لعدة سنوات منذ بدايته ظل مهرجان سماع الدولي للإنشاد والموسيقي الروحية يرتبط ارتباطا وثيقا بشهر رمضان ولياليه الروحانية. إلا أن الحال اختلف الآن حيث تحول المهرجان لأحد الأحداث المهمة المرتبطة باليوم العالمي للسلام الذي يحل يوم 21 سبتمبر من كل عام ، وهو اليوم الذي خصصته الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعزيز المثل العليا للسلام في الأمم والشعوب وفيما بينهم. وخلال الحفل الختامي لمهرجان سماع في دورته التاسعة حرص الفنان انتصار عبد الفتاح علي حمل لافتة تحمل عبارة" السلام لكل العالم" ، حيث ذكر كتيب المهرجان أنه احتفاء بحلول الذكري السنوية الثلاثين لإعلان الأممالمتحدة بشأن حق الشعوب في السلم، تقرر أن يكون موضوع اليوم الدولي لهذا العام هو "حق الشعوب في السلم" .. ومن هذا المنطلق ذكر وزير الثقافة الكاتب الصحفي حلمي النمنم إن الإنسانية هي ما تجمع البشر، فيمكن أن نختلف في الموقع الجغرافي، والديانة، والأزياء، ولكن يظل الإنسان هو الإنسان أينما كان، وأوضح أن المهرجان هو رسالة إلي الإنسانية لذا يحمل اسم "رسالة سلام".. وأضاف أنه من خلال موقع حفل افتتاح المهرجان في قلعة صلاح الدين التي تحمل خلفها 800 عام من الحضارة، نقول إن الحياة ممكنة والسلام فريضة علينا، ونرفض جميعا دعاة الظلام وكل ما يقومون به. إن السلام والارتقاء نحو النور كان دائما هو الحلم الذي دفع بمؤسس المهرجان المخرج انتصار عبد الفتاح للسعي حثيثا لاستكمال حلمه الذي يكبر عاما بعد عام بمزيد من الأفكار الجديدة والفرق التي تسعي للمشاركة في المهرجان.. حيث يقول عبد الفتاح: إن النبع الأساسي الذي استقت منه مصر ديانتها كانت تهدف دائما وأبدا إلي الارتقاء بالروح نحو النور.. فمصر أرض مباركة دعا لها "أدم"و"نوح" وجاءها "إبراهيم أبو الأنبياء وخرج منها إسماعيل جد العرب وتربي فيها "يوسف" الصديق وفيها ولد "موسي" وإليها لجأ "عيسي" ابن مريم ومنها صاهر "محمد" خاتم الأنبياء المرسلين عليهم جميعا السلام. ولعل أهم ما يشتهر به المهرجان هو تلك الورش الدولية التي يحرص انتصار عبد الفتاح علي أن يستهل الفعاليات كل عام ويختتمها بها ، حيث تمتزج كل الأصوات والألحان والآلات في تناغم عجيب كما لو كانت تلك الفرق اعتادت علي العزف معا منذ سنوات طويلة في حين يستطيع المخرج المبدع أن يحقق تلك المعجزة من خلال بضع ساعات في البروفات الجماعية، بل إنه أيضا يعتمد علي اكتشاف المزيد من نقاط الالتقاء علي المسرح أمام الجمهور . يقول عبد الفتاح : لقد تحقق الحلم وأصبحت الفكرة واقعا ملموسا .. وها نحن من خلال المهرجان نقوم برحلة أسطورية أشبه بقداس صوفي كوني حيث تمتزج الأسطورة الذي امتد في الفترة من 21 إلي 27 سبتمبر مع اليوم العالمي للسلام، يتزامن المهرجان أيضا مع اليوم العالمي للسياحة الذي يحل سنويا يوم 27 سبتمبر . كذلك ولعل أحد التطورات التي يشهدها المهرجان عاما بعد عام إضافة إلي عدد الفرق المشاركة تتمثل في زيادة عدد أماكن العرض فبعد أن كانت قبة الغوري هي المقر الأساسي لافتتاح وختام المهرجان وغالبية العروض، ومع زيادة الجماهير التي تتدفق لمشاهدة عروض المهرجان، أصبحت أماكن العروض تتنوع بين مسرح بئر يوسف (حيث الافتتاح والختام)، وقبة الغوري، ومسرح الميدان بساحة الهناجر، ومركز طلعت الحرب الثقافي والهيئة العامة لقصور الثقافة، إضافة إلي المركز الثقافي القبطي. كذلك أصبح الكرنفال الدولي بشارع المعز واحد من أهم فاعليات مهرجاني سماع، والطبول ، حيث تتجمع الفرق المشاركة عند باب الفتوح وتتحرك معا بطول الشارع العريق ليمتزجوا بالزوار والجمهور . وخلال هذه الدورة من المهرجان تم اختيار إندونسيا ضيف شرف مهرجان سماع هذا العام، حيث شارك بالمهرجان كل من فرقة "نونا أسري" الإندونسية التي قدمت عروضا كثيرة في العديد من المهرجانات المحلية والدولية، وكذلك فرقة "داعي الندا للإنشاد الديني" والتي يعرفها الجمهور المصري جيدا ، حيث انضمت الفرقة إلي فرقة رسالة سلام الدولية بقيادة انتصار عبد الفتاح منذ عام 2008 ، وهي تقدم عروضها باستمرار في مصر وقد تأسست الفرقة في العاصمة الإندونيسية "جاكرتا" عام 2003، علي يد المنشد نور أخياري ، مرة تشارك فرقة كورال الأطفال من المدرسة الإندونسية بالقاهرة وبالتعاون مع سفارة إندونسيا بجمهورية مصر العربية وذلك ضمن المشروع الدولي المنتخب لبراعم سماع. كذلك ومن الفرق المقيمة في مصر والتي شاركت في المهرجان فرقة الرضوان السورية للمدائح والابتهالات الدينية والتواشيح الأندلسية والصوفية بقيادة المنشد عبد القادر المرعشلي ، وقد تأسست الفرقة بمدينة دمشق عام 1981 ، وهي تجيد كثير من الألوان الإنشادية المختلفة ومنها اللون الأندلسي الطربي الأصيل واللون التركي والمصري والعراق والخليجي ..وقد استقرت الفرقة مؤخرا في مدينة القاهرة وتمارس نشاطها الفني في عدة مدن مصرية.. وما يميز الفرقة أنها فرقة عائلية تضم الأب والأولاد ومعظمهم خريجو مدارس ومعاهد موسيقية ومدرسون لعلوم المقامات الصوتية . وقد تم اختيار مؤسس الفرقة المنشد السوري الكبير عبد القادر المرعشلي مؤسس فرقة الرضوان لتكريمه ضمن المكرمين هذا العام، والذي ولد بدمشق عام 1948 ، وترعرع في بيت إسلامي فكان والده الشيخ ياسين المرعشلي شيخا لعدة طرق صوفية وكان قارئا مجيدا للقراءات، وكان له صوت مميز، وتعلم المقامات الموسيقية علي يد كبار المنشدين في جامع بني أمية الكبير وكان العلم علي طريقة السماع أي من غير آلة موسيقية . و عبد القادر المرعشلي حاصل علي إجازة برتبة منشد ممتاز من وزارة الأوقاف السورية عام 1990 وعام 2006، كما حصل علي عضوية من نقابة المهن الموسيقية بالقاهرة ، ويتميز المنشد بأدائه الراقي الذي يتم بصدق المشاعر. وخلال حفل الختام كَرَّم وزير الثقافة أيضا اسم الشيخ مصطفي إسماعيل وتسلمها عنه حفيده علاء حسني، واسم المعلم فهيم جرجس رزق، والعالم الجليل الدكتورعلي جمعة، والدكتور محمود حمدي زقزوق وتسلمها نيابة عنه فضيلة الشيخ علي جمعة، والأنبا موسي أسقف الشباب وتسلمها عنه الأنبا أرميا، والدكتور علي السمان. وقد رحب وزير الثقافة بالدكتور علي جمعة ، مؤكدا أن حضور فضيلته هو إعلان عما ننادي به، من أن الاسلام دين السماحة والاعتدال والإنسانية، فالإسلام ليس دينا للقتل وليس عنوانا للإرهاب، وأكد إن الإرهابيين قتلة من البداية للنهاية، كما رحب وزير الثقافة بنيافة الأنبا أرميا، قائلا تلك هي مصر التي تسع الجميع في محبة واحترام.