سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جلسة الوفاء ضمت شقيقه «صلاح السعدني» والمحبين والمقربين حمدي حمادة يكتب: رغم الرحيل.. السعدني سبق وتنبأ بثورة ميدان التحرير وسيظل الكاتب والساخر الجميل
· كان يقرأ الغيب عندما كتب في كتابه «أمريكا ياويكا» وبالحرف.. يوما ما في الخمسين عاما المقبلة سيصبح رئيس الولاياتالمتحدة رجلا · في مكان جلسة السعدني المحببة جلس «صلاح» وحوله السفير والي والمهندس حمادة نافع والدكتور الفقي والإذاعي كامل البيطار والعديد من المقربين · في نصف كلمة قال أحمد رجب: إن شارع الصحافة فقد ابتسامته وبهجته وضحكته برحيل أعظم كتابها الساخرين · كان السعدني كالنسمة المعطرة وكان لا يحب التعالي والقنعرة أو الفشخرة! منذ ما يقرب من 387 يوما كان الرحيل لعمنا وكاتبنا الساخر والجميل والعاشق للكلمة الساخرة وليست الفاجرة.. الاستاذ وعمدة الحكاوي «محمود السعدني».. والتي كان يحكيها بجلساته ولو علي «القهاوي» ومنذ أن عرفت قدماه الطريق إلي قهوة «عبدالله» بالجيزة وكانت المنتدي الفكري والثقافي لنجوم السياسة والأدب والفن بجميع أطيافه! رحل السعدني وفاضت روحه إلي بارئها يوم 4 مايو من عام 2010 وتشاء الأقدار بألا أكون متواجدا في البلاد وكنت علي بعد آلاف الكيلو مترات. كنت في غربة سفر لم تتعد الخمسة أيام وعلمت بنبأ الوفاة في يوم وداعه وانهمرت دموعي علي من كانت نظراته أبلغ من أي كلام رغم أنه كان الحكاء العظيم.. يقص الحكايات والحواديت وكأنها حاضرة حتي بشخوصها لاجادته التامة لصوت من يتناولهم في حواديته حتي النحنحات والتعبيرات كانت تنطبق وتتماثل عن من يتحدث عنهم وبحب بالغ وساخر وشيق.. من كان يستمع «للسعدني» كان لا يجرؤ علي استيقافه أو مقاطعته.. كانت جلساته في نادي الصحفيين بشارع البحر الأعظم في الجيزة تضم المشاهير والنجوم ومن كان يحب أن يستضيفهم.. كنت تجد الكبار من رجالات «مصر» في كل العهود.. كان «السعدني» يقدم لهم علي أطباق الود أحلي ما مر به في حياته وأجمل ما رأي في لقاءاته وسفرياته وأروع ما عايشه في الذكريات والمواقف وأقسي ما عاناه في حياته وتفاصيل اللقاءات مع الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ والقادة والمشاهير.. كان يقص الحكايات عن من تناولهم في كتبه ومذكراته ومسرحياته وصداقاته مع الكتاب والشعراء والفنانين وحتي لاعبي كرة القدم من المشاهير وكان يسعد بسرد الحواديت عن الصعاليك والمهمشين وأبناء السبيل.. كان يروي ما تعرض له من محن اقتياده للسجن ويروي المواقف الإنسانية النبيلة عن حبيبة قلبه أم الأولاد الحاجة «مكارم» التي كانت تتحمله ولم تغضبه في يوم من الأيام وكانت تتركه علي راحته وكانت الملهمة في ابداعاته ولم تحزن أو تمتعض من تصرفاته لأنها كانت الصدر العطوف والحنون لأنه أبو «الأولاد» الكريم والراعي للأسرة الصغيرة والتي يقدرها إلي درجة الاحترام اللامتناهي والتي جعلته كبير العائلة السعدنية التي تضم الصبيان والبنات والأحفاد والأقارب.. و«السعدني» كان «عمدة» مصطبة الكلام والطريف أن صديقه الحميم كان العمدة وابن البلد الراحل الحاج إبراهيم نافع ذو الجلباب الشهير.. وكان الفلاح المثقف فكان لا يفارق «السعدني» حتي في سفرياته إلي «لندن».. كان خليله وحبيبه وكنا نلمس ذلك عن قرب وسعدت في حياتي الصحفية بالارتباط الوثيق بهما وما أحلي معايشة «السعدني» والحاج إبراهيم نافع وتشاء الاقدار أن مثواهما في الدار الآخرة متجاوران حتي في «الممات» كما كانا في حياتهما.. ولأن «السعدني» كان عمدة لاتجد الدهشة والغرابة عندما جسد شقيقه الفنان «صلاح السعدني» دور العمدة في ليالي الحلمية ببراعة تامة حتي في طريقة كلامه ونهنهته وقفشاته ونظراته وتعبيراته ومخارج الكلام ومشيته وارتدائه للعباية أو البدلة أو حتي الطربوش! وفي ذكراه جلس «صلاح السعدني» وارتسمت علي ملامح وجهه مسحة الحزن لفراق شقيقه الأكبر الذي كان يحتويه بحبه ويرعاه ويا طالما كان يذهب إليه وهو طالب بكلية الزراعة بجامعة القاهرة وبرفقة زميله «عادل إمام» لأخذ «المصروف» وبكل معروف وبحنان وحب فياض.. والسعدني كان «وفيا» لأساتذته وتلاميذه ويا طالما قص لنا عن حواديته مع المبدع «كامل الشناوي» وعن «زكريا الحجاوي» الذي كان أول من قال له يا استاذ! و«السعدني» تشرب المحبة والتعامل الإنساني النبيل منذ صغره رغم شقاوته! وكانت شقاوته ليس شقاوة الاجرام بقدر ما كانت شقاوة المقالب الصحفية التي تثير الضحك بالسخرية والانسجام والمشاغبة والمداعبة والملاطفة والفرفشة التي تضفي البسمة علي الوجوه فتنطلق الضحكات والقفشات والنكات لأن السعدني كان يمقت الكآبة فيعطي من زاده السعادة.. رحل السعدني وفي القلب «الحسرة» وفي مقلة العيون الدمعة لأنه أصبح الآن في السفر الأبدي فرحل «جسده» عنا ولكن بقيت روحه هي الباقية ولأن الموت لا رجعة فيه فلا يستأذن أحد إذا حان الأجل المحتوم ولأن العمر حدده الخالق الواحد الأحد والذي لا يشاركه أحد في ملكوته.. «والسعدني» اعترك الحياة وقاسي وآسي وفكر واجتهد وصارع تلك الحياة وكأنه كان في حلبة الملاكمة أو المصارعة فكان يخرج منتصرا وفائزا.. تقاذفته أمواج القسوة وأعاصير الرياح فكان الملاح الماهر لأنه كان المغامر وليس بالمقامر.. رحل «السعدني» الشقي منذ عام بعد أن تخطي ال82 عاما وصدق المثل بأن «عمر» الشقي بقي! وطبعا البقاء ليس علي طول الدوام لأن هناك وقتا يحدده الخالق الرحمن.. رحل عن دنيا البهجة ابن قرية «كفر القرنين» التابعة لمركز الباجور بالمنوفية والذي عاش طفولته في حواري الجيزة التي عشقها ولعب في حواريها وشوارعها «الكرة الشراب» مع صديقه الرسام «طوغان» ويا طالما مشيا علي شط نهر النيل حيث تحلي الحواديت والحكايات والمواويل.. «والسعدني» كانت أحاسيسه مرهفة وصادقة وكان يكتشف الشخص الخسيس والخبيث والكاذب حتي لو تظاهر بأنه «صادق»! لأنه كان اللماح والفصيح ويرفض التدليس أو حتي التهييص!.. وأنا لن أنسي نصيحته عندما قال لي في جلسة صافية ضمت صديقه الحميم الحاج إبراهيم نافع وابن شقيقته الدكتور إيهاب عفيفي ومحاسب نادي الصحفيين عبدالمنعم حمادة والحاج سعد قطب والحاج رضا مخيمر.. قال لي «لا تكن إمعة أو بردعة.. أو صاحب منفعة» ويومها ضحك كثيرا عم «طوغان» الذي امتدت صداقته للسعدني لأكثر من 60 عاما ومازال محافظا علي عطر الذكري ويتحدث بأسي الآن عن فقدانه لصديقه وخليله رغم ما سبق وباعدت بينهم الأيام أثناء سجنه ورحيله عن البلد في عهد الرئيس السادات وكانت محطات التنقل والسفر بين دول الخليج والعراق وإلي أن استقر به المقام في «لندن» مدينة الضباب والتي طار إليها وحلقت به طائرة الرحيل فوق السحاب إلي أن هبطت في بلاد الإنجليز ولأنه كان «الحكاء» الكبير كتب «مسافر علي الرصيف» و«ملاعيب الولد الشقي» و«الموكوس في بلد الفلوس» و«رحلات ابن عطوطه» و«أمريكا ياويكا» و«مصر من تاني» و«السعلوكي في بلاد الأفريكي» و«وداعًا للطواجن» و«قهوة كتكوت» هذا بخلاف الآلاف من المقالات واليوميات وكانت أخر مقالة سطرها بمجلة «المصور» داخل دوار الحاج إبراهيم نافع في صفحته الأخيرة علي «باب الله» وكانت تحت عنوان «بأحب عيشة الحرية».. يومها كان «السعدني» يرتدي الجلابية والعباية وكنت معه أنا وابن شقيقته الدكتور «إيهاب عفيفي» وكانت الساعة تشير إلي الواحدة صباحا وبعد أن عاد من مستشفي معهد ناصر وكان أمضي فيها يوما وبالعافية لأنه كان يكره الحقن والدواء وكان يراعيه الدكتور محمد شريف مدير معهد ناصر وبتوصية خاصة من وزير الصحة وقتها الدكتور عوض تاج الدين وبعد تخلي الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة صديقه عن منصبه الوزاري.. يومها كتب السعدني «ستة» أوراق فلوسكاب أحضرها الحاج إبراهيم نافع وأعطاه القلم.. وتركناه يسطر ما كتب وبعد الانتهاء طلب من الدكتور «إيهاب» أن يرسلها بالفاكس لعم «مكرم محمد أحمد» رئيس تحرير «المصور» ونقيب الصحفيين.. لم يخبرنا بما سطره وكانت المفاجأة عندما طالعناها فكانت سطورها وفاءً لأسرته وزوجته وكان الوفاء عندما سطر أيضا بها سعادته عندما يكون بجواره صديقه الفلاح إبراهيم نافع وصديقه الصحفي حمدي حمادة وابن شقيقته الدكتور إيهاب عفيفي.. هذه المقالة مازلت أحتفظ بها لأنها شهادة عظيمة من السعدني للبعض ممن عايشوه واحبوه الحب الصادق وبدون منافع لأن «السعدني» بفطنته وبفطرته كان يميز من يحب ومن كان يتظاهر بالكذب ولذلك كان يرفض كل من يتميز بالإفك لكونه كان الأصيل والمحب.. وعلي حد تعبير الشاعر الراحل «كامل الشناوي» الذي قال يخطئ من يظن أن «السعدني» كان سليط اللسان فقط.. أنه سليط العقل والذكاء أيضا! وقال عنه الكاتب والروائي «خيري شلبي» بأن الله خلق «محمود السعدني» علي هيئة بشر ولكن بمزاج الفاكهة والورود والرياحين وهو الوحيد الذي جمع بين موهبة الكتابة والخطاب الشفاهي في اتساق تام وتوازن خلاق وقال عنه «مفيد فوزي» بأنه من أجمل الحكائين في مصر ولديه وسيلة وطريقة وجاذبية لا حد لها وسخريته حادة.. وقال أيضا «مكرم محمد أحمد» نقيب الصحفيين عنه بأن «السعدني» استاذ كبير فهوأعظم من استخدم الكتابة الساخرة في الدفاع عن حقوق البسطاء وكان سفير صاحبة الجلالة إلي البسطاء في مصر ويدافع عن حقوقهم وكان سيفا مسلطا علي من يعتدون عليهم من هليبة البنوك! وعبر الدكتور مصطفي الفقي عقب رحيل «السعدني» بقوله بأن رحيله لا يعني رحيله عن عقول الناس وهو ظاهرة يصعب تكرارها.. ويبدو أن «السعدني» كان يقرأ الغيب عندما كتب في كتابه «أمريكا ياويكا» وبالحرف.. يوما ما في الخمسين عاما المقبلة سيصبح رئيس الولاياتالمتحدة رجلا أسود!! وبالفعل أليس «أوباما» هو الرئيس الأمريكي الآن؟!.. وسبق وقال إنها أمريكا القاتلة التي بدأت حمراء.. ثم بيضاء وانتهت سوداء من غير سوء!! رحم الله السعدني الذي بين يد الخالق الآن وتحققت نبوءته الآن والتي سبق وسطرها في كتاب «حمار من الشرق» بأن حكامنا يحطون علي رءوسنا كما «المصيبة»