عندما نتطلع إلي صور الجنود المصريين أثناء حرب أكتوبر نلاحظ مدي تواضع ملابسهم العسكرية وبساطة تصميمها ونسيجها. نلاحظ أيضا سمات البساطة علي وجوه الجنود الذين لا تقارن هيئاتهم ومعداتهم بالجنود الإسرائيليين الذين كان كل منهم يحمل كل ما يحتاجه من غذاء وماء وسلاح وذخيرة وآليات للتواصل مع قياداته وزملائه. المقارنة غير عادلة بين الجندي المصري ابن الفلاح أو العامل الفقير وبين أولئك علي الجانب الآخر من قناة السويس. لكن الجندي المصري صاحب البدلة الكاكي بسيطة التصميم والعتاد حقق النصر في أكتوبر 73 بأقل المعدات كمية وأقلها تقدما. كانت إسرائيل مطمئنة تماما لعدم قدرة المصريين علي عبور قناة السويس وقهر الساتر الرملي علي الشاطئ الشرقي من القناة. زد علي ذلك وجود خط بارليف المنيع وكلها حواجز كفيلة بقهر الجيوش حتي لو ملكت العدد والعتاد. سر النصر في حرب أكتوبر الجندي المصري. لو قدرنا بالحسابات المنطقية مدي قدرة الجيش المصري علي عبور القناة وهزيمة العدو لما وصلنا إلي نتيجة إيجابية علي الإطلاق ، لكن كان هناك عنصر لا يوجد مثله علي الجانب الشرقي من القناة ، هو المقاتل المصري ابن الفقير المصري الذي كان يقضي فترة خدمته الوطنية منتظرا علي أحر من الجمر تحرير تراب الوطن. كان البسطاء قادمين في غالبيتهم من طبقات فقيرة. يعرفون كيف هو حال الجبهة الداخلية للبلاد. المرافق مهلهلة. المياه مقطوعة دائما. التليفونات ميتة منذ زمن. المجاري طافحة تغرق الشوارع. المواصلات تهدر آدمية الفرد. الإسكان نادر. الوظائف والعمل خارج الحكومة غير موجود. مشاكل سببها كلها حالة الحرب التي يعيشها الإنسان المصري بعد هزيمة 67 والشعور المتجذر داخله بالإهانة العميقة. أولاد الفقراء علي الجبهة ينتظرون بفارغ الصبر يوم الحرب. صدورهم تغلي في انتظار يوم الكرامة. تركوا أهلهم في الداخل. هجروا وظائفهم وأعمالهم. عاش بعضهم سنوات تزيد كثيرا علي المدة المحددة للخدمة الوطنية وكانوا راضين بكل شيء من أجل يوم النصر. كان عبور القناة بجيش كبير أو جيشين كبيرين بكامل أسلحتهم وعتادهم في مواجهة مقاومة من العدو مسألة مستحيلة. لقد عبرت جيوش من قبل موانع مائية لكن مانع قناة السويس كان فريدا من هذه الناحية فهناك انحدار علي الشاطئين ويعوق تدبيشه المركبات البرمائية من النزول إلي المياه أو الصعود منها إلا بعد تجهيزات هندسية مسبقة. كما أن وجود الساتر الترابي الذي يرتفع إلي ما بين 10 إلي 20 مترا يجعل من المستحيل علي أي مركبة برمائية العبور إلا بعد إزالته. أما خط بارليف فكان يتحكم في جميع الاتجاهات ويمكن من خلاله غمر أي قوات تعبر القناة بالنيران خاصة في ظل وجود خزانات المواد الملتهبة التي يمكنها تحويل سطح القناة إلي حمم تشوي الأسماك حتي في الأعماق. قامت القوات المصرية بحل كل تلك المشاكل فأزالت الساتر الترابي في 60 موقعا لعمل ممرات تعبر منها الدبابات والمركبات المائية لمساندة المشاه الذين كانوا عبروا بعد الضربة الجوية ودكات المدافع. تم حل مشكلة الساتر بضخ المياه كما حدث في بناء السد العالي. فكرة بسيطة لكنها كانت أكثر فاعلية. قامت قوات خاصة بسد فتحات النيران جميعها. وأقام الجيش المصري 10 معابر و50 معدية وتم كل ذلك في فترة بين 6 إلي 9 ساعات. عانينا مرارة الهزيمة والشعور بالإهانة العسكرية والوطنية علي مدي 6 سنوات. كانت الجبهة الداخلية تتمزق بسبب صراعات سياسية. نظم الطلبة مظاهرات ضد النظام. كل فئات الشعب كانت تطالب بالحرب. التسليح لم يكن علي قدر ما يتمناه قادة البلاد والجيش. من الناحية العملية كانت إسرائيل متفوقة في كل النواحي. دعم أمريكي بلا حدود. أحدث الأسلحة في ترسانات العدو. السلاح الحاسم كان لأصحاب البدلة الكاكي من الشبان السمر.. الذين كانوا رايحين شايلين في إيديهم سلاحا.. وراجعين رافعين رايات النصر.