اكتشفت أن العم صلاح بقدر ما أسعده عبور الجيش المصري من النكسة إلي العزة والكرامة.. بقدر ما عرف الحزن العميق طريقه إلي القلب.. فقد صلاح عددا من أصدقائه .. أصدقاء ذلك الزمن الجميل حيث لا مصلحة ولا منفعة فيظهر الانسان أجمل ما فيه في أوقات الشدة وفي غيرها من الاوقات والحق أقول إنني لم أعرف من أصدقاء صلاح من أبطال ونسور سلاح الطيران سوي واحد منهم فقط لا غير لاتزال الذاكرة تحمل اسمه ورسمه فقد كان خليطا من رشدي أباظة علي أنور وجدي مضافا إلي الشكل خفة ظل لا مثيل لها وعشقه للحياة والمرح والبلد ليس له مثيل علي الاطلاق وأنا كنت في تلك الايام أحسدالعم الغالي صلاح وصحبته الطيبين علي كل هذه الكوكبة من الحسان.. جمال لم أعرف له نظيرا .. وبنات كلهم بغير استثناء قمرات زي الشربات مش عارف راح فين هذا الصنف الممتاز كان سمير ناشد الطيار والوسيم والعم صلاح الفنان المحبوب منذ أطل علي الناس في دور ممدوح في مسلسل »لا تطفئ الشمس » كانا ثنائيا رائعا و أول سيارة أراها وقعت في حظها العاثر ليقودها العم صلاح هي الفيات 500 الحمراء التي كان يملكها سمير ناشد.. كانت السيارة تذهب إلي صلاح كلما ذهب سمير إلي قاعدته أو في تدريب أو في مهمة.. والحق أقول إن كل أصدقاء وزملاء سمير ناشد الذين وقعت عليهم عيني بعد ذلك كانوا من هذا الصنف من البشر.. حكي السعدني المتوسط صلاح همه وغمه وحزنه للسعدني الأكبر محمود بينما كنت أصغر سعدني غير مسموح لي بالحديث أو السؤال في حضرة الكبير فكنت أسمع فقط لا غير ولكنني وجدت نفسي أبكي لبكاء عمي صلاح علي خيرة الاصحاب والاحباب الذين فقدتهم لا شلة صلاح وحدها ولكن مصر بأكملها.. كانت مصر التي اتحدث عنها لا تشبه مصر الموجودة هذه الايام كان الاعلام هو مبني ماسبيرو نجومه هم الذين تربعوا علي عرش القلوب وكان الغناء يخاطب الوجدان ويحفز الهمم ويدعو إلي البناء و إلي الفداء وكان كتاب مصر العظام في هذا التوقيت هم الأعظم قامة والأعظم أثرا في تاريخنا.. وحاول السعدني الكبير أن يهدئ من روع صلاح ولكن اكتشفنا أيضا أن للكبير مأساته وأنه كتب كلمة يحيي فيها جيش مصر العظيم وانتصاره الكبير ومعه قادة الجيش ورئيس مصر الذي كان علي خصومة مع السعدني في ذلك الوقت الرئيس السادات ولف السعدني كما يقول.. دوخت دوخة الارملة بين الصحف حتي ينشر هذه الكلمة ولكنهم رفضوا جميعا.. وظل السعدني يذكر بالفضل ويحفظ جميل وعرفان العم موسي صبري الذي بذل جهدا خرافيا لدي مؤسسة الرئاسة لكي يري مقال السعدني النور.. ولكنه أخفق.. وقد كان السعدني الكبير عصيا علي الدمع يحتفظ في نفسه بمشاعره فلا يبالغ فيها لا في وقت الفرح ولا في وقت الضيق والحزن.. ولكنني وربما للمرة الاولي أضبط السعدني الكبير باكيا بالدمع.. وزاد من حزنه أن الجيش طلب من كبار التجار في الجيزة أن يساهموا في المجهود الحربي بسيارات النقل وهنا كان للحاج سيد مخيمر شيخ مشايخ تجار الجيزة وأحد أكبر تجار الغلال في مصر بأكملها أن يكون له فضل جمع كل سيارات النقل في الجيزة وتسليمها إلي العساكر الذين اتجهوا بها لدعم اخوانهم علي جبهات القتال يومها طلب السعدني ان يساهم بسيارته ال 128 ولكن طلبه رفض هو والحاج إبراهيم نافع الفلاح الفصيح الذي يعرفه كل أهل الجيزة وكان يركب أيامها سيارة عجيبة الشأن اسمها »فيات» أطلق عليها أهل مصر تسميتهم الخاصة فسموها فيات »قردة». وللحديث بقية