أحيانا، يفوز بنوبل أشخاص غير متوقعين، وهو ما جري مع الموسيقي وكاتب الأغاني الشعبية والمطرب بوب ديلان، حيث جاءت ضمن حيثيات فوزه:" أنه خلق تعبيرات شعرية جديدة، ضمن التراث الأمريكي العريق". استمر تأثيره الطاغي علي الموسيقي والثقافة الشعبية الأمريكية لأكثر من خمسة عقود، تعرض خلالها لانتصارات وإحباطات تفوق قدرة أي شخص علي الاحتمال، وأكثر أعماله شهرة تعود إلي ستينيات القرن الماضي، حين تناولت كلمات أغانيه تأريخ الاضطرابات الاجتماعية الأمريكية، وبالرغم من رفض الصحفيين لبعض أفكاره إلا انه ظل متحدثا باسم جيله، خاصة في أغانيه المبكرة مثل "مهب الريح، في العالم والأوقات المتغيرة" التي تحولت إلي أيقونة الحقوق المدنية، والحركات المناهضة للحروب، صانعا قاعدة راسخة لإرساء وإعادة إحياء الموسيقي الشعبية الأمريكية، وبالرغم من تعرض أعماله لانتقادات عديدة من الحركات الشعبية إلا أن اسطواناته لاقت أعلي المبيعات في أمريكاوإنجلترا، فكلمات أغانيه التي يكتبها لنفسه كانت لها تأثيرات متباينة سياسية واجتماعية وفلسفية وأدبية عملت علي ازدهار الثقافة المضادة، كما تحدت موسيقاه موسيقي البوب المتعارف عليها، التي استوحاها من عروض ليتل ريتشاردو، وتأليف أعاني وودي جثري وروبرت جونسون وهانك ويليامز، حيث استطاع ديلان تعظيم مكانة ذلك النوع من الأغاني ومنحه شخصية متفردة. تمتد مسيرته الغنائية لأكثر من خمسين عاما، عمل خلالها علي استكشاف المذاهب والتقاليد الموسيقية الشعبية في الأغاني الأمريكية، بداية من الفولك والبلوز، والإيقاعات الريفية، والروك آند رول، إلي موسيقي الجاز والتراث الموسيقي الاسكتلاندي، حيث يعزف علي آلات متعددة منها الجيتار والهارمونيكا وغيرها مع مجموعة متغيرة من الموسيقيين، وبالرغم من أن الموسيقي والغناء هما جناحا شهرته إلا أن كتابة الأغاني أعظم انجازاته. منذ سنة 1994 نشر ديلان ستة كتب تحتوي لوحات ورسومات من أعماله عرضها في المعارض الفنية الكبري، وكموسيقي حققت اسطواناته مبيعات تصل إلي مائة مليون اسطوانة، ليصبح بذلك أعلي الفنانين مبيعا في كل العصور، حصل علي العديد من الجوائز منها عشرة جوائز جرامي، وجائزة جولدن جلوب، والأوسكار، والبوليتزر سنة 2008 "لأثره العميق علي الموسيقي الشعبية والثقافة الأمريكية، وهو علامة بارزة في تأليف الموسيقي الشعبية، علاوة علي عظمة نثره الاستثنائية"، وفي مايو 2012 تلقي وسام الحرية من الرئيس باراك أوباما. تأثر في طفولته بسماع موسيقي البلوز وفي مراهقته بالروك آند رول، كما كون فرقة موسيقية بمدرسته قدم من خلالها أغاني الفيس بريسلي، وشجعه علي ذلك مدير المدرسة، وحين التحق بجامعة مينسوتا زاد تركيز اهتمامه علي الروك أندرول ظانا انها الطريق إلي الموسيقي الشعبية، إلا أن ذلك كان ليس كافيا لإرضائه موسيقيا، كما شعر انها لا تعكس الحياة الواقعية، وحين تعمق في دراسة الموسيقي الشعبية وجدها معظم أغانيها تدعو إلي اليأس، والمزيد من الحزن، والعنف، والإعتقاد في الخوارق، إلا أنها تحتوي مشاعر أكثر عمقا من أنواع الموسيقي الأخري، فشرع في محاولة تطويرها لتناسب العصر، و بعد رسوبه في السنة الأولي من الجامعة رحل إلي نيويورك لتقديم عروضه وهناك زار مثله الأعلي في المستشفي وودي جوثري الذي كان يعاني من مرض عضال، الذي قال عنه:" أغانيه تجتاح الإنسانية إلي مالا نهاية، وهو صوت حقيقي للروح الأمريكية، ودائما أقول لنفسي إنني سوف أصبح تلميذا لجوثري" في فبراير 1961 غني ديلان في النوادي الليلية في أنحاء جرينويتش فيلدج ومن هناك استطاع التقاط أشياء عديدة من المطربين الشعبيين هناك، واكتسب شعبية عندما كتب روبرت شيلتون مقالا عنه في نيويورك تايمز، فأصدر ألبوما لم يلق إهتماما حيث باع خمسة آلاف اسطوانة فقط بعدها أصدر ألبوما تحت اسم مستعار هو بليدز بوي جرانت، بينما يستمر في تقديم عروضه الموسيقية كلاعب بيانو وهارمونيكا، وفي سنة 1962 وقع عقدا مع ألبرت جروسمان ثم قام برحلته الأولي إلي إنجلترا من ديسمبر 1962 إلي يناير 1963 وتم بث أغانيه في عدد من محطات الإذاعة، ثم أصدر ألبوم" التحرر" الذي لاقي إعجاب المستمعين بما فيهم فريق البيتلز، في النصف الأخير من سنة 1964 و أوائل سنة 1965 انتقل ديلان من كاتب للأغاني الشعبية إلي نجم موسيقي الراب والبوب الشعبية، واكتظت المحلات بالشباب الراغبين في تقليد ملابسه، وتنافست برامج التليفزيون علي استضافته، وانهالت عليه عروض التمثيل في السينما إلا انه لم يلق لها بالا، وحين صدر ألبومه "أعيد كل الأشياء" في أواخر سنة 1965 كان بمثابة قفزة جديدة نحو الشهرة، حيث استخدم لأول مرة آلات موسيقية كهربائية، وكلمات أغاني وصفت بأنها عودة إلي سماع نبض الشعر، ورائدة للراب والهيب هوب، وعلي الوجه الآخر للإسطوانة سجل أربعة أغنيات عزف بها علي الجيتار و الهارمونيكا منها أغنية تحمل عنوان "الأستاذ تامبورين" التي أصبحت أفضل أغانيه واحتلت المرتبة الأولي في التوزيع في الولاياتالمتحدة و إنجلترا. وفي سنة 1965 ترأس مهرجان نيوبورت الشعبي حيث قدم عرضا بالعزف علي آلاته الموسيقية الكهربائية مع فرقة قليلة العدد، إلا انه سمع أصوات استهجان إضطر بعدها لمغادرة المسرح بعد ثلاث أغنيات فقط، حيث اعترض الجمهور علي مصاحبة الآلات الموسيقية الكهربائية للأغاني الشعبية، باعتبار ذلك خرقا للتقاليد الغنائية، وأن الأغاني الشعبية إبداع لفنانين ذوي موهبة استثنائية يعملون داخل منظومة وضعت علي مر الزمن، إلا انه صرخ في الجمهور الغاضب، معتبرا إياهم مجرد متفرجين غير بارعين في النقد، عاشوا يتغذون علي موسيقي البوب، وفي 29 يوليو بعد أربعة أيام عاد ديلان إلي الأستوديو في نيويورك مسجلا أغنية "إيجابية الشارع الرابع" تحتوي كلماتها علي صورة من الانتقام وجنون العظمة.وفي سنة 2004 تم اختيار تلك الأغنية كأعظم أغنية في كل العصور، من مجلة رولنج ستون، وفي سنة 1965 وصلت أغنية" مثل رولنج يتون" ذروتها بالمرتبة الأولي في أمريكا والرابعة في انجلترا كما أدرجت سنة 2004رقما واحد ضمن أعظم خمسمائة أغنية. خلال السبعينيات أصدر ألبوم "صورة للذات" لاقي استقبالا ضعيفا، وفي نفس العام أصدر البوم "صباح جديد" أعتبره النقاد عودة للأصل يتضمن أغنية "يوم من الجراد" تلقي عنها شهادة فخرية من جامعة برينستون، وبالمثل في سنة 1972 وقع عقد تمثيل فيلم عنائي وضع موسيقاه وبالرغم من فشل الفيلم، فقد أصبحت إحدي أغنياته "طرق" أعلي المبيعات.