بادرت الدولة وأعلنت منذ أيام قليلة السماح بزراعة 700 ألف فدان أرزا للموسم الجديد الذي يبدأ في يونيو 2017. وهذا الإعلان المبكر هو خطوة متقدمة للإعداد الجيد للموسم، بدلا من مفاجأة المزارعين بالمساحات المقررة ومواقعها علي كل ترعة، في نهاية يناير كما كان يحدث كل عام. خصوصا وأن تقليص المساحة من مليون ومائة ألف إلي سبعمائة ألف فدان هو قرار جرئ يحتاج تحضيرا وإعدادا، حتي يمكن الالتزام به وتنفيذه، وإلا سيصبح مصيره مثل مصير قرارات الأرز خلال العشرين عاما الماضية والتي كان يتم ضرب عرض الحائط بها ومخالفتها بنسب تصل إلي 120%. والحقيقة أن المساحة الجديدة هي المثالية لزراعة محصول الأرز طبقا للظروف المصرية المحكومة بكمية مياه محدودة لا تتيح التوسع في زراعة المحاصيل شرهة استخدام المياه كمحصول الأرز، وفي نفس الوقت فان الناتج الإجمالي من المساحة الجديدة وقدره 3 ملايين طن أرز شعير سيكون كافيا للاستهلاك المحلي بدون حاجة للاستيراد، وبسعر جيد سواء للمزارع أو للمستهلك، كما أنها تعود بنا للتركيب المحصولي المثالي للأراضي الزراعية والتي علي أساسها تم إنشاء السد العالي. لكن التحدي يكمن في كيفية اقناع المزارعين بالالتزام ب700 ألف فدان بينما لم يكونوا يلتزمون بالمساحة الأكبر وهي مليون ومائة ألف فدان. بل تجاوزت المساحة الفعلية هذا العام 2 مليون فدان. ومواجهة هذا التحدي يتطلب الاستعداد للموسم الصيفي الجديد بإجراءات تنفيذية تساعد علي إنجاح الموسم الجديد والعبور به بالحد الأدني من المشكلات. نحتاج أولا إلي تفعيل إجراءات تطبيق غرامات الأرز للعام الماضي 2015 والحالي 2016 من خلال تحويل المخالفات للجهات القضائية تمهيدا لتحصيلها من المخالفين، مع التواصل مع وزارة العدل لتبسيط إجراءات التغريم والتحصيل بحيث تنتهي كلها قبل شهر فبراير 2017، وهو موعد بدء زراعة المحصول الجديد من الأرز. نحتاج ثانيا الإعلان المبكر عن السعر الجديد لمحصولي القطن والأذرة، في شهر ديسمبر أو يناير القادم علي أقصي تقدير، علي أن يكون السعر منافسا للأرز ومعوضا للمزارعين عن التمسك بزراعته، مع توفير بذرة القطن في موعد لا يتجاوز شهر مارس وهو شهر زراعة القطن، حتي لا يتأخر موسم الزراعة ويضطر الفلاح لزراعة الأرز. الإجراء الثالث يتعلق بالشبكة الضخمة من الترع التي تتجاوز الخمسة عشر ألف كيلومتر، وتحتاج لتطهير مستمر من مخلفات القمامة التي يتم إلقاؤها فيها بشكل يومي، فيجب الانتهاء من كل عقود التطهيرات قبل شهر مارس لتسهيل مرور وانسياب المياه. مع تنسيق تام مع الوحدات المحلية التي تشرف علي المناطق السكنية المجاورة للترع، للتخفيف من حمولة القمامة التي تتلقاها المجاري المائية يوميا وتؤثر علي انسياب المياه خلالها. والتي لا تستطيع وزارة الري ان تتحمل مسئوليتها وحدها بمعزل عن باقي الجهات التنفيذية. الإجراء الرابع هو الإصرار علي استمرار قرار مجلس الوزراء بحظر تصدير الأرز لمدة عام كامل بلا استثناءات، وعدم الخضوع لضغوط المصدرين مثلما حدث العام الحالي، وتم فتح باب التصدير في مارس الماضي ليستفيد كبار التجار الذين قاموا بتخزين الأرز بعد شرائه من الفلاحين. هذا الإصرار سيساعد في تحجيم المساحات الجديدة كما سيزيد من مساحة المصداقية للقرارات الحكومية التي أحيانا ما تتعرض للتغيير والتبديل ويأتي الإجراء الخامس من خلال إطلاق حملة إعلامية لتوعية المزارعين بكل الإجراءات السابقة التي تم اتخاذها، ليبدأوا الاستعداد المبكر لها. وهذه الحملة يجب ألا تعتمد علي وسائل الإعلام فقط لكنها يجب أن تستخدم آليات التواصل المباشر مع المزارعين من خلال الجمعيات الزراعية وأعضاء جهاز الإرشاد الزراعي والتوجيه المائي. فالاتصال المباشر قد يستغرق وقتا أطول، لكنه الأكثر تأثيرا وإقناعا من كل وسائل التوعية المعروفة. الإجراء السادس يركز علي إشراك كل المعنيين بالمياه والأرز في مصر في كل القرارات المتعلقة به، بحيث لا تقتصر علي الجانب الحكومي فقط. هناك شرائح مهمة لها تأثير مثل: روابط مستخدمي المياه ونقابات الفلاحين، واتحاد الصناعات، والغرف التجارية، والمجتمع المدني بجمعياته المهتمة بالبيئة. بالإضافة إلي الجهات التشريعية مثل لجان الزراعة والري بمجلس النواب والمجالس الشعبية المحلية. هؤلاء جميعا يجب أن يكونوا شركاء في تنفيذ القرار والالتزام به. إن عام 2017 هو عام شديد الأهمية والحساسية في إدارة مواردنا المائية المحدودة، وإذا نجحنا في إدارة المياه خلال موسم أقصي الاحتياجات الصيفية، فسيكون الطريق مفتوحا لمزيد من النجاحات خلال السنوات المقبلة إن شاء الله.