تظل العروسة علي تنوع أشكالها واحدة من أكثر الأشكال الفنية التي وظفها العديد من الفنانين التشكيليين بمختلف الدلالات والتي تنوعت كثيرا بين عروسة المولد الشعبية والعرائس الماريونت والعرائس القفاز، بل إن الفنان عصمت داوستاشي اشتهر بتوظيفه العرائس البلاستيكية في كثير من أعماله المركبة التي عبر بها عن الكثير من المعاني وأهمها نبذ العنف . انضمت الفنانة نجاة فاروق بمعرضها الفردي الثاني الذي أقامته مؤخرا بجاليري الكحيلة بالمهندسين إلي قائمة الفنانين المغرمين بفكرة العروسة حيث قدمت معرضها بالكامل تحت عنوان "عروسة ورق" .. إلا أن اللوحات تضمنت العديد من أشكال العرائس الأخري لتبدو المرأة في كثير من اللوحات متحكمة بعروسة أو بأخري . ويبدو ارتباط فكرة العروسة الورقية بالفنانة نجاة منذ طفولتها حيث تقول :كانت جدتي تصنع لي عروسة ورق ثم تقوم بثقبها من أعين الحاسدين وتتمتم لها ببعض الكلمات، ثم سرعان ما تلقي بها إلي جمر مشتعل فتحترق مع البخور،وعبر صعود الدخان لأعلي كانت تحلق معه روحي وأحلام طفولتي التي تتلاشي في زرقة السماء .. أري أشخاصا تتحرك وتسكن .. تتكلم وأحيانا تلوذ بالصمت كنت أري بعد اشتعال العروسة الورق اللون الرمادي وهو يتطاير مع زرقة السماء. وللعروسة الورقية الكثير من الدلالات التي عبرت عنها الفنانة قائلة: وكأن "العروسة الورق" ساحرة أليفة، تترجم حقيقة المجتمع وضوابطه ومعاييره الثقافية والتراثية التي قد تجنح إلي الأسطورة أحياناً، وتحتل مكانها في الحكايات.. إنها تميمة الخائفين من حسد وشرور الآخرين، وكأن هذه الضعيفة الشكل قادرة علي أن تسحق الشر ذا الجسد الضخم، والحسد بعيونه المخيفة.وهي أيضاً تمنح المتعة للبسطاء، وهم منشغلون في تشكيلها، ولو أنني تمكنت من الدخول إلي وجدان أحدهم في تلك اللحظة، لوجدت عروسة أخري من شحم ولحم، تجلس في انتشاء، لكنها ليست لها ملامح محددة في الوجه، إنها جسد تعلوه ابتسامة، ولو أنني تسللت إلي عقل طفل ينظر إلي من يكبره سناً وهو يشكل تلك العروسة، لوجدته يراها الأم في عطفها، أو الأخت في حنوها، وهي قادمة لتنقذه من براثن الخوف والرهبة. إن مما لا شك فيه أن العروسة الورق هي أشهر أساليب التغلب علي السحر، وهي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالفلكلور الشعبي الذي اتضح كثير من مفرداته في لوحات نجاة فاروق من خلال الزخارف التي احتشدت بها أعمالها. ضم المعرض 34 لوحة تصوير بألوان الإكريلك والزيت علي ورق وكانفاز .. وإذا كانت العروسة هي متنفس الباحثين عن الخلاص من الحسد فإن الفن هو أيضا سبيل الخلاص إلي نجاة فاروق التي تقول : الورق والفرشاة هما طوق نجاتي، ألوذ إليهما لأبث لهما شجوني، وما أشعر به من خوف وغموض، وتظل ذكريات الطفولة هي النوستالجيا التي تجعلني قادرة علي الاستمرار في مسيرتي التي قد أكون مسيرة فيها أو مخيرة.. لا يهم.. ولكنني مضطرة لاستكمال الطريق.. المؤكد أن لوحات هذا المعرض، ما هي إلا نتاج حوارات، ومداعبات، ومودة، وغضب، ورضا، وسخط، وصمت، وحديث، ونأي وقرب.. بيني وبين "عروستي الورق". رغم تخرج الفنانة نجاة فاروق من كلية تربية فنية عام 1987 ، إلا أن هذا هو المعرض الفردي الثاني لها بعد معرض " ذات النجاة ، كحيلة " الذي أقامته العام الماضي بقاعة كمال خليفة بمركز الجزيرة للفنون . وتمارس نجاة فاروق الفن منذ وقت بعيد إلا أن سفرها خارج مصر وانشغالها بتربية أبنائها الأربعة قد شغلها لفترة عن تقديم معارض خاصة بها رغم وجود عدد من المشاركات الجماعية لها. وقد حصلت نجاة فاورق علي درجة الماجستير في التصميم عام 2014 ، وهي حاليا تقوم بإعداد رسالة دكتوراه، وهي تشغل منصب المشرف علي إدارة الفنون التشكيلية بصندوق التنمية الثقافية.