودن سواء ودن المريلة او ودن جلابية الخبيز أو ودنها هي شخصيا إللي ما يعلم بيها إلا ربنا، ولي خاله أمية وقورة وشرسة الحقيقة، كانت مسئولة عن ازياء بنات النجع وخياطته الوحيدة المتسلطة، وكانت بتتحرك في الأفراح والمناسبات ببدلة خضرا تحت شرخة فلاحية ملونة بفيونكة عالية بأربع ودان. والد الصيد من هذا الجيل، جيل السبعينات، وكان أول واحد يخلع العمة والطاقية والجلابية العربي والقفطان والعروبة نفسها ويمشي باعتباره انسانا مدينيا متحضرا، والشاعر قال فيه " داير افندي ودايرلي راديو بولندي هابا لو تسمع أخبارا "، وفي ذلك الوقت لم يكن في عزبتنا والمنطقة كلها إلا راديوين وثابتين ميتحركوش وبطارية، وكان متنغنغ من يومه، البعض يري أن اللي بوّظه، أو حضّره لدرجة البوظان أو عوّقه وتعبه ف الحياة الدنيا هو الإمعان ف النغنغة، اتولد في حجر عجوز قوية ناجحة غنية خذلها كل الرجال، كل الرجال من اول الاخوة اللي كلوا الميراث وأبناء العم اللي عايزين ياكلوه أو كلوه فعلا، لحد الزوج اللي مات صغيرا وأخوه الطماع الطاغية، لكنها انتصرت عليهم جميعا وبقت أغناهم، ميت فدان وفي أجود الاراضي اشترتهم بكد يديها ومبقاش إلا الولد اللي هيعوض، وجه والد الصيد، ابيض وطويل ومهيب وابن أمراء فعلا.. لكن دا موضوع تاني خالص خلينا ف الصيد. لما سافر أو اضطر للسفر كان قضّي الجيش بالحيلة وكان عمل كل اللي يخطر علي بالك من أمور الشقاوة والسرقة والخطف والتحرش وكل حاجة، وكان لما يروح الفيوم المدينة يعمل في بنات الفيوم فواجع، ويطلع عليهم فجأة عريان تماما وف أحوال ميعلم بيها إلا ربنا، وف يوم عمل كارثة، شرب، خلّّط مشعارف إيه علي مشعارف إيه وخطر عليه فلاح غلبان من عزبتنا تقريبا رد عليه في حاجة أو رفضله حاجة وهو فايق، وتملكته مشاعر الانتقام وتأججت مع الانفاس والكاسات أو يمكن تكون برشامة عجيبة دفعت الصيد لجيركن الجاز والهجوم علي بيت الفلاح المسكين اللي أساسا كله بوص وليف ومتفجرات أخري وولع فيه، ولما هبت النار فاق وانتبه للمصيبة ولولا انه انتبه وبقي يصرخ ويخبط ع البيوت ف الفجر لاتحرقت عزبتنا كلها، وف الواقعة دي أصيب الصيد الإصابة الجسدية الأولي، اتلم الناس وانتبه للمصيبة وعاد يشارك في اخمادها من فوق حيط البيت، وكانوا يناولونه الماء في حلل وأوان وكان ينترها علي النار بمنتهي القوة والحماس وهو مغمّض عنيه، وف مرة ناوله واحد جركن، نتره ع النار فخده معاه في قلب النار، واتشفشفت رجليه ولكنها لم تحل ابدا دون قدرته الجبارة علي الجري والتسلق والزلّق والزوغان من أيتها حكومة وف أيتها بلد.. ع الاقل ف تلت بلاد، مصر وليبيا وايطاليا.. مصر دانيال اطسا الفيومالقاهرة الأسكندرية وشرم الشيخ، والاخيرة كهارب أو عابر أو جي من إيطاليا خايب ومكسوف ومش عارف يعمل إيه، وليبيا طبرق بني غازي البيضا سرت ومصراته وطبعا سبها الشرارة الأولي من عندي أنا، وبعدين إيطاليا لمبادوذا وسيسيليا وميلانو وغابات ميلانو وخرائبها العامرة. طبعا الصيد مش حرامي ولا يمكن يكون حرامي لا قبل ممشي إيطاليا ولا بعد م رجع من إيطاليا، وسرقاته لا تعدو كونها شيطنة شباب، مرحلة بيمر بيها اللي جدودهم لهم شعر عظيم في فروسيتهم في النهب والسطو المسلح، وربما الشباب كلهم كده، حب الفتونة والمتعة ومفيش مانع من الخطف لزوم الاكل، خطفاية كده لزوم الكيف والسهرة، ولكنها طولت معاه، وهو من ناحيته استهبل ونط ع البيوت ف نصاص الليالي وفقد الثقة وبقي لا يطاق، هو نفسه مش طايق نفسه، ومكنش فيه حل إلا الهرب إلي إيطاليا. فقيد أكتوبر اللي كان هيضيعه الصيد في الأول سافر إلي ليبيا كمهرب، حته يتاوي فيها لحد م الناس تنساه وتنسي جرايره، ونزل علي واحد من قرايبنا كان من مفقودي حرب أكتوبر 73 بل موتاها اللي